فضاء حر

الحوثي يبتلع صنعاء

يمنات
بعد ديباجة طويلة من قصص الخيال والإعلام المحترف والدعايات المشوقة حول ما يرتكبه الحوثيون من جرائم ضد المجتمع اليمني، وبسبب مصاحبتها لأناقة الطرح وأسلوب الإقناع واختيار الألفاظ من قبل أحد كبار القادة الهمام في صنعاء الذي أختتم حديثه لي بالقول: هل تتخيل!!! بأنهم لم يعودوا يقيمون صلاة الجمعة وقد قاموا بتحويل جامع الهادي بمدينة صعدة إلى مزار بدلاً من إقامة صلاة الجمعة!!!
عندها أُسقِط في يدي، بعدما كدت على وشك تصديقه رغم معرفتي المباشرة والموثقة بعكس كل ما ذكر، لكن السلاسة في الطرح المدروس والممنهج تجعل الإنسان أحياناً يعيد النظر في معارفه وقناعاته حتى في الأشياء التي عاصرها بشكل شخصي .. فربما التبست عليه الأمور!! أو ربما شُبه له. لكن عندما يزيد الشيء عن حده أي شيء ينقلب إلى ضده، لذلك سقط كل حديثه مباشرةً في خانة الإعلام المزيف والدعايات المغرضة. فهو حتى تلك اللحظة لم يكن يعلم بأني أتيت لتوي من صعدة، وقد عاينت شخصياً كل القصص التي ذكرها وتعرفت على جوانب أبعادها الاجتماعية والإنسانية المأساوية، وأنتهاءًا بتجربة صلاة الجمعة في أحد مساجدها المعروفة بعد البحث بصعوبة عن جامع ما يزال فيه متسع للصلاة حيث أن كل جوامع صعدة كانت مكتظة بالمصلين في صلاة الجمعة. …. ياإلهي! ألهذه الدرجة تصل الحرفية والفن في ابتكار مناهج الافتراء وصياغة الكذب والتدليس؟ إلهذا الحد يُمكن للحقائق أن تُزور وتُرسم وتُصور بمختلف الألوان الكاذبة والخادعة!!؟
رغم مظلوميتهم الفضيعة والرهيبة التي لا تقارن ولا توصف بكل المقاييس الإنسانية، كنت في السابق أستغرب الحجم الهائل من الكراهية والغل والحقد المنتشر بين كثير من الناس في اليمن وخارجه ضد الحوثيين دون أي مبررات واضحة وملموسة لكني الآن بدأت أتفهم الحقيقة بل وألتمس العُذر لكل من يحمل هذه المفاهيم المغلوطة عن صعدة وأنصار الله/الحوثيين وذلك لصعوبة كشف هذا الكم الهائل والممنهج من الإعلام الكاذب والمزيف في هندسة قلب الحقائق رأساً على عقب لاسيما وأن القنوات الفضائية الرئيسية التي تقف وتساند هؤلاء الغزاة الحُمر مثل الجزيرة والعربية تمتلك مطابخ إعلامية خاصة لتزييف الواقع ، وزاد ذلك الطين بله هو إنضمام قناة البي بي سي للحملة الحاقدة ضد أنصار الله. لنجد في المحصلة أن بقية الفضائيات العالمية الأخرى تنقل عن هذه القنوات ربما بعضها بعفوية مُعتبرةً أن هذه القنوات مصادر معلومات حقيقية كونها متواجدة بمراسليها اليمنيين على الأرض.
وما إن صدر قرار مجلس الأمن الدولي بوضع اليمن تحت الفصل السابع حتى صَعَدَ الخبثاء من قادة مليشيات حزب “الإصلاح” الإرهابي التكفيري المتطرف فرع الجماعة المحضورة (الإخوان المتأسلمين) في مصر لنصب الشِراك السامجة والمفضوحة جداً باستخدام المغرر بهم التابعين لجيش المجرم علي محسن الأحمر في عمران وهمدان في محاولاتٍ للإيقاع بأنصار الله/الحوثيين في فخ المواجهات المسرحية مع الجيش، ظناً منهم بأن مجلس الأمن لم يكن إلا في حالة انتظار الفرصة لالتقاط مثل هذا الطُعم ليقوم فوراً بالإجهاز على أنصار الله من خلال تطبيق الفصل السابع.
لكن من الغريب أن هؤلاء السُذج لم يتعرفوا على حقائق أنفسهم حتى الآن، ولم يكتشفوا بأن ألاعيبهم وحقاراتهم قد أزكمت أنوف الأسرة الدولية بأسرها، ولم يعترفوا بأن زمانهم قد ولى إلى غير رجعة، وأن العالم يمر راهناً بحالةٍ من التبدُل والتغيُر لصالح إعادة الحقوق لإصحابها على أسس الشراكة المتكافئة بين الشعوب وبناءًا على خياراتها الحُرة – مع احترامي هنا في هذه الجزئية لكل العقليات المتكلسة بمنهجية وأنماط الماضي والمتشرنقة داخل الالتباس السياسي – فبدلاً من أن يستكينوا ويتصالحوا مع أنفسهم ويعتذروا عن كل ما اقترفوه من جرائم ضد الشعب اليمني خلال الخمسة العقود الماضية، ما يزالون (لحسن الحظ) يكابرون وينافحون ويفترون، غير مدركين بأن الفصل السابع لم يصدر إلا لمواجهتهم هم، وأن استمرارهم في ارتكاب الحماقات والممارسات الخاطئة إنما يراكمه المجتمع الدولي ضدهم لترتفع بها درجة المحاسبة والمعاقبة التي تنتظرهم. وأن المقولة التي تتردد بأن “الحوثيون سيبتلعون صنعاء” سترتد عكسياً عليهم لأنه؛
من يذهب إلى محافظة صعدة، يرى بأم عينيه بأن الأموال المنهوبة من قبل عصابات الأحمر من أراضي وغيرها ما تزال مسورة كما هي ولم يبتلعها الحوثيون، بينما تُنهب أراضي وعقارات البلاد في وضح النهار من قبل جماعات (التمصلاح) بأوامر رسمية كان من بينها قبل أيام فقط أرضية وزارة المواصلات في مدينة عدن فقط تم نهبها لصالح حميد الأحمر ومن المحافظ الإصلاحي رشيد وحيد نفسه فضلاً عن مئات من القطع العقارية التابعة “للدولة” التي تُصرف وتوزع لهذه الجماعات ضمن حملة نهب الجنوب ودون قيدٍ او شرط.
من يذهب إلى محافظة صعدة, يرى بأم عينيه بأن قيادات الحوثيين ما يزالون يسكنون في منازلهم المهدمة المبنية من الطين والتبن، في الوقت الذي قام فيه وزراء “الإصلاح” الجدد ببناء القصور الفخمة لأنفسهم في صنعاء وغيرها من أموال الشعب المسروقة وخلال فترة قصيرة جداً، فضلاً عن صرف عشرات السيارات آخر موديل لدرجة أن كل واحد فيهم بات يمتلك معرض سيارات خاص موزعة في قصوره بالإضافة إلى بدلات السفر الباذخة والفارهة دون توقف التي تصرف بالعملة الصعبة دون أي مبرر او مراعاة لوضع اليمن الاقتصادي المعدوم.
من يذهب إلى محافظة صعدة، يشعر بالراحة النفسية والاطمئنان، وبالأمن والأمان من لحظة عبوره أول نقطة في صعدة وتتعافى رقبته من كُثر النظر من فوق أكتافه يمنةً ويسرة وإلى الخلف أو إلى أعلى سطوح البنايات او مراقبة الموتورات والشاسات والهايلوكسات التي قد تكون مفخخة وتمر أو يمر عبرها أو بجانبها كما هي الحالة في صنعاء التي يتربص فيها القتلة والمردة والمأجورون بكل الوطنيين من أبناء اليمن ويتم فيها الاغتيالات والخطف بأنواعه لاسيما ضد الأجانب والدبلوماسيين.
من يذهب إلى محافظة صعدة، يشعر بأنه عاد إلى طبيعة اليمنيين الأصيلة والأصلية كما كانت في الستينات والسبعينات عندما كان يتميز اليمني بالبساطة والطيبة والصدق والكرم وصفاء النفس، والشهامة والشمم والإباء والأمانة، ونجدة الملهوف ونصرة الضعيف في أي مكان أو طريق يمر به يقع تحت إدارة أنصار الله. بينما تبدلت كل هذه الأخلاقيات والشيم في صنعاء وباتت عكسها من المميزات الحميدة لحُمران العيون إلا من استحى او خاف من الله سبحانه.

زر الذهاب إلى الأعلى