تحليلات

الإرهاب في اليمن بين السياسة والتطرف..

 يمنات خاص/غمدانالسامعي

تعد قضية الإرهاب من أعقد القضايا الشائكة في العالم عموما وفي اليمن خصوصا وذلك بالنظر إلى ما رافق نشأتها من ملابسات وتحليلات بالإضافة إلى ما رافقها من استخدامات عالمية ومحلية تبعث الشك والريبة في مصداقية المجتمع الدولي عموما والنظام اليمني على وجه الخصوص في الحديث عن هذه القضية ومحاربتها , فتارة تجد النظام اليمني يروج للقاعدة والإرهاب وتارة أخرى ينكرها البتة الأمر الذي رشح هذه القضية لتكون ضمن أولويات منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها المرصد اليمني لحقوق الإنسان الذي ضمنها في تقريره السنوي والذي تحدث عن وجود بيئة ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية حاضنة للإرهاب .

 

عزا التقرير تكون البيئة الثقافية الملائمة للإرهاب في اليمن إلى هيمنة المملكة العربية السعودية على القوى التقليدية (قبيلة ، عسكر ،رجال دين ) النافذة على القرار العام من خلال توجيه نفوذ هذه القوى إلى توسيع المنهاج الديني ضمن مناهج التعليم العام بل وإنشاء نمط خاص من مدارس التعليم الديني المتطرف يعتمد مناهج تعليمية متشددة وأفكاراً متطرفة الأمر الذي نتج عنه تخلف المناهج التعليمية وتدني مستويات التحصيل العلمي ، حيث غدت المعاهد الدينية نمطا تعليميا موازيا للتعليم العام السائد ومستقلا عن وزارة التعليم الرسمي . 

 

وأشار التقرير إلى أن اليمن لم يعرف خلال  تاريخه هذا المستوى من التوترات والاحتقانات المذهبية إلا مع تغلغل المذهب الوهابي السلفي واختراقه للبيئة التعليمية والثقافية والإعلامية وقد كشفت إحصائية لوزارة اللأوقاف مطلع الألفية الثالثة أن إجمالي عدد المدارس الدينية في اليمن والخارجة على إشراف الحكومة بلغت حوالي أربعة آلاف مدرسة والتي انتشرت بشكل خاص في المحافظات الحدودية والنائية ، وفي عملية مسح ميداني قامت بها الوزارة  وجدت أن الكثير منها قد أفرزت شريحة واسعة من الشباب الذين يحملون فكر وثقافة الكراهية تجاه المجتمع والآخرين فضلا عن غرس مفاهيم التطرف والغلو .

 

وتحت عنوان البيئة السياسية الحاضنة للإرهاب  أشار التقرير إلى استخدام النظام في اليمن الإرهاب وتنظيماته لتحقيق أهداف سياسية وفي مقدمتها تحقيق إستراتيجية البقاء في السلطة من خلال اعتماده على الفقه السلفي من مدرك أنه يمثل أحد منابع الإرهاب الأساسية ، والتي من خلالها جرى  اعتماد الجريمة المنظمة كالاغتيالات لإرهاب الخصوم السياسيين في الداخل وابتزاز الأصدقاء في الخارج .

 

وعن التوظيف السياسي للإرهاب أشار التقرير إلى أن علي عبد الله صالح عمل منذ وصوله إلى السلطة في 1978م على توظيف الجماعات الإسلامية بشكل مباشر وغير مباشر في صراعه الإيديولوجي والعسكري مع حكومات الجنوب وفي صراعه  السياسي والأيدلوجي مع القوى السياسية الاجتماعية اليسارية بجناحيها الاشتراكي والقومي  والقوى التحديثية بشكل عام ، فدعم تأسيس الجبهة الإسلامية عام1979م حيث وجد الإخوان المسلمون في ذلك مخرجا من أزمتهم الداخلية عبر توظيف الفكر التكفيري في الحرب ضد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية  والقوى السياسية والاجتماعية اليسارية والجبهة الوطنية الديمقراطية ، تشكل الإخوان بذلك باسم الجبهة الإسلامية حاربت إلى جانب الجيش والأمن حتى تم تصفية قواعد الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى عام 1982م .

 

 وفي الفترة الانتقالية التي أعقبت الوحدة عمد صالح إلى توظيف الجماعات الإرهابية في الخلاف الذي نشب بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي حول قضايا بناء الدولة لتشهد فترة الخلاف حوالي 154عملية اغتيال ناجحة كان لقيادات  الحزب الاشتراكي النصيب الأكبر منها وكان المتهم الرئيس فيها تنظيم الجهاد الإسلامي .

 

وفي حرب صعدة أوضح التقرير استعانة النظام ببعض المتشددين وعناصر القاعدة ، فقد نفذ تنظيم القاعدة في أواخر عام 2010م عمليتين إرهابيتين بسيارتين مفخختين ضد موكبين لجماعة الحوثي في الجوف وصعدة انتقاما لقتلاه في الحروب التي دارت هناك بحسب بيان القاعدة .

