قضية اسمها اليمن

أطفال يمنيون يحلمون بالتسول في السعودية وآخرون ينتظرون يوماً يحملون فيها الحقيبة المدرسية

المستقلة خاص ليمنات

 

> إعداد: أمين عبدالله

تقول التقارير إن ما يقارب من مليون طفل يمني معرضون للموت بسبب الجوع، وأن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكبر من ذلك، ويقدرون أكبر بثلاث مرات من الأطفال الذين

يعانون سوء التغذية في الصومال.

كما أوضحت التقارير الدولية أن نسبة الوفيات في اليمن بالنسبة للأطفال (أقل من خمس سنوات) من أعلى المعدلات في العالم مما جعل اليمن تحتل المركز الثاني عالمياً كأعلى معدل لسوء التغذية بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات، وطبقاً لأرقام البنك الدولي أن سوء التغذية يكلف اليمن أضعافاً كثيرة من ناتجها المحلي.

التقديرات الخاصة ببرنامج الغذاء العالمي أشارت أن عدد الجائعين في اليمن خلال عام واحد ارتفع إلى الضعف أي من (2.0- 5) مليون شخص وأن أكثر من عشرة ملايين يمني يواجهون انعدام الأمن الغذائي.

اليونسيف في اليمن تقول: إذا لم تتم معالجة مشكلة سوء التغذية لدى الأطفال فإن مستقبل اليمن في خطر.

كما أن نسبة البطالة تجاوزت نسبة 35%، ذلك ما جعل الكثير من الأسر تدفع بأطفالها إلى الشوارع بغرض التسول أو العمل لتوفير – ولو- بعض الريالات لمساعدة الأسرة في مواجهة البطالة والفقر.

هناك بعض الأسر من الفئات المهمشة وغير المهمشة تخرج بأكملها إلى الشارع لغرض التسول، وهناك أسر لا يوجد لها مأوى تنام على الرصيف بسبب قربهم من خط المجاعة، وتؤكد التقارير التي تشير أن حوالي أربعة مليون وأربعمائة يمني ممن يواجهون انعدام الأمن الغذائي على مسافة قريبة من المجاعة.

ترتفع نسبة التسول يوم الخميس من كل أسبوع حيث تصل إلى أعلى مؤشر في النصف الأول من اليوم ويشارك في هذا اليوم كل أفراد الأسر الفقيرة من أطفال ونساء ومسنين من الطبقة المهمشة ويتوزعون بشكل منتظم على الشوارع الرئيسية والحارات ولا يستثنون محلاً تجارياً أو بقالة صغيرة إلا ويمرون عليها وبذلك أصبح يوم الخميس من كل أسبوع (عادة وعيداً) لكل من الطرفين التاجر  والمتسول.. أما الأبناء والأسر الفقيرة من الطبقة غير المهمشة فعادةً ما يتجهون في ذلك اليوم إلى الجوامع لطلب المساعدة، والبعض منهم من يقتدي أو يسلك طريقة المهمشين في التسول.

سوء التغذية للأطفال لا يعني الجوع فقط وإنما أيضاً تفشي الأمراض وقلة الدواء والتطعيمات فهناك الكثير من الأسر الفقيرة لا تهتم بصحة الطفل مما يزيد الأمر تعقيداً..

من سلبيات سوء التغذية أيضاً أنها تسبب للطفل على المدى البعيد بعض المعوقات العقلية والجسدية وبالتالي تحصد الدولة أجيالاً غير مؤهلة عقلياً وبدلاً من أن يساعد ذلك الجيل في التنمية يصبح أول المعوقين لتنمية الدولة..

كم هي المآسي التي يشاهدها الشخص عندما يمر بشارع ما من شوارع تعز أو صنعاء أو غيرها فلا تكاد تمشي بضعة أمتار إلا وترى طفلاً أو مسناً أو مختلاً عقلياً يثير فضولك، فمنهم من يجري وراء جمع العلب البلاستيكية الفارغة ومنهم من يبحث في براميل القمامة لعله يجد ثوباً نافعاً أو لقمة شبه نظيفة ليسد بها جوعه.

ازداد وضع اليمن سواءً في السنوات الأخيرة وصُنِّفت من الدول الأقل تنمية، ومن العوامل التي ساعدت في زيادة الفقر والبطالة والمجاعة- كما يرى استاتذة الاقتصاد- الوضع السياسي من حروب ومظاهرات وحراك وغير ذلك، وإن لم تتوفر معالجة سياسية فاعلة وحقيقية للوضع السياسي لا يمكن مواجهة الفقر، كما أنه لا يمكن أن يكون هناك تنمية حقيقية لمواجهة الفقر والبطالة ما دام الملف السياسي مضطرباً أو شبه مضطرب..

متسول بأمر والده

وائل طفل يبلغ من العمر 10 سنوات ترك الدراسة وهو في الصف الثاني بعد تعرضه لضرب شديد من قبل والده الذي كان يجبره على الخروج للتسول بعد عودته من المدرسة وفي إحدى الأيام أنشغل وائل باللعب وعاد دون أن يجمع شيئاً فتعرض للضرب العنيف والحبس في الحمام وقد كان نفس العقاب يتعرض له حينما يعود بمبلغ قليل لا يرضي والده الذي يجلس في المنزل بدون عمل هو وزوجته الجديدة بعد أن طلق والدة وائل وله منها أيضاً ثلاث بنات.. وحسب قول وائل أنه من أجل أن يرضي والده ويرتاح من العقاب فقد ترك المدرسة وتفرغ للتسول والجلوس في الجولة ووالده يفرح عندما يعود إليه بالمساء بألفين أو ألفين وخمسمائة ولم يعد يضربه كما كان من سابق..

أديب: التسول في السعودية زلط

أديب 11 سنة في جولة الرويشان عندما عرف أني صحفي قال لا تخزوا بنا خلونا نطلب الله على أسرنا ونعالج أمراضنا وكان يشير وجهه المصاب بحرق في إحدى جهتيه ورفض الإجابة عن كيف أصيب به ولكن هذا الجرح يساعده في جلب استعطاف المحسنين وقد قال أديب أنه خرج إلى التسول بعد أن أصبحت أسرته بدون عائل لأن والده باع كل ما يملك وسافر السعودية تهريب ولكنهم لم يعرفوا هل وصل السعودية واختفى منذ خروجه من اليمن ولا يدرون هل مات أم قتل وقد تحملوا وصبروا لمدة سنة قبل أن يخرجوا هو وأخته الصغيرة للتسول وقد مر على غياب والده ثلاثة سنوات وأضاف عن دخله اليومي قال في الأيام العادية ألف أو ألف ومائتين لكنه في يوم الجمعة يذهب إلى المساجد وعندما يرون الجرح الذي في وجهه يدفعوا له أكثر وأحيانا يحصل على خمسة ألف ريال وأحياناً أكثر وقبل أن نودعه طلب منا أن نبحث له عن واحد معروف يدخله السعودية لأن التسول كما قال هناك فيها زلط.

سامح يريد عمل كي يترك التسول

أما سامح فقسوة الحياة ومرارتها تقرأها من ملامح وجهه وتلابيب ملابسه حيث قذف به الفقر إلى الشارع مبكراً وعمره لا يتجاوز  9 سنوات وببراءة الطفولة طلب منا مائة ريال بقوله: (أدي مائة ريال يا عم ربي يحفظك) وعندما سألناه لماذا يتسول وأين والده أجاب بكل تلقائية والدي مسجون وأنا وأخي الصغير وأمي نشقى على البيت من أهل الخير وأضاف شوفوا لي عمل وأنا شبطل التسول.. أمي كانت وجدت عمل في شركة واشتغلت خمسة شهور وكنا بطلنا نخرج لكنهم خرجوها من العمل فرجعنا لهذا العمل بين الشمس والحر والبرد.

سهام.. جمال فتان يحجبه غبار التسول

سهام فتاة يقترب عمرها من 15 عاماً ذات جمال فاتن يجحب جزءاً منه الغبار ووعثاء التنقل من شارع إلى أخر تحت أشعة الشمس لكن هذا الجمال أيضاً يساعد سهام بالعودة بمحصول كما قالت لا يقل عن أربعة آلاف في اليوم تقدمها لوالدتها أما والدها فقد صار مقعداً في المنزل بعد إصابته بعدة أمراض ذكرت منها الكلى والقلب وغيره.

وقالت سهام: شوف يا أخي أيهما أفضل التسول وإلا الأكل من القمامة والإصابة بالأمراض وإلا نموت جوع فلهذا خرجت من الدراسة زمان.. وعندما سألتها متى قالت لا أعرف لكن أصحباتي الآن يدرسين في صف تاسع.. وأضافت أن أفضل مكان للتسول هو سوف القات أو أبواب المطاعم الكبيرة ومن الغريب أيضاً أن سهام لم تتفاءل بقدوم رمضان وقالت أن دخلها يقل في هذا الشهر لأن المتسولين كما قالت يكثرون وشراء القات يكون في الليل وهي لا تدخل أسواق القات ليلاً.. وعن المضايقات التي تتعرض لها قالت هذا كل يوم لكنها تعودت عليها ومنها أنها تسمع ألفاظ بذيئة والبعض يحاول أن يتحسس جسدها وكثيرون يعطوها مبالغ ويطلبون أن تذهب معهم وخصوصاً أصحاب السيارات لكنها كما قالت ترفض كل تلك العروض لأنها تريد أن تنفق على أسرتها بالحلال..

تسول بالزي المدرسي

صفاء وحمزة وجدناهما أمام إحدى المطاعم في شارع خولان وهما في زيهما المدرسي فسألناها في أي صف تدرسان فأجابت صفاء قد بطلنا الدراسة وأوضحت الزي الذي يلبسانه أعطتهما إياه إحدى النساء ولا يملكان غيره لأن بقية ملابسهما ممزقة وفي قضية صفاء وحمزة ألم وحرقة حيث أنفصلا والديهما وذهب كل منهم في سبيله الأم لا يعرفون أين ذهبت ولم يلتقوا بها منذ طلقها والدهما الذي ترك المنزل هو الآخر وسافر لا يعرفان إلى أين ذهب فلجئا إلى عند عمهما شقيق والدهما الذي قبلهما بأن يناما عنده بشرط أن يبطلا الدراسة ويخرجا يتسولان ولا يعودان إليه إلا بعد المغرب وبمبلغ من المال وقالوا عنه أنه طيب ولا يضر بهم ويأخذ منهم الحاصل لكنهم كانوا يتمنوا لو تركهم يدرسان كبقية جيرانهم.. صفاء وحمزة طفلان أعمارهما من 11- 9 سنوات على الترتيب وهما عنواناً لأزمة اجتماعية وأخلاقية وقبل ذلك أزمة رسمية في دولة لا توجد فيها الحد الأدنى لدور تعمل على احتواء مثل هذه الحالات والعمل على رعايتها وتأهيلها..

أريد أن اكون رئيساً

   > أنور.ع. 8 سنوات.. بمظهر نظيف وأسلوب يجلب الشفقة يتقدم إلى كل من يمر امام مسجد بلال قائلاً: أدي لي حق العشاء الله يرحم والديك.. احنا ثمانية أطفال والدنا مات ولا يوجد معنا حق الايجار ويكثر من الدعاء لك وبكلامه هذا أجاب على أسئلتنا قبل أن نسأله لكننا غيرنا معه طريقة التحقيق الصحفي الذي خرجنا من أجله وقلنا له ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟.. فقال أريد أن اكون رئيس وأعيش أنا واسرتي داخل قصر وأمي تعيش مفتهنة ولا تحتاج لشيء وأخلي الشعب كلهم مرتاحين وأوزع زلط على المساكين.

زر الذهاب إلى الأعلى