إجتماعية

خلود العدنية قتلوها خوفاً من الانفصال بين الشمال والجنوب

المستقلة خاص ليمنات

الحب إذا جمع بين قلبين فلن يفرق بينهما إلا الموت.. تلك المقولة المتوارثة عبر الأجيال والعصور، مازالت تلقي بظلالها في عالم الحب والغرام.. نفوذ غير محدود يمتلكه الحب، طاقة هائلة تشبه الإعصار، وحينما ينعدم هذا الإعصار العاتي بجبال العرف الاجتماعي، وجدان العيب والعار والعادات والتقاليد، لا يهداً ولا يتوقف، ولا يضعف، لكنه يموت بموت أحد القلبين..

جمع  القدر ذات يوم بين الشاب رفيق الشيباني ذي المؤهل الجامعي في الاقتصاد، مع الفتاة «خلود»، دبلوم تجارة، بالصدفة العابرة في سوق “عدن مول”، فتعارفا ببعضهما، وكما يقال: “القلوب إذا تعارفت تآلفت”، تسلل الحب إلى قلبيهما فنشأت علاقة قوية لا حدود لها، فكل يوم يمر عليهما كان الحب يضرب جذوره في أعماقهما، حباً نقياً عفيفاً وجدانياً خالصاً، اقتصر على تبادل رسائل الغرام والمودة والمشاعر الرومانسية لمدة عامٍ كامل.. كانت أيام هذا العام ولياليه كفيلة بأن يعرف كل واحدٍ منهما قيمة الآخر، وصدق مشاعره، وجديته في هذه العلاقة العاطفية، لينتهي العام وقد تكونت لديهما قناعة راسخة بأن حياتهما واحدة، ومصيرهما واحد، وإنهما لا يستطيعان العيش بعيداً عن بعضهما فقررا البدء باتخاذ إجراءات عملية لتحقيق الحلم متمثلة بالخطبة الرسمية تمهيداً للزواج..

“الزواج” الحلم المشترك الذي التقى حوله رفيق وخلود، الطيف الجميل بألوانه الجذابة ومنظره السحري البديع.. والذي انساب في خيالهما كنسيم عليل، لم يخطر ببالهما أن قسوة الواقع تخبئ لهما من القهر ما لا يحتمل، وأن خيالهما البريء وتطلعهما إلى مستقبل مفعم بالسعادة والهناء والسرور سيصطدم بجدار القهر، ليتدلى على مشنقة الحقد والكراهية وينتهي بالموت والغدر والاغتيال.. تقدم رفيق إلى والد حبيبته خلود طالباً يدها منه، لكنه انصدم بما ليس في الحسبان، رفض والد خلود طلبه، متعللاً بالوضع السياسي المأزوم، والظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، والمصير غير المأمون للوحدة، فربما من وجهة نظره تتغير الأوضاع ويحدث انفصال، فيصبح هو في دولة وابنته في دولة أخرى فلا يستطيع عند ذلك رؤيتها.. يا الله!! ما الذي حدث لعقولنا ؟!! كيف أصبح مواطن يمني يفكر بهذه العقلية القاصرة، وبدافع من الحب الذي يتأجج في صدره كالبركان، حلف رفيق أغلظ الأيمان بأنه لن يغادر عدن حتى ولو حدث انفصال، فهو يعمل في قطاع خاص وسيعيش حياته في هذه المدينة التي أحبها وأحب أهلها وعشق الحياة فيها، لكن الأب ظل مصراً على رأيه بصلابة وتشدد قال بأنه سمع أن هناك توجهاً للجنوبيين بأنهم سوف يزفرون بكل الشماليين إلى بلادهم!!، وخاطب رفيق بلسان الناصح الأمين قائلاً له: “يا ابني