 

ولم تقتصر استعانة صالح بهذه الجماعات بل اتجه نحو السعودية وقد نجح في الحصول على  مساعدات مالية لدعمه ، بل استطاع توريط المملكة العربية السعودية في الحرب السادسة عام 2010م والتي ضرب فيها النظام حصارا على محافظة صعدة طال الغذاء والدواء وكل وسائل العيش ليشمل الحصار أكثر من سبعمائة ألف مواطن ووصل عدد المشردين واللاجئين في المخيمات التي أقيمت لاستيعابهم في حجة وتهامة وعمران إلى ثلاثمائة ألف لاجئ ودمر القصف اليمني السعودي أكثر من تسعمائة مبنى وقد طال المدارس والمساجد وبعض المباني الحكومية ودمرت قرى بكاملها ،وحسب مسح ميداني نفذ مؤخرا أظهر أن عدد القتلى بين الجيش والمدنيين بلغ اثنا عشر ألف قتيل وعشرة آلاف معاق كما بلغ عدد المنازل المتضررة أربعة آلاف ومائة وواحداً وأربعين منزلا وأربعة وستين مزرعة خضار وفواكه وأربعة وعشرين مزرعة دواجن ، كما بلغ عدد المنشآت العامة المتضررة مائتي مبنى ومبني منها مائة وستة عشر مدرسة وستة وثلاثون منشئة صحية وستة وعشرون مبنى تابع للأوقاف، لتصل خسائر الحكومة حسب ما قدرها عبد ربه منصور هادي أثناء لقائه مع قيادات المؤتمر بمحافظة ريمه وصلت إلى ثلاثة ملياراً وثلاثة آلاف قتيل من أفراد الجيش والأمن وأربعة عشر ألف جريح، وفي الوقت نفسه صرح المكتب الإعلامي للسيد عبد الملك الحوثي بأن القتلى في صفوف المليشيات المسلحة القبلية الموالية للنظام تقدر بألف قتيل في الحرب السادسة فقط .  

  

وأشار التقرير إلى استفادة الحكومة اليمنية في تحالفها مع واشنطن في حربها على الإرهاب من أجل ضرب حركات معارضة وجماعات محلية لها مطالب حقوقية ووطنية والذي ظهر من خلال محاولات دوائر أمنية في السلطة ضرب الحراك الجنوبي بالقوة عبر تصوير بعض المحافظات الجنوبية مثل لحج والضالع على أنها مناطق تعبث فيها عناصر تخريبية مسلحة وتصوير محافظات جنوبية أخرى مثل أبين وشبوة  بشكل يظهرها  مرتعا لتنظيم القاعدة ،هدفت السلطة من هذا التقسيم للمحافظات الجنوبية والشرقية إلى التأثير المعنوي على مؤيدي الحراك الجنوبي السلمي ونشر المزيد من القوات الأمنية في هذه المحافظات وتكريس النهج القمعي ضد ناشطي الحراك تحديدا لأن جزءا هاما وكبيرا من القاعدة يجري تحريكه بالريموت كنترول من مراكز القوى النافذة في الحكم .

 

وعن إستراتيجية الحكومة في مكافحة الإرهاب فقد أكد التقرير أن نظام صالح يكاد يلتقي أو يتقاطع مع أمريكا والخارج حول شعار ما يسمى بمكافحة الإرهاب ولكن دون جدوى عملية لهذا الشعار على صعيد الممارسة الواقعية، فحتى الآن ما يزال هذه الشعار ظاهرة إعلامية .

 

وقال التقرير :إن مكافحة الإرهاب في اليمن لن تتحقق غاياتها بالقضاء على التنظيمات الإرهابية إلا بوفاق وطني وبإستراتيجية سياسية ووطنية تشارك في وضعها وتنفيذها جميع الأطراف السياسية والمؤسسات المناهضة للإرهاب ، والوفاق الوطني يتطلب حوارا جادا بين أطراف الصراع بمشاركة جميع القوى السياسية دون استثناء أحد .

 

وخلص التقرير إلى أن مستقبل الإرهاب والقاعدة تحديدا يتوقف على طبيعة الجهود التي سوف تبذلها الحكومة في حربها ضد القاعدة بالدرجة الأولى .

وشدد على أن تعمل الدولة على إضعاف البنى والعلاقات التقليدية بهذه البنى فضلا عن كونها تمثل بيئة حاضنة لجماعات التعصب والتطرف، فهي مولدة لمشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية مساعدة على خلق مجتمع انشقاقي.

 

ودعا إلى الكف  عن توظيف الدين لخدمة السياسة، كما دعا الدولة إلى أن توسع من مجال الحريات العامة وبخاصة من الفضاء الوسيط بين الدولة والمجتمع حتى يتسع للنقاشات العامة، وتتصارع الأفكار في المجتمع بما يعمل على تنافس الأفكار وتنظيمها ومن ثم طردها.

 

مشددا على أهمية إيجاد إستراتيجية وطنية لمحاربة الإرهاب تشارك فيها مجمل الأطراف السياسية والفكرية المناهضة للإرهاب.

 

ودعا إلى أن يتخلى أصحاب فتاوى التكفير ومن تبناها أو استخدمها وروج لها عن هذه الفتاوى والاعتذار عما ترتب عليها من أضرار لحقت بالمجتمع والدولة والأفراد .

 

وإلى إحلال ثقافة التسامح محل ثقافة الكراهية وتجريم الدعوى للكراهية الوطنية والدينية وذلك في مناهج التربية والتعليم ووسائل الإعلام والمساجد على وجه الخصوص وإلى أن تتضمن مناهج التعليم قيم الحرية والديمقراطية والتعددية والشراكة وخاصة شراكة المجتمع المدني ومؤسساته من أحزاب ونقابات ومنظمات.

زر الذهاب إلى الأعلى