فضاء حر

اللواء علي محسن بين محنتي اجترار الماضي، واختيار التوبة المشروطة بحقوق العباد ( 2- 2)

يمنات

قلت سابقاً أن موضوعات كثيرة تحدث عنها اللواء الركن علي محسن لصحيفة الجمهورية غلب عليها تارة التناقض، وتارة أخرى الغموض وتارة ثالثة الاعترافات التي تتكرر في أكثر من حوار معه وسنأتي أدنى هذا على بعض من تلك الأمور على النحو التالي :

 

1ــ ورد ضمن إجابته على السؤال الأول إقراره بالقول: "وشيئاً فشيئاً  تم وأد الكثير من الآمال والتطلعات بفعل ممارسات خاطئة ومشاريع صغيرة للعديد من أصحاب النفوس الضيقة التي لم تكن عند مستوى الحلم والانجاز لنصل في وقتنا الحاضر إلى ما وصلنا اليه "

يا ترى : من هم أصحاب المشاريع الصغيرة و أصحاب النفوس الضيقة التي لم تكن عند مستوى الحلم وأوصلتنا إلى ما وصلنا اليه ؟

2ــ وأضاف قائلاً: "وما عصفت بالوطن من أحداث مؤسفة تتحمل القيادات التي تسلمت السلطة جزءاً كبيراً من مسئولية هذا التردي".

 فمن هي القيادات التي يقصدها هنا؟

لأن المعلوم أن القيادات التي حكمت اليمن قبل صالح كثيرة فهل المقصود هنا الجميع أي صالح والذين قبله؟ كما أن الحديث عن الماضي يقودنا إلى إضافة الجنوب مع الشمال فيكون المقصود هنا قيادات البلدين قبل الوحدة مع أن الفارق بين الجنوب والشمال كان يصب في بعض من الجوانب لصالح الجنوب رغم الأخطاء.

 3 ــ وقال: "ولن تغفر لنا الاجيال القادمة ولا التاريخ على مألآت ثورتهم التي صنعها الآباء والأجداد كوننا لم نكن أمناء على هذه الثورة ومتطلبات انجازاتها ".

لماذا قال " لن تغفر لنا الأجيال " ــ يوجد  بعد (لنا) ضمير مستتر تقديره ( نحن )  فالجملة " لن تغفر لنا ــ نحن ـ الأجيال ، والمقصود  "لا الأجيال القادمة ولا التاريخ سيغفر لنا ………( لماذا؟ )………..

كوننا لم نكن أمناء على هذه الثورة ــ أي سبتمبرــ ومتطلبات انجازاتها ؟

إن اللواء علي محسن هنا يصنف نفسه ضمن المذنبين الذين خانوا الثورة  بقوله " لن تغفر لنا الأجيال" …. ويعلل السبب  مباشرة بقوله " لم نكن أمناء على هذه الثورة ، ومتطلبات انجازاتها .

 

قد يقول قائل : إن الرجل هنا يتكلم صيغة الجمع وأنه على الأقل أفضل من غيره الذين تقلدوا مناصب كبيرة سابقاً ، ومع ذلك ليسوا مثله مصداقية وشفافية واعترافا بذنب المشاركة في الأخطاء التي شابت ثورة سبتمبر بصفة عامة ، وفترات حكم (صالح) بصفة خاصة .

إزاء هذا الطرح الذي قد يكون منطقياً : هل يجب التسليم بأن اللواء علي محسن  بهذه الصراحة والإعترافات يكون قد تطهر من تلك الأخطاء التي شارك في صناعتها تارة ، وتارة أخرى في التخطيط ، ورعاية منفذيها ، وحمايتهم ، بل وتكريمهم بمزايا واعتبارات سياسية واجتماعية ؟

4 ــ اعترف اللواء علي محسن بأن " الانجازات لم تكن بمستوى التطلعات والآمال التي فجرت من أجلها الثورة وما تحقق رائع وجميل إلى حد كبير ".

ثم يناقض هذا الاعتراف تناقضاً كبيراً عندا اعتبر أن الذي تحقق (رائع وجميل إلى حد كبير ) وكان باستطاعته القول ( مقبول إلى حد ما ) حتى لا يقع في هذا التناقض مباشرة بقوله "

" وما تحقق رائع وجميل إلى حد كبير ".

فالروعة والجمال مستويان يفوقان (المقبول ، أو اللابأس ، والجيد ) ، ويزداد هذا التناقض في بقية العبارة " بوصفه ماتحقق بالرائع والجميل والكبير رغم العثرات التي شابت حكم صالح مشبهاُ إياها بكارثة انهيار سد مأرب حيث قال " ما تحقق رائع وجميل إلى حد كبير رغم ماشابه من عثرات كانت آخرها ما رزي به الوطن  خلال فترة حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح  الذي تميز بالعصبوية  والتجهيل وهدم القيم والأخلاق والنظام والقانون, الذي لم نستفق مما كان يخطط له الا في اللحظات الأخيرة من أنه كان يسير وفق رؤية لإنتاج الحكم الأسري المناطقي العصبوي بغطاء جمهوري حتى أن البعض ذهب إلى القول أن أعظم كارثتين منيت بها اليمن كانت الأولى هدم سد مارب والثانية فترة حكم علي عبد الله صالح ".

فكيف أيها اللوا يجتمع (الإنجاز الرائع والجميل بذات الوقت مع ثاني كارثة تاريخية تحل باليمن ؟ بل أن صالح أكبر كارثة تاريخية فتصدع السد فرق وشرد اليمنيين لكن صالح مزقهم شر ممزق .

"مآلات مرحلة ما بعد ثورة سبتمبر 1962 كانت لها ظروفها الداخلية والإقليمية والدولية , مع أن هذا ايضاً لا يعفينا جميعاً من مآلاتها , لكن إفرازات واقعنا الراهن بعد ثورة فبراير 2011 الثورة الشبابية الشعبية السلمية يصعب الحكم عليها خلال هذه الفترة القصيرة " و" يجب أن لا نتعجل الحكم ولا نستعجل تحقيق كل الآمال في فترة وجيزة "

نريد التأكيد  لعلي محسن أننا لسنا على عجل من تحقيق الآمال ولكننا على يقين من أنها لن تتحقق لا في القريب ولا في البعيد لأن كل المعطيات والشواهد تفصح أن عقلية الإلغاء والإقصاء والاستئثار بالسلطة من قبل (الإصلاح ) على أشدها … هذا القول ليس حكما عاجلاً ولا وجهة نظر ولا افتراءات ولكنه حقيقة نعيشها لحظة بلحظة .

 

ألا يستطيع حزب تجمع الإصلاح الانتظار إلى فترة ما بعد أول انتخابات بحيث تكون التعينات التي اقتضتها الانتفاضة الشعبية في الوظائف العامة لـــ " التكنوقراطيين" وفق معايير تضعها الحكومة ؟

كما أننا على يقين أن ثمة من لا يزال يقرع طبول الحروب الأهلية والمذاهبية والمناطقية ، ومن ذا الذي يستطيع إنكار أن إيران تدعم أصابعها ، وآل سعود تدعم لوجستياً سواعدها ، وأفخاذها ، وبطونها من مشائخ قبائل ، ودين ، وجمعيات ، وعناصر متمفصلة في أهم أجهزة الدولة (استخباراتية ، وأمنية ، وعسكرية ، حكومية ……..الخ ) .

5 ـــ  " في كثير من الحالات ونتيجة لتخليه عن مسئولياته قد جعلتني بعض الظروف الرجل الأول وليس الثاني  ".

لم  يوضح الرجل ما هي الظروف التي جعلته الرجل الأول في عهد صالح وكان الطبيعي في مثل هكذا تلميح أن يلتقط المحاور الفرصة لسؤال المتحدث عن هذه الظروف.

فهل المقصود بهذه الظروف هي التعيينات التي كان يتوسط بها في اختيار المحافظين، وبعض الدرجات الوظيفية الكبيرة في كلٍ من المؤسسات الحكومية والعسكرية، وفي منحه رتب عسكرية كبيرة لمشائخ أميين كقادة حرس الحدود سابقاً؟

أم أن المقصود بقوله كنت الرجل الأول: قيامه بتوزيع مساعدات مالية ومواد غذائية لمن يقصدونه فقد كانت قواطر كبيرة "ناقللات بضائع" تقف قبالة بيته أياماً وأسابيع تنزل ما عليها من مختلف الأغذية التي تنقل من التمويل العسكري الموزعة أصلاً على القوات المسلحة، وكان يصطف أمام بيته كل جمعة المئات من أبناء الحارات المجاورة والنساء والشيوخ من أجل أن يحصلوا على الغداء وكذلك صدقات رمضان؟

أم أن المقصود قيامه بدور كبير في حسم كثير من الصراعات والحروب التي كانت تستهدف إسقاط نظام علي عبد الله صالح وكان يقوم بإخمادها مثل حروب المناطق الوسطى؟

أشياء كثيرة واحتمالات متعددة جعلت القارئ يتساءل متى كان علي محسن الرجل الأول عندما كانت بعض الظروف تجعل صالح يتخلى عن مسئوليته!

6 ـــ " نحن متفائلون جداً مع قيادة شرعية جديدة و أمام عهد جديد ومرحلة تغيير جذرية"

"شباب هذا الوطن هم حماة أحلامهم وآمالهم وتطلعاتهم بيمن جديد ." أخشى أن يكون شباب اليمن مختزل بشباب الإصلاح ، وتتزايد المخاوف أكثر من يكونوا كذلك بقوله " أنا على ثقة أن هؤلاء الأشبال والأسود الذين فجروا الثورة الشبابية يملكون القدرة على صياغة مستقبل الوطن "…. لماذا ؟.

لأن الذين فجروا الثورة في الأصل هم أولاً الحراكيون وبعدهم شباب وطلاب ومثقفين ــ خاصة القطاع الطلابي للحزب الاشتراكي اليمني بجامعة صنعاء وبعض أعضاءه ــ مع عدد من المناضلين والحقوقيين أمام بوابة جامعة صنعاء منذ لحظة انتصار ثورة تونس ، ودشن سواقي الدراجات في تعز مع أعضاء الحزب الاشتراكي أول ساحة ثورية في تاريخ اليمن قاطبة مؤذنين انتهاء ثلث قرن من حكم (صالح ) .

وأولئك الشباب تحولوا فجأة إلى مندسين ، بينهم  شباب اعتقل وأهينت كرامته من قبل جنود الفرقة ، أو ميليشيات اللجان الأمنية في عدد من الساحات ، وبعضهم ذهب إلى الحوثيين وهم على يقين من أنها حركة دينية لا تقل خطورتها وتخلفها عن خطورة وتخلف تيار شبابي في الإصلاح هو مزيج من تركيبة عقلية معقدة ( قبلية على جهادية على عسكرية أحياناً) لكنهم ــ أي الحوثيين ــ اعترفوا بثورية هؤلاء الشباب ، وأفضلية سبقهم الثوري على كل الجميع ، لم يشككوا بثوريتهم أو يتهمونهم بالمندسين ، ولم يعتدوا على أحد منهم بالضرب ، أو السب ، أو التخوين وغيرها من ممارسات بعض شباب الإصلاح المحسوب تارة على الزنداني ، وتارة أخرى على حميد ، وتارة ثالثة ورابعة ………. على هذا الجناح أو ذاك داخل الإصلاح ، وفي كل مرة يٌتفننون في اختلاق المبررات التي غالباً ما تكون موجهة لعناصر تابعة لــ( صالح) في حين أن هذه العناصر كانت معينة بمهام أمنية وغيرها ونراها تتواجد في غرف وخيم شباب الإصلاح .

إن الشباب الذي فجر الثورة يا سيادة اللواء ليسوا ممن تعرفهم أو يعرفهم قيادات الإصلاح ، ويا ليتكم عرفتمونهم وقدرتم قيمتهم .. بعضهم يعيش في أدنى أدنى شروط الحياة .

 

7 ـــ  " تصحيح المسار , والتعويض عما فات , وتحقيق تطلعات أبناء شعبنا في وطن تسوده روح المحبة والعدل والمساواة والحرية ".

فماذا تحقق من هذا المبدأ على الأقل بيننا نحن شياب الثورة ، والإصلاحيين ، وجنود الفرقة ، والحوثيين ، والحراكيين ، والأحزاب ؟ أين هي الومضات الأولى من تصحيح المسار المخرب منذ ثلث قرن ، والعدالة المساواة في الحقوق الوظيفية بسبب المحاصصات الهوجاء ؟

واين المحبة والإصلاحيين يودون لو أنهم يستيقظون وقد استأصلت الفرقة الأولى مدرع شأفة الحوثيين ، وهؤلاء يتمنون يفتحون أعينهم في صباح يوم ما وقد شريت الأرض كل إصلاحي وجندي من الفرقة ؟

وأين هي حرية المذهب والفكر والتعبير التي ظننا أن الثورة قد شرعت تمنحناها فإذا بنا عملاء وخائنيين ؟

 

8 ـــ أشار علي محسن إلى  هدف كبير هو : ــ دولة مدنية ديمقراطية الفيصل فيها النظام والقانون .

إن هذا الهدف هو الذي ما خرجنا إلا من أجل تحقيقه : فلماذا إذا كل تلك السلوكيات المتنافية مع هذا المبدأ يا علي محسن من قبل المستندين على وجودك من جنود ، وصحفيين ، وكتاب ، وإصلاحيين ، وعيرهم ؟

لماذا ضرب الشباب لا سيما أولئك الذين خرجوا قبل خروج كل الشعب إلى الساحات ؟ وتلك الأخوات المناضلات ممن اعتدى عليهم جنود الفرقة ؟

 

9 ـــ " لن تعود اليمن بعد الثورة  إلى مرحلة حكم أصحاب الكهوف والجحور المظلمة ".

فمن المقصود بأصحاب الكهوف والجحور المظلمة ؟

واضح أن المقصود بهم القائلين بولاية  ( أحد أبناء البطنين ) ، أو المدعين بالحق الإلهي في ولاية الإمام علي رضي الله عنه ، وذريته ! .

طيب أليس شيوخ الفخذين  (حاشد وبكيل ) أيضاً يعدون من أصحاب الكهوف والجحور المظلمة ، وأتباعهم من عامة القبائل المسحوقين المصنفين في نظر مشايخهم من ذوي الساقين ، ويريدون حكم البلاد بــ(عقائر الذبائح ، والمحدعش ، وجنابي القبائل ، والشخطات على الوجوه ؟

كذلك دعاة القرنين من (العسكريين ، والسلاطين المجاهدين ) أليسوا هم أيضاً من أصحاب الكهوف والجحور الموحشة ؟

 

10 ــ جاء في الحوار  " لم يجد أبناء المحافظات الشمالية ومعهم إخوتهم في المحافظات الجنوبية  بداً من تفجير ثورتهم الشبابية الشعبية السلمية استجابة لمطالب اخوانهم  في المحافظات الجنوبية على قاعدة التغيير لا التشطير حفاظاً على الوحدة واستبسالاً في حب الوطن واستجابة لرفع المظالم عن إخوانهم في المحافظات الجنوبية كما هي في المحافظات الشمالية ".

يا سيادة اللواء  : تأكد أن المحافظات الشمالية خرجت ليس تجاوباً للمحافظات الجنوبية وإنما بسبب مجموعة دوافع مباشرة وغير مباشرة أما المباشرة فقد كانت اللحظة التاريخية التي صنعتها ثورة الشعب التونسي وبعدها ثورة الفراعنة ، وشجاعة النواة الأولى من الشباب بالتجاوب مع الثورتين السابقتين في كل من عدن وصنعاء وتعز  ولا تنسى أنه عندما اتسعت رقعة الاحتجاجات في عدن يومي 9، 10 من فبراير وسقوط عدد من الشهداء بالتزامن مع انتصار ثورة مصر وهما دافعان كانا كافيان لشباب تعز قي تدشين أول ساحة اعتصام تطالب بإسقاط النظام ،فقامت عناصر الأمن والبلاطة  بمهاجمتهم ، والتعرض لمسيرات الشباب في شوارع صنعاء والاعتداء عليها  ، وعندما غطت بعض الفضائيات صور الاعتداءات تلك هاجت المسيرات في عدن رافعة شعارات التضامن مع تعز خصوصاً يوم 16فبراير الذي سقط في منطقة المنصورة محمد علي شاعن (العلواني) 18 عاما شهيد الثورة الأول وثلاثة آخرين هم  فضل مبارك الحَنَشي وياسين علي أحمد السريحي وياسين علي ناجي الجحافي وعشرات من الجراحي وسقط شهداء وجرحى  اليوم الذي يليه ما جعل أبناء تعز يعلنون جمعة البداية التي سقط خلالها الشاب الثائر مازن البذجي كأول شهيد في تعز ,,,,,,,,, اما الدوافع غير المباشرة فقد كان لصمود الحراك أمام قمع (صالح) الفضل في كسر حواجز الخوف من قلوبنا ، إلى جانب جرائم صعدة العبثية والمغطاة بأغطية جوهرها صراع على الثروة والسلطة أكثر من كونها مذهبية وطائفية ، وعلاوة على تلك الدوافع غير المباشرة المآلات الخطيرة التي يؤول إليها الواقع اليمني في كل شئ من فساد وتشظي ضياع ,,,,, كل تلك شكلت في مجموعها الدوافع الذاتية والموضوعية للخروج ضد النظام بهدف إسقاطه .

 

11  ـــ أولويات أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية وأولوية الحوار الوطني الوقوف أمام مظالم وحقوق أبناء المحافظات الجنوبية .

إن التعبير (الوقوع أمام مظالم وحقوق) تعبير  غير موفق  لأن القضية الجنوبية ليست مجرد مطالب وحقوق عابرة يجب الوقوف أمامها وإنما قضية سياسية بامتياز وبدون حلها على هذه القاعدة ستزيدها تعقيدا أكثر فأكثر.

 

12  ــ  "في مرات سابقة ذكرت ولا زلت أؤكد أن الجيش اليمني ليس فيه أي انقسام, وإن وجد ما يمكن تسميته انقساماً فلا يوجد إلا على المستوى الفوقي لدى بعض القيادات التي تحاول التمرد على الشرعية , وهي تتصرف خارج إطار الدستور والقانون."

بل يوجد إنقسام فالقوات الخاصة والوية الحرس الجمهوري والأمن المركزي والنجدة كانت تابعة لــ (صالح) وعدده أفرادها وعتادها يفوق كثيراً الجيش الذي أعلن تأيده للثورة ، بدليل أنه حال لم يك هناك إنقسام في الجيش لكنا قد سبقنا ثورة ليبيا في اسقاط النظام مثل ليبيا .

 

13 ـــ " كل مسئول في موقعه ولا تنازع في الاختصاصات , ومرحلة تنافس القوى وتقاسم إرادة وسلطة الوطن وشخصنتها زمن ولّى إلى غير رجعة إن شاء الله .".

وما الذي يحدث اليوم من تقاسم (محاصصات ) بين القوى السياسية وبعض مشائخ القبائل وسيلان لعاب حزب الإصلاح على وجه التحديد أليس تنافس سلوك ماضوي يعود برداء التقوى وجلباب الوصايا على البلاد والعباد باعتقادات التقوى والصلاح والأحقية في حراسة الرعية بمقتضيات الإصطفائية الربانية لكونهم المنفذين لأحكام الشريعة الإلهية .

 

التوبة المشروطة

شئ جميل أن يعترفا الإنسان بأخطائه .. لكن لا يكفي الاعتراف والإقرار بالأخطاء والذنوب وحديهما ….. ألم يجمع فقهاء الدين ــ حد ما أعلم ــ أن الله جعل ثلاثة شروط لتوبة عندما تكون في حقوقه ، وأضاف

شرطاً رابعاً عندما تكون في حقوق العباد ، وهذه الشروط هي :

الأول : الندم على ما فات  .

الثاني: الإقلاع عن الذنوب وتركها دقيقها وجليلها.

الثالث: العزم الصادق على ألا يعود لاقترافها .

الرابع :إعادة الحقوق لأصحابها أكانت أموالاً أو دماءً أو أعراضاً.

إن مقتضى الندم  الحزن والصدق  فالتوبة لا تتصور إلا من نادم خائف وجل مشفق على نفسه مما حصل منه ، إلى جانب الاعتراف بالذنوب لقول الرسول (ص) لعائشة رضي الله عنها في قصة الإفك : " أما بعد ، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه "

أما مقتضى الشرط الثاني فهو التوقف ، والامتناع كلية عن ارتكاب أخطاء الماضي ، ومقتضىً الشرط الثالث الإخلاص ، والإقدام بقوة وصدق ، وإخلاص في عدم العودة لأخطاء الماضي وفي التوقف عن الوقوع في أخطاء جديدة  يقول ابن القيم : " إن الهداية التامة إلى الصراط المستقيم لا تكون مع الجهل بالذنوب، ولا مع الإصرار عليها، فإن الأول جهل ينافي معرفة الهدى، والثاني : غي ينافي قصده وإرادته، فلذلك لا تصح التوبة إلا من بعد معرفة الذنب والاعتراف به وطلب التخلص من سوء عاقبته أولاً وآخراً "

إن الأخطر في شروط التوبة هو الشرط الرابع الذي يعد من تمام التوبة فلا تتحقق إلا بإعادة حقوق الناس أكانت أموالاً أو دماءً أو أعراضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه "

فإذا كان الدينار الواحد المأخوذ من أحد يجب أن يتحلل منه التائب فكيف واللواء علي محسن يعلم أكثر مما لا نعلم ، ويعلمه الله وحده كم كان ماله وممتلكاته قبل وصول (صالح) إلى حكم البلاد وكم هي اليوم …. فهل سيخرج من الدنيا كما كان عندما دخل مع (صالح)إلى السلطة ؟

وجاء في موقع (الشيخ بن باز الذي يعد أحد المشرعين لكثير من القضايا المختلفة التي يؤخذ بها ممن يعرفهم علي محسن) : إن كان قصاصاً تمكن من القصاص إلا أن يسمحوا بالدية، إن كان مالاً ترد إليهم أموالهم، إلا أن يسمحوا بها.

 

فيا ترى : كم شخص غيب قسرياً من وجه الحياة  بذنب فكره السياسي المخالف لـ (صالح) ؟

 وكم راح من الضحايا في حروب المناطق الوسطى ؟

وكم شهيد أٌغتيل بعد الوحدة بسبب أنه اشتراكي ؟

 وكم من الأبرياء سقطوا ضحية الإرهاب الذي لم يدخل بلادنا إلا و(علي محسن) يعلم  اليوم التي  بٌذرت فيه بذرته الأولى ؟

إن شروط التوبة الأربعة لا تقتضي العمل أو التطبيق الذاتي  من علي محسن ، والذين أخطئوا خلال فترة حكم (صالح) فحسب ، وإنما التطبيق العملي الموضوعي لكونها لم تستهدف أشخاصاً يستحقوا القتل والاغتيال والإخفاءات القسرية والتعذيب في السجون بل استهدفت شعباً بأكمله فصار على ما هو عليه من فقر وجهل وعناء ، واستهدفت مستقبل الوطن فصار قاب قوس من التمزق ، التشظي.

إن توبة البسطاء من الناس غير توبة الملأ من المسؤولين الذين حكموا البلاد والعباد ، ولن يطبقوا شروط التوبة إلا تطبيقاً يوازي حجم مكانتهم الاعتبارية فمقتضى  الندم على ماضيهم هو في الاعتراف  بأخطائهم التي تبدأ بنشرهم لقوائم الأسماء المغيبة قسرياً أثناء حكمهم ، وأين غيبت ولماذا ؟ كيما تعرف أسرهم نهاية مصيرهم ، وتعويضها التعويض الاعتباري والمادي المقابل ، ومن ثم الإغلاق النهائي لمثل هكذا ملفات نهائياً .

 

كما أن من مقتضى التوبة التوقف عن مثل تلك الأخطاء فكيف ستتأكد توبتهم ونزيف الدم مستمر فهناك من يموت لمجرد أنه يختلف في المذهب الديني أتباع علي محسن والإصلاح والسعودية ، وهناك من يتأهب لتنفيذ مشاريع الإغتيالات الجاهزة مخططاتها ضد ياسين سعيد نعمان ، وسلطان السامعي ، وأحمد سيف حاشد وكوادر أخرى من خيرة أبناء الوطن النخبوية والمثقفة والشريفة خاصة من الإشتراكيين على حد توعدات المجاهد الأفغاني طارق الفضلي ذو النشأة والتربية سعودياً ، والهوية الجنسية يمنياً الذي يتناقل من أنه صهر وقريب لعلي محسن ؟

كيف سيكون علي محسن حقاً قد ثاب وتاب وهناك الذين يعلمهم لا يمتلكون العزيمة الصادقة في ألا يعودوا لاقتراف نهج الحروب في عدن وتعز وصعدة وأبين فمازلوا ينظفون البنادق ، ويعبون خزائنها برصاصات القنص الغادرة ؟

أي توبة هذه التي تلوح في اعترافات اللواء علي محسن وحقوق الآلاف من أموال ، ودماء ، و أعراض لا تزال تتصاعد إلى الله تجأر بظلم المسؤولين من مئات القادة العسكريين والمدنيين والتجار الفاسدين والمشايخ العابثين؟

إننا هنا لا نحاسب النوايا ولكن معطيات الماضي ما تزال تنتج ذات السلوكيات الخاطئة في كثير من الأوجه، ونحن سنكون أكثر سعادة حينما تنطلق توبة علي محسن وغيره من اللذين لعبوا أدواراً كانت كلها تصب ضد مجرى عمليات الإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والوطنية بصفة عامة فمن غير المعقول أن كل ما قاله علي محسن يكون صحيحاً حيث يكون السؤال هنا وما الذي منعك من القيام بما يقتضيه واجبك الوطني والأخلاقي أمام ذلك الخراب الذي تسبب به صالح إلى آخر ذلك؟

لا يكفي الاعتراف اليوم بقدر ما هو مطلوب التصحيح لكل سلوك ارتكز على الإثراء غير المشروع من مال الشعب، والاعتذار عن تلك الحروب التي أضرت بالبلاد والعباد، وإثبات أن التوجه إلى بناء الدولة المدنية الحديثة ليس بالتمني ولا بالتحلي وإنما بالعمل الذي ستثبته الأيام القادمة الخالي من كل رواسب وأخطاء الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى