العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. دعمي المالي وفقري المستبد

يمنات

أحمد سيف حاشد

أكتبُ هنا عن الفقراء ذو الدخل المحدود، الذين أبتلتهم أقدارهم بفقر يدوم يعيق وصولهم، ويحول دون تحقيق أمنياتهم السياسية؟! كيف للفقير أن يعبر إلى ما يريد، وأمامه ألف مانع وألف جدار؟! الحظ لا يخدم منهم إلا ما هو في حكم النادر، و”النادر لا حكم له”..

الفقراء محكومين بواقعهم الذي يمنع عليهم تجاوزه.. محكومين بأقدارهم التعسة إلا من ندرت حالته.. ربما يكتفي الناجح فيهم بتحسين معيشته ومعيشة أسرته، وإن ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، يكون في الغالب معرّضا للاستقطاب والاحتواء، أو الوقوع في شباك السلطة المُفسدة، أو أرباب العمل الفاسدين..

هذا الذي نجح في العبور وتجاوز واقعه، غالبا ما تفسده السلطة.. تجده وقد تعالى وتنكر لطبقته الاجتماعية المسحوقة بالفقر، وأنتقل منها إلى غيرها أو أنقلب ضدها.. ربما تجده قد تحول إلى فاسد أو جلاد أو ظالم مستبد.. يتخلّى عن ماضيه وعن رفقة طفولته.. يخون طبقته ويتخلى عنها ويبدّل جِلده إن أستطاع.. ينسلخ منها ليلتحق بموكب التافهين والفاسدين والمستبدين..

كيف للفقير أن يتجاوز قدره الذي لا يتزحزح عن كاهله؟! كيف يخترق الممنوع بواقعه؛ ليصل إلى البرلمان ليدافع عن الفقراء، و” يُمثّلهم لا يمثّل بهم”، ويدافع عن حقوقهم المنتهكة والمستلبة، ويتصدّى لبشاعة السلطة التي تُتخم وتتربح بمزيد من إفقارهم؟! السلطة التي تسرق شعبها ليلا ونهارا، وفي كل آن وحين، وتمعن في سطوها ولصوصيتها.. كيف للفقير أن يصل وهو لا يملك قوت يومه أو ما يستعين به على مشقّة العيش؟! كيف له أن يتخطّى أقداره، ويتجاوز واقعه وهو غارق في تفاصيل حياته الصغيرة، وهمّه اليومي المزدحم؟!!

كثيرون هم الفقراء الذين يشغلون وظائف الدخل المحدود.. جميعهم يحصلون على مرتب شهري، ولكن هذا الراتب بالكاد يكفي صاحبه شهرا لإعاشته هو وأسرته، وربما لا يكفيه إلا بجلد وعصامية فذة..

كيف له أن يصل هذا العامل أو الموظف إلى طموحه السياسي المشروع، وسط زحام التفاهة التي تكتظ أمامه؟!! كيف يمكن أن يعبر وسط هذا الزحام من الانتهازيين والوصوليين ونخاسي الإنسانية والضمير..؟!! إنها دون شك مشقّة بالغة إن لم تكن مستحيلة..

***
كان مرتبي الذي أستلمه نهاية الشهر بالكاد يكفي أسدد به دين الشهر الذي فات، وأن بقي منه فهو لا يكفي أن أعيش منه أسبوعين من الشهر الجديد، ثم تبدأ الأيام تطول وتتطاول بشدّتها ووطأتها الثقيلة، ويبدو بقية الشهر بمدى أطول مما هو عليه، ولا أصل إلى نهايته قبل أن يبلغ “قلبي الحنجرة”.. ثم يأتي راتبي نهاية الشهر، فأتنفس الصعداء، وأقضي ديوني التي على كاهلي من الشهر الذي فات.. وبعد مرور نصف الشهر الجديد أبدأ بالاستدانة من جديد.. رحلة مكدوده وعذاب مستمر..

