فضاء حر

الوزير الذي جدف بعيداً نحو أوكار الفتوى

يمنات خاص

 

إن خبر مبلغ قدره (200) مليون ريال تصرفها وزارة المالية لبناء مسجد، سيكون وقعه مؤلماً ومهيناً لشاب خرج ثائراً ضد الفساد ونهب المال العام، فأصيب برصاصة تسببت في إعاقته، ولا يجد الآن تكاليف السفر للعلاج في الخارج ولا حتى ثمن الدواء.

هذا فما بالك إذا عرف هذا الثائر الجريح أن هذا المبلغ ليس إلا عبارة عن دفعة أولى من أصل (4) مليارات ريال سوف تصرفها الوزارة لاحقاً وعلى مراحل لبناء مسجد في جامعة الإيمان التابعة لرجل الدين “عبدالمجيد الزنداني”.

حقيقة لا استطيع أن أتخيل المشهد الذي سيبدو عليه حال هذا الجريح جراء سماعه بخبر (4) مليارات تصرف من المال العام في حين هو يظل معاقاً ومحاصراً بالألم وبجدران المنزل لا يستطيع الحركة.. اعتقد أن الخبر سينزل عليه كالصاعقة التي ستتكفل بإلحاقه برفاقه الشهداء فوراً، وربما المسكين لن يسعفه الوقت ليقول عبارته الأخيرة: “ ها أنا أموت على فراشي كالبعير، ولا نامت أعين الجبناء” كما فعل خالد بن الوليد، بل سيموت مغلوباً على أمره وحسب، غير مبال باسمه الذي سيموت معه هو الآخر ولن يسجل حتى في قائمة الشهداء.

عند سماعي خبر صرف هذا المبلغ، تبادر إلى ذهني مباشرة صورة “يوسف المنصوب” أحد جرحى الثورة، البالغ من العمر (20) عاماً، الذي قدم على عكازين بمعية احد أقربائه إلى موقع (يمنات) الإخباري ليقص بألم بالغ لأحد الصحفيين هناك عن مشكلته، وقال:”ان اللجنة التنظيمية لساحة التغيير بصنعاء رفضت تسفيره للعلاج خارج البلاد، وذلك بحجة انه مستقل”.

وشاهدنا خلال الأيام الماضية وقفات احتجاجية لجرحى الثورة في ساحة التغيير بالعاصمة، وعندما لم تتم الاستجابة لهم أقدم اثنان منهم على الانتحار أمام المنصة، وقاما بصب البنزين على جسديهما، وأثناء محاولتهما إضرام النار فيها هاجمهم حراس المنصة بالضرب المبرح ومنعوهم من ذلك، فيما تمكن جريح ثالث من قطع وريد يده لكن تم إسعافه وإنقاذ حياته في اللحظات الأخيرة.

طبعا ليس الجرحى المستقلون وحدهم من يحرمون من العلاج خارج اليمن، وإنما هناك جرحى آخرون ينتمون إلى أحزاب سياسية غير التجمع اليمني للإصلاح، حرموا من السفر خارج الوطن للعلاج، فيما الجرحى المحسوبون على الإصلاح كان لهم ذلك وعلى حساب الثورة.

وجميعنا نعرف عميد الجرحى “بسام الأكحلي” أول جريح سقط في الثورة برصاص بلاطجة “صالح” في تاريخ ( 19 فبراير 2011م) أمام الجامعة الجديدة، والذي هو الآخر لم تتكفل الثورة بعلاجه وظل مشلولاً لما يقارب العام ولا يزال بسبب الرصاصة التي أصابته في الحبل الشوكي, وكانت خطرة إلى درجة جعلت الأطباء حينها يتوقعون له الموت بأية لحظة، وبعض وسائل الإعلام ذاعت اسمه كأول شهيد للثورة.

الرفيق “بسام الاكحلي” وهو أحد شباب الحزب الاشتراكي اليمني، ظل بعد إصابته مرمياً في حالة شلل تام بغرفة الإنعاش بمستشفى الكويت لمدة(3) أشهر، بعدها نقل إلى مستشفى الثورة التي قضى فيها (3) أشهر أخرى قبل أن يغادرها عائداً إلى المنزل في شهر يوليو من العام السابق، وفي مطلع هذا العام (2012) سافر إلى الصين على حساب أحد التجار لإجراء العملية الجراحية.

عاد “بسام” مؤخراً من الصين، لكنه لا يزال يحتاج إلى عملية جراحية أُخرى خارج اليمن، لأن الرصاصة عندما اخترقت صدره أصابت الضفيرة العصبية ليده اليسرى متسببة في شللها.

يهمني أمر هؤلاء الجرحى كثيراً، لكن الأهم منه هو الفساد الذي خرجوا وأصيبوا من أجل القضاء عنه، مثل فضيحة فساد وزير المالية المتمثلة في بناء مسجد جامعة الإيمان، والتي أثارة موجة غضب واسعة مؤخراً.

والغريب أنه بعد أيام من إثارة هذه القضية لدى وسائل الإعلام أعلن مصدر مسؤول في حكومة الوفاق أن الحكومة لا علاقة لها بمشروع المسجد هذا ولا باعتماد الأموال الخاصة به، وقال: إن من اعتمد المشروع هو الرئيس السابق” علي صالح” عند زيارته لجامعة الإيمان قبيل الانتخابات الرئاسية في العام (2006)، وأن وزارة المالية صرفت هذا المبلغ الآن كسداد متأخر لصالح الشركة التي نفذت بناء المسجد.

لنفترض أن كلام هذا المصدر صحيح؛ هل كان على وزير المالية أن يصرف مبلغا كهذا في هذا الوقت الذي يعاني فيه اقتصاد البلاد من أزمة خانقة وأمامه مئات المشاكل المهمة التي يتوجب عليه حلها قبل كل شيء؟!.

طبعاً هذا إذا صدقنا كلام هذا المصدر المسؤول، لكن ما يصعب علينا تصديقه هو ان شركة المقاولات نفذت بناء مسجد جامعة الإيمان بدون أن تتسلم من الحكومة السابقة أي مبلغ خلال الـ”6” سنوات الماضية!.

نحن نعرف أن شركات المقاولات لا تقوم بتنفيذ أي مشروع إلا بعد أن تقبض قسطاً أولياً من تكلفته، واعتقد أن الشركات في اليمن لا تقوم بهكذا مغامرات لأنها تدرك جيداً فساد النظام ولصوصيته حتى ولو كانت تكلفة المشروع صغيرة، فما بالك بمشروع تبلغ تكلفته (4)  مليارات ريال.

حقيقة إن هذا الأمر لا يصدقه شخص عاقل، ولا حتى مجنون بلغ من الجنون عتيا؛ إن الأمر ليس سوى استمرار للفساد وإهدار لأموال خزينة الدولة.

يا هؤلاء، أوقفوا كل هذا العبث بأحلامنا، فالبلاد لا ينقصها بناء المساجد، وإن ما ينقصها هو أن تكون عقولكم المعتوهة بعيدة عن إدارة شؤونه.

حزين أنا لأجلكم يا أصدقائي الجرحى، ها هو الفساد الذي خرجنا للإطاحة به ما يزال باقيا، بل انه يتخذ شكلا دينيا هذه المرة، بحيث لو تكلمنا عنه سيتم اتهامنا بأننا نقف ضد بناء بيوت الله وبالتالي سيسهل عليهم تكفيرنا وإباحة دمنا.

لا اعرف ما معنى توقيت صرف تكليف بناء هذا المسجد في هذا الوضع الحرج الذي فيه الدولة بأمس الحاجة إلى “الريال الواحد”.  فكرت كثيراً بهذا الأمر ولم أجد له إلا تفسيراً واحداً، مفاده انه ربما إصابات الجرحى يستحيل علاجها حتى في الخارج، لذلك قرار بناء هذا المسجد لم يكن مجرد اعتباط وإنما هو من أجل هؤلاء الجرحى، الذين سيقوم الشيخ الجليل “الزنداني” عند افتتاحه بالصعود إلى المنبر الجديد ليدعو لهم بالشفاء العاجل، وهذا هو آخر أمل لهم بالشفاء الذي سيكون أكيداً لأن هذا الشيخ الجليل صاحب كرامات.

أما بالنسبة لباقي ما خرجنا من اجله فإنه قد تحقق بالكامل، وتم معالجة الجرحى المحسوبين على الإصلاح جميعهم، وأسقطنا النظام ويجري الآن محاكمة رموزه جراء ما اقترفوه من فساد وجرائم قتل، حتى أن احتياطي الخزينة العامة للبنك المركزي التي سحبت في العام الماضي قد تم إعادتها أضعافاً مضاعفة، والمحطة الغازية للكهرباء ليست مهددة بالخروج عن الخدمة بسبب المديونية، والبلاد بخير والحمد لله ولا تعاني من أزمة اقتصادية ولا من تنظيم القاعدة، كذلك المدارس والمستشفيات أصبحت في كل قرية وفي كل حارة، ورياض الأطفال أيضا في كل “زغُط”، والتعليم والصحة بالمجان؛ حتى انه تم صرف شقق سكنية للمواطنين وبأقساط ميسرة وووو..الخ، وهذا كله بفضل وزير المالية (قدس الله سره العظيم).

ولم يبق أمام هذا الوزير السوبرمان، إلا ان يختتم مسيرته الحافلة بالإنجازات والإعجازات، ببناء المساجد ودور العبادة ويحج إلى بيت الله كي يعود طفلا كما ولدته أمه ويدخل الجنة “ ساااااني” وعلى الجرحى وأسر الشهداء والثوار الغير إصلاحيين “ أن يروحوا يلقطوا بلس… “.

بصراحة كنت أتمنى أن أكون مواطناً لدى هذا الوزير الصالح، وليس مواطناً يمنياً يعيش في حياة ملؤها البؤس والتشرد عاطلا عن العمل وعن الأمل أيضا، وينام ليومين متتالين دون أن تنام في جوفه قطعة خبز واحدة، وليس من سبيل أمامه يبقيه حياً إلا مياه الحنفية الملوثة.

ليتني مواطناً لديك يا “سوبرمان الوجيه” أو جريحاً إصلاحياً، “والا حتى شاقي مثل فتحي أبو النصر”، وليس مواطناً يمنياً فصل من الوظيفة الحكومية لأنه خرج ثائراً، ولم يتم إعادته إلى وظيفته الحقيرة تلك إلى الآن لأنه لا يمتلك وساطة لذلك، فيما تربعت أنت على عرش أهم وزارة في البلد، ومن كان السبب في إيصالك لهذا المنصب من الشهداء والجرحى والثوار تنكرت لهم، وذهبت تجدف بعيدا باتجاه أوكار الفتوى و الارهابيين والمكفرين.

سحقاً لك أيها الوزير “الوجيه” وسحقاً لـ “باسندوة” ولكل وزراء حكومته. لم نخرج بثورة تطالب ببناء المساجد، وإنما خرجنا من اجلنا .. خرجنا من اجل طابور الجياع والمقهورين.. خرجنا من أجل رغيف الخبز والحرية والكرامة، وكان الأجدر بكم ياحكومة الوفاق صرف هذه المبالغ لما خرجت الثورة من أجله، ولعلاج الجرحى وإعادة بناء مساكن المواطنين ومدارسهم المهدمة في حي الحصبة وفي مدينة تعز وغيرها من مدن اليمن وليس في بناء مسجد في جامعة الإيمان.

ملاحظة:

كنت قد كتبت على حائطي في “فيس بوك” ان وزير المالية “الوجيه” كان يعاني من مرض نقص المناعة “الايدز”، وصرفه للملاين التابعة لمسجد جامعة الإيمان هو بمثابة رد الجميل لشيخه “الزنداني” الذي عالجه من هذا المرض، فيما بقى جرحى الثورة بدون علاج، وأتمنى من هذه الأخيرة أن تعمل كما عمل الوزير وترد الجميل لجرحاها مع أني لا أعتقد ذلك لأنها سرقت.

لكني كنت مخطئا حينها بخصوص “الوجيه” الذي لو كان مصاباً بالإيدز وعالجه “الزنداني” كما اعتقدت، لكان الآن مصيره ليس وزيراً للمالية يعمر بيوت الله، وإنما جثة هامدة شأنه شأن من تم علاجهم من قبل “الزنداني” عن طريق الحبة السوداء، من أبناء الخليج وعادوا إلى أوطانهم وإلى أهلهم موتى محمولين على الأكتاف، بحسب تصريحات الدكتورة “ سناء فلمبان” المدير العام للبرنامج الوطني للإيدز في السعودية.

زر الذهاب إلى الأعلى