فضاء حر

حزب الإصلاح لن يحكم اليمن

 

 

 

المتابع للأحداث الجارية في كل من مصر واليمن ، لاسميا خلال الأيام القليلة الماضية يجد بأن حزب الحرية والعدالة ـ الجناح السياسي للإخوان المسلمين في مصر ، وحزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن الخارج من عباءة الحركة العالمية للإخوان المسلمين ـ قد تمكنا بجدارة من حرف المسارين الثوريين لكلتا الدولتين الإسلاميتين العربيتين مصر واليمن .

 

الثورة المليونية العظيمة التي خرجت في مصر في الخامس عشر من يناير العام الماضي والتي هزت عرش الطاغية حسني مبارك وأجبرته على التنحي تحولت اليوم بفضل جماعة الإخوان المسلمين إلى نوع من الصراع على إقتسام الكعكة وتوزيع الغنائم ، والمحاصصة بين الإخوان والنظام السابق. وكأن غاية الثورة المصرية ماهي إلا لنقل السلطة من أيادي العسكر إلى أيادي الغفر او التقاسم بينهما.

 

بينما كان اليمنيون في البداية ينظرون إلى ثورة مصر بكثير من الإعجاب ليستلهموا منها الدروس والعبر والإستعانة بتجربتها لتوظيفها في ثورتهم الشبابية والشعبية ، أكتشفوا مع الأسف بأنها لم تقدم لهم تلك القدوة الملهمة لثورات الربيع العربي رغم الفائض الكبير والترسانة الضخمة التي تمتلكها مصر من كبار العلماء والمثقفين والسياسيين والمفكرين والمخضرمين الذين كانت تنظر إليهم الأمة العربية قاطبة كقيادات رائدة ومنتجة للتغيير العربي لتقوم بنجدتها وإخراجها من دهاليز الأنظمة الديكتاتورية والإستبدادية السابقة والحالية.

بيد أن الصراع على السلطة أعمى بصيرة الطامحين عن إدراك الدرب القويم ، فدفعهم إلى السباق المحموم والغير إخلاقي نحو التسلق إلى السلطة ومغرياتها الكاذبة ، وأنساهم كل القيم الثورية النبيلة ، مما أضطرهم إلى التجاهل المتعمد للبوصلة الأساسية المؤدية إلى تثبيت دعائم الثورة التي كان من المفترض أن تبدأ بصياغة دستور جديد يُستفتى عليه من قبل الشعب المصري ـ قبل إتخاذ أي خطوات سياسية أخرى ـ التي كان من الممكن أن تأتي لاحقاً كخطوات تطبيقية للدستور المُلزم لكل الأطراف السياسية المشتركة في العملية السياسية. والسبب في تجاهل هذه الخطوة الأولى الهامة والإستراتيجية هو التحفز المجنون للوصول إلى السلطة بأي ثمن من خلال الإعتداد الحصري الخادع بإمكانيات الذات الإخوانية في السيطرة على مجريات الأمور ، مما دعاها إلى تجاوز وخداع بقية المكونات والأحزاب والقوى والنخب السياسية الوطنية الأخرى وعقد الصفقات المشبوهة  لتنفرد لوحدها في الحكم ، فكانت النتيجة أن دخل الإخوان في مواجهة مباشرة ضد قوى الثورة المضادة ومن ورائها في خارج الحدود المصرية من ناحية وضد القوى الثورية الوطنية الأصيلة التي قامت بالثورة.

 

فوز الدكتور محمد مرسي في إنتخابات الرئاسة لم يعد له معنى او قيمة لا للإخوان ولا للثورة أكثر من كون فوزه عبارة عن فضيحة ثورية بكل المقاييس لأن الإخوان قد أضاعوا على أنفسهم وعلى الشعب المصري ، من خلال دأبهم الحثيث وغايتهم السطحية والساذجة للوصول إلى سدة الحكم ، فرص تثبيت روافع الثورة الحقيقية من دستور وطني شعبي وسلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية تستمد سلطاتها من هذا الدستور لتأتي بعد ذلك إنتخابات الرئاسة ، وليفوز فيها من فاز تتويجاً للمرحلة الثورية وتعبيراً حقيقياً ونهائياً لإنتصارها طالما أن الجميع باتوا تحت طائلة الدولة الدستورية ، دولة النظام والقانون التي ترفع من شأن مصر والمواطن المصري التي تُحقق له الحرية والعدالة.

 

بينما في اليمن تحول حزب الإصلاح من تنظيم دعوي إجتماعي (سياسي)! إلى مشروع إنتهازي إستغل الثورة وركب على موجتها وحول إنتصارها إلى هزيمة عن طريق تبنيه كل أعمال العنف وحتى الاجرام اذا لزم الامر في محاولة لفرض سيطرته على بقية المكونات الثورية والتفرد بالقوة في إقتسام السلطة ومؤسساتها مع النظام السابق الذي كان يشكل أحد أركانه الأساسية في الحكم والتسلط.بل أنه تجاوز تصرفات التنظيم الإخواني في مصر ، وذلك من حيث إستخدامه للقوة سواءً من قبل جناحه العسكري المتمثل بالفرقة الأولى مدرع أو جناحه الإرهابي المتمثل بأنصار الشريعة وأحتلاله لمناطق يمنية في الجنوب وزعزعة الإستقرار الأمني في الشمال مما دعا إلى التدخل الخارجي الإقليمي والدولي.

 

وعلى نفس السياق لم يهتم حزب الإصلاح اليمني في مسألة صياغة الدستور اليمني ليكون المرجعية الأساسية لكل الخطوات الثورية اللاحقة وتثبيت سلطة الشعب بصرف النظر عن المكون الثوري الذي يقود الثورة وبصرف النظر عن من يصل إلى السلطة التي ستكون بالتأكيد عبارة عن تحصيل حاصل لأنها ستؤول في النهاية إلى صناع الثورة الحقيقيين إن كانت النوايا وطنية وشريفة.. وبما أن الأهداف والنوايا لم تكن وطنية ولا شريفة ، لم يتخذ حزب الإصلاح الطريق القويم والواضح منذ البداية من خلال العمل مع المكونات الثورية الأخرى لأن ـ الإنتهازية لديه تبرر الوسيلة ـ وهي السياسة التي يعتمد عليها هذا الحزب بكل أعماله وأفعاله. وإنتهازيته الأساسية هنا هي الوصول إلى السلطة ، ولا ننكر حقه في ذلك ـ اذا التزم الأدوات الصحيحة ـ لكنه أراد أن يصل إلى السلطة ليس عن طريق التداول السلمي لها وإستخدام آلياتها الشرعية بل عن طريق إغتصابها بالقوة وتسخير اليمن وشعبه للعبث اللامتناهي في هويته وقيمه وثقافته العربية والإسلامية وخصوصياته المتنوعة من أجل تحقيق أوهام هذا الحزب في قيام الدولة الوهابية الأموية الإرهابية المتطرفة التي لن يتسنى له عن طريقها إغتصاب السلطة وحكم اليمن.

 

ولذلك إبتعدا جماعة الأخوان المسلمين في مصر وحزب الإصلاح في اليمن عن المشاركة والتعاطي في إتخاذ الطرق والوسائل السليمة والسلمية المؤدية إلى إنتصار الثورة لتحقيق غاياتها المرجوة كل بما قدر له فعله ، بل قاما بإستغلال الظرف الثوري في كلتا البلدين لتمرير مؤامراتهم وتكتيكاتهم الإنتهازية الخبيثة بدعم إقليمي لزعزعة الأمن والإستقرار في بلديهما وحفاظاً وخدمة لإستقرار نفس تلك الدول الإقليمية في إبعاد شرارة الثورة من الوصول إلى حكوماتهم الآيلة للسقوط.


زر الذهاب إلى الأعلى