لقد رسمت كثير من المقولات المشهورة الواقع الذي يعيشه الموظف الفقير، والمحكوم بقوانين ثقيلة وصارمه وممنوعة التجاوز.. لا أحد أصبح غنيا كما قال أحدهم بالعمل من الساعة الثامنة صباحا حتى الخامسة مساء.. وتسأل أخر وهو يعاني: “لماذا يتبقى دائما الكثير من الشهر؟!!.. فيما قال روبرت أشتون: مهما كان المبلغ الذي تجنيه، فإنه لا يبدو كافياً بالمرة لاستكمال الشهر حتى آخره، وقليلون للغاية هم من يمتلكون كل ما يحتاجون إليه من المال.”

الفقير إن وجد الوظيفة، وهي ربما أقصى أمنياته بعد التعليم، يتقاضى مقابلها مرتبا شهريا، ثم تزداد حاجة الموظف، فيما يبدأ مرتبه بالانقراض شيئا فشيئا، وحتى لو كبر قليلا ببطيء “السلحفه” فإنه يكبر على نحو غير موازي لتراجع القدرة الشرائية لمرتبه، فيزداد صاحبه حاجة وعوزا وفقرا..

إنه العيش المُر، الذي عبّر عنه أحدهم بقوله: “عندما بدأت العمل، كنت أحلم باليوم الذي أتقاضى فيه الراتب الذي لا يسد احتياجي الآن” وربما أصاب “نيكولا تسلا” في وصف الحال بمرارة أشد وهو يقول: بعد نفاد النقود دائماً الـ 29 يوماً الأخيرة من الشهر هي الأصعب.

رجال السلطة يشرعون قوانينهم ليطبقوها وينفذونها عليك فقط، فيما هم بمنأى عن التطبيق بحماية السلطة وصولجانها.. قوانين تمنعك من اختراق جدارهم السميك وموانعهم الحصينة.. ينهبون الوطن طولا وعرضا، ويستلمون المال من كل اتجاه لهم ولأحزابهم وجماعاتهم، فيما أنت أن فعلت لغرض شريف يهددونك بقطع يدك.. يمارسون التكسب والتربح بحماية السلطة وقوانينها، فيما أنت يسنون لك القوانين التي تشبه قبح وجوههم الدميمة..

هذه القوانين تنطبق في وجه ما مع من شبّهها بـ “بيوت العنكبوت التي بإمكانها إمساك الذباب الصغير ولكنها تسمح للدبابير بالمرور”.. وفي وجه آخر ينطبق عليها ذلك الذي وصفها بأنها تسحقُ الفقراء فيما الأغنياء هم من يسودون القانون، أو كما عبر عنها جلال عامر “سيف على رقاب الغلابة ومُداس في أقدام الأثرياء”.

يشرعون قوانينهم التي تحصن الفاسدين وتحميهم، وتعقّد سبل مقاضاتهم ومسائلاتهم، وتحمي ثراءهم الغير المشروع، حتّى وإن كان هذا يتم على حساب الوطن واستقلاله وسيادته أو على حساب المال العام وحقوق المجتمع..

إنهم بشعون ومستعدون أن يستلمون المال حتى من خازن نار جهنم إن أتاهم بالمال.. ثم يحرصون على إقامة الصلوات في مواقيتها.. أما أنت فمُهددا بقطع يدك بقوانينهم العوراء، حتى وإن كان هذا المال تستخدمه في كشف الفساد ومقاومته، وكشف الانتهاكات اليومية بحق شعبهم.. هكذا نجد الاختلال والاعتلال يحاصرك من كل اتجاه، وتفقد العدالة معهم معناها ومرماها وجوهرها ومسمّاها..

أنت لا ظهير لك ولا سند إلا إذا سقطت في أوحالهم القذرة التي يريدون أن تغرق فيها حتى تصير بعض منها، أما أنك تتجاوزهم وتنحاز إلى الفقراء والبسطاء والوطن فذلك ممنوعا عليك، وقنصك مشروع أو ضرورة، من حصونهم المحصنة وأبراجهم العالية، وأنت أعزل دون ترس ولا سهم ولا رُمح ولا متراس..

***

إذا فكرت أن تعبُر بطموحك المتواضع أول درجة في السلّم السياسي في حدود الوجاهة لا أكثر تجد نفسك محكوما بمجتمعك المُثقل بأعرافه وتقاليده وشروطه، يجب عليك أن تملك ديوانا مفروشا، وإن كان في بيت إيجار، وعندما يُستصعب أن تفعل هذا، تستعيض عنه لتحقيق رغبتك بشراء هذا المفرش بالتقسيط الغير مريح.. عليك أن تعاني كثيرا وأن تقضي عاما كاملا حتى تسدد دينك أقساطا على حساب قوتك وأولوياتك، بإجمالي يزيد عن الدفع العاجل بمبلغ الربع أو الثلث.. لن تتنفس الصعداء إلا بعد سداد الأقساط، وبالسداد فقط تزيح عنك همّا أثقل من الدين الذي كان يثقل كاهلك..

ومن أجل أن تكسر عزلتك وتكون اجتماعيا في مجتمع القات عليك أيضا أن تتعاطي القات حتّى وإن كنت لا تطيقه؛ وذلك للحيلولة دون أن تصير منبوذا وحيدا تعيش عزلتك بمعاناة أشد.. عليك أن تخصص في ميزانيتك الشهرية المحدودة ميزانية غير هيّنة مقابل تعاطيك للقات..

وعندما تحاول أن تجمع مشايخك في مجلسك الجديد، تجد المشايخ في مجلس مقيلك يتقاذفون بمنافض السجائر.. وكل قد صار يعتب عليك لأن ما حدث قد حدث كما يقولوا “تحت خشبتك”.. وستسمع كثيرا: “والله إنها فعله”.. “والله إنها كبيرة”.. ولن تستطع أن تقول لهم: اذهبوا إلى مركز الشرطة أو المحكمة، وسأكون شاهدا على ما حدث..

وعندما تحاول أن تصلح ما فسد تجد في شروط أحدهم فُرقة الأبد “أما وأما”.. عندما تريد أن تسلي وترضي أحدهم، لا يمانع، ولكن يشترط عليك أن تقطع صلتك بالآخر قطع الأبد، عليك أن ترمي بمدينتك خلف ظهرك، وتشعر بحاجتك إلى عشرين “كُورس” لتتعلم “القبيله”..

أردتُ أن يكون مجلسي عامرا بالمحبة وجامعا لهم، فوجدت نفسي قد فقدت نصفهم بـ “أما وأما”.. هكذا كانت قصتي مع أول مجلس أردتُ أن أبدأ منه..

لتكون وجيها من المهم أن تملك سيارة، وهي ما لم تكن بحلمي، لأنها كانت لديّ أكبر من مستحيل.. ولكن بعد أن صرت قاضيا وبعد أن أنقضت فترة في عملي بسلك القضاء العسكري تم منح كل قاضي مبلغ سبعمائة ألف ريال، اشتريت سيارة صغيرة مستخدمة.. ولتكون وجيها عليك أن تملك تلفون.. أنا يومها لم أكن أملك قيمة تلفون.. أستاذي محمد عبد الرب ناجي هو من أهداني تلفون سيار أظنه نوع “موتريلا”. عبء إضافي مقدورا عليه، إن جعلت استخدامه لما هو ضروري وهام..

***
وبعد أن بدأت تراودني فكرة الترشح لمجلس النواب، كان أشد ما يحبطني هو توفير المال.. ما أحتاجه لا أملك لا كثيره ولا قليله.. لطالما شعرت أنني غني بأشياء كثيرة إلا المال كان عقبتي الكأداء في طريقي ولا زال، ولكني لا أتنازل عن مبادئي مقابله مهما اشتدت ضرورته.. لقد كنت قنوعا وغير مباليا بالمال، ولكن فكرة الترشح لمجلس النواب فكرة هائلة ومجنونة، ويعوزها الكثير من المال، وأنا صفر اليدين، وخالي الوفاض، وجيبي عامرا بقصاصات الورق..

المال وسيلة لا غنى عنها في هكذا فكرة.. يا إلهي .. حتى الجنون يحتاج إلى ضمار.. احتاج إلى مستحيل.. يا إلهي كيف أسجل اختراقا في هذا الغير ممكن؟!! كيف أتجاوز هذا المستحيل الذي يصدَّني بقوة سيل جارف عرمرم؟! كيف أعبُر إليه؟! أنا الذي أموت عزيزا وخجلا دون أن أتجاسر من ذكر المال، فكيف لي أن أطلبه؟!!

كنت كلما ذكرتُ فكرة الترشح لمجلس النواب في عسري هذا تذكرتُ المال، وتذكرتُ قصيدة لنزار قباني غنّاها عبدالحليم حافظ وقيلت على لسان قارئة الفنجان أختار منها:
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أقرأ أبداً فنجاناً يشبه فنجانك
بصّرت ونجّمت كثيراً
لكني لم أعرف أبداً أحزاناً تشبه أحزانك
…..
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً أشجارا
وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان

***
يجب أن لا أسقط بسبب المال لأن الساقط لا يعود.. يجب أن اتماسك أكثر من المستحيل.. يجب إن أفكر بما هو ممكنا ومشروعا ولا يعافه ضميري.. وجدت في أصدقائي الثلاثة مجيد ونبيل وأحمد محمد سيف الشعبي تشجيعا لي بإزاحة خجلي قليلا، وأن أجعل من غيري يطرق باب التبرّع.. ولكن أنا الفقير بالمال لا تربطني مودّة أو علاقة برجال المال، وفضلا عن هذا، كيف يمكنني أحملهم على أن يستحسنوا فكرتي في الترشح، وأكثر منه أن يتحمسوا لها، فيما أنا أعيش خارج دائرة الرأسمال، وخارج دائرة مصالحهم إن لم أكن أنا في بعضي ضد بعض قيمهم، وقيم وسياسات السوق أيضا، ومنها الجشع والاحتكار وحياة الغاب..

وفضلا عن هذا وذاك لا تربطني صلة أو علاقة برجل مال وأعمال كبير أو شهير بإمكانه أن يتكفل بمساعدتي في أمر كهذا، وزائد عليه وما أعرفه عن رأس المال إنه جبان في مواجهة السلطة، وأكثر من هذا فإن مصالح أصحاب المال وأصحاب السلطة متبادلة في وجه منها، فيما أنا لا تربطني ولا تجمعني بأحّدهم أي مصالح من أي نوع كانت..

إن راس المال لن يكون معي إلا إذا كانت السلطة معي، وراضية عنّي، وفي حالة امتلاك صاحب رأس المال لبعض الشجاعة بسبب أن السلطة لم تختار مرشحها بعد، فإنها تظل شجاعة يلازمها الحذر البالغ، فإن تأكد إن السلطة ستكون ضدّي أو حتى غير راضية عنّي؛ سينقلب الخال ضدي بحسب رغبة وإرادة السلطة.. سينتقل من جبهتي إلى جبهة منافسي ربما بأدنى إشارة منها، وينقلب من كنت أعتقد أنه مصدر دعمي وقوّتي إلى قوة ضدي لصالح منافسي.. هكذا كنت أفكّر..

لقد بدت طريقي ليست شاقة فحسب، بل وبنهاية مسدوده أيضا، وفشل محسوم، إلا أن هذا لا يمنع إرادتي من المحاولة.. رأيت في المحاولة بحد ذاتها شرف وانتصار حتّى وإن خابت نتيجتها.. تعلمتُ إنه لابد من المحاولة بدلا من أن أبقى أندب حظي وألعن خيبتي.. يجب أن أحاول تحويل المستحيل إلى ممكن.. لا زال الوقت متاحا لأغتنم بعض الوقت قبل فواته.. هكذا كنت أحدّث نفسي..

لابد أن استفيد من فرصة هذا الغياب، بل وفرض وجودي في الواقع لأكون أنا أيضا أحد خيارات دعم حزب السلطة، ولكن دون أن أتنازل عن برنامجي الانتخابي، واستقلاليتي، وصفتي التي سأترشح بها وهي مرشح مستقل.. وربما مثل هذا الدعم يوفر لي الأمان أيضا من احتمال تزوير النتائج.. هكذا كانت تجوس الأفكار داخلي..

***

أشار أصدقائي “الثلاثي” إلى الأستاذ محمد عبد الرب ناجي المدير الإداري لشركة “تيلمن” ورئيس الجمعية التي أشغل أمينها العام ورئيس تحرير لسان حالها.. وأيضا أشاروا لي بصديقه عبدالباقي ناشر، فيما أشارني عبدالله عبد الإله بمنير عبده ثابت صاحب صيدلية الشروق، وعبدالرحيم حسن سعيد نائب مدير بنك اليمن الدولي.. وبادر هذا الأخير باستضافة اللقاء في منزلة..

هؤلاء الطيبين هم عصبة المال لدي، فأنا لا أعرف أكبر منهم، وحتى هؤلاء اتعامل معهم في المال بحياء وحذر بالغ.. ولكن وجدت لديهم الحماس الكافي لأن أبدأ منهم.. إنه اللقاء الذي كان بالنسبة لي قد صنع من المستحيل ممكنا.. وكانت التبرعات فيه كالتالي:

1- محمد عبد الرب ناجي مأتي ألف ريال
2- منير عبده ثابت مأتي ألف ريال
3- عبد الرحيم حسن مائة ألف ريال
4- عبد الباقي ناشر مائة ألف ريال
5- عبده فريد حاشد مائة ألف ريال
6- عبدالله عبدالإله خمسون ألف ريال
7- السفير محمد سعد القباطي عشرون ألف ريال
8- على فضل طه عشرون ألف ريال
9- حسن على راجح عشرون ألف ريال

هكذا تجاوز المبلغ الثمانمائة ألف ريال وهو يومها بالنسبة لي يعد رقما قياسيا غير متوقعا، وأكثر من هذا ربما كنت لا أحسن العد إليه.. إنه أكبر مبلغ يدخل ذمتي وتحت تصرفي في ملك أو تبرّع.. مبلغ رأيته مشجعا ويفتح لي بابا واسعا للدخول في منافسة “الكبار” أو هكذا بدت الأمور.. ولكن هذا المبلغ رغم أنه كان أكثر مما أتوقعه إلا أن المعركة الانتخابية تظل تحتاج منّي أكثر من هذا بأضعاف مضاعفة..

كانت صوري في مستهل الحملة الانتخابية بالأسود والأبيض، ثم صارت ملونة بدعم الأستاذ القدير محمد عبد الرب ناجي، الذي ظل يدعمني كلما اشتدت حاجتي للمال.. كان إنقاذي في اللحظات الحرجة دوما تأتي من لديه..

الأستاذ أمين أحمد قاسم دعمني بثلاثين ألف ريال، وتجار آخرون قليلون لا تحضرني أسماؤهم الآن دعموني أيضا بمثل هذا المبلغ أو دونه..

وبعد أن صرتُ مرشحا مستقلا مدعوما من المؤتمر تكفل الأخ منير عبده ثابت بكثير مما أحتاجه في مركزه الانتخابي بسوق الخميس.. كما ساهم أيضا في حملة الدعاية الانتخابية في المركز ذاته..

رجل المال والأعمال علي درهم العبسي أيضا بعد دعم المؤتمر تكفل بكل ما يلزم في مركزه الانتخابي في “رام الأعبوس”..

حزب المؤتمر تكفل بدعم فريقه المساند لحملتي الانتخابية بحسب اتفاقي معه، ودعمني أيضا بمبلغ مليون ومئتين ألف ريال في حملتي الانتخابية استلمتها من مشرف المؤتمر على الدائرة الدكتور عبدالله عبدالولي ناشر..

ورغم كل هذا وذاك خرجت من هذه المعركة الانتخابية مثقلا بالديون.. وعرفت أن السباق الانتخابي معلول ومخلول ولا توجد فيه مساواة في تكافؤ فرص المتنافسين..

***

فريقي المكون من الاشتراكيين والمستقلين والمتمردين على أحزابهم كان يعاني من ضيق الحال، وقلة الإمكانات، ولكنه كان متفان ودؤوب ومُنجِز في العمل، وعلى درجة ممتازة من الوعي، والشعور بجسامة التحدّي..

كنت أدبِّر الحد الأدنى من المصروف اليومي لفريقي، وفي حدود ما هو متاح وممكن.. فيما كان فريق المؤتمر أفضل حالا، وامكاناته المادية عامرة أو ميسورة إذا ما قارنّاها بحالنا السيء..
كان اتفاقي مع المؤتمر أن يدعم المؤتمر فريقه ويلبي احتياجاته اللازمة للحملة الانتخابية، فيما أنا أتولّي شؤون فريقي واحتياجاته اللازمة للحملة..

فريقي الانتخابي لم يكن يحصل على مصروف جيب، كما هو الحال لدى كثير من المرشحين الآخرين، بل أن بعضهم كان يصرف من جيبه الخاص، وبعضهم يستعين بصديق ليصرف معه، وبعضهم يريد مساعدتي، ولكنه كان يعاني من وطأة فقره، ويعف عن طلب المال.

كنّا وفريقي نخرج الصباح ولا نعود في أغلب الأحوال إلا في وقت متأخر من الليل في أوج وذروة الحملة الانتخابية.. أذكر إننا كنا نتغدّى “سفري” روتي و بصل وساردين “جيشا”.. كنّا عندما نجوع في الظهيرة أو بعدها نحط الرحال، ونتناول وجبة الغداء على عجل.. كانت كثرتنا وجوعنا تجعل تلك الوجبة شهية ولذيذة.. وفي الليل وبعد أن نفرغ مما كنّا بصدده، نعود لنتعشى في وقت متأخر من الليل، في منزل أخي عبد الكريم الذي أفقرناه، وأضعنا ضماره ورأس مال دكانه..

في احدى المرات توقفنا “رأس نقيل ثوجان” لتناول الوجبة السفري، وتصادف مرور فريق المؤتمر وأذكر من ضمنهم الشيخ فاروق الحنبجي من مركز “الرمأ”، عزمناهم على الغداء، نزلوا ليأكلوا معنا، لكنهم تفاجئوا بوجبتنا الداعية للشفقة، فتناولوا بعض منها بحرج و حياء، ثم غادروا إلى “الراهده” لتناول وجبة الغداء..

كان مقر الفريق الانتخابي الذي يعمل معي، جزء من دكان عبد الكريم، وهو عبارة عن مخزن فارغ تابعا للدكان، وكان لديه فيه ثلاجة فيها دجاج نفذت بعد اسبوع، ونفذ أيضا “الديلسي” والبسكويت والساردين والبصل قبل أن تنتهي حملة الدعاية الانتخابية.

وفي تجوالنا في المراكز الانتخابية، وحضور المهرجانات، واللقاء بالناخبين كنّا نستخدم سيارة أخي عبد الكريم نوع شاص، وسيارة عبده فريد نوع “سوزكي” واخرى صالون نستأجرها من صديقنا عبد الله علي علوان، ظللت أسدد أجرتها تقسيطا بعد الفوز لعدة أشهر.. فيما سداد اقساط الديون المالية النقدية لزمها وقت أطول، و لم أنتهِ من سدادها إلا بعد سنوات من عضويتي في مجلس النواب.

أحيانا كانت تزدحم المهام التي يتعين إنجازها، فينقسم الفريق إلى عدة فرق صغيرة، وكل فريق مصغر، يتجه إلى وجهته لإنجاز مهمته، وفق الخطة التي يتم الاتفاق عليها مسبقا..

كنّا نعاني كثيرا وعلى نحو متتابع أحيانا من نفاذ وسائل ومواد الدعاية الانتخابية، وعدم قدرتنا على توفيرها لمن يعملون معنا في المراكز الانتخابية الـ 14، ولكن كنا نجد مبادرات وتفاعل عفوي من الناس في حملة الدعاية الانتخابية..

ففي “ثوجان” مثلا كان عبد الرؤوف محمد مقبل يعمل مدّرسا، نحت الشعار على أوراق مقوى لطبعه على الجدران، واعطانا عدة نماذج لنوزعها على المراكز الانتخابية.. وفي منطقة “النويحة” تفاجئنا بمبادرة بعض المواطنين في المشاركة بالدعاية الانتخابية والكتابة على الصخور، وجوانب الطرقات، فيما بعض سيارات المواطنين كانوا يضعوا “الشريم” في مقدمة السيارات، كنوع من الدعاية الانتخابية، وشاهدت سيارات في “الرمأ” و”المداكشة” تفعل ذلك أيضا..

***
يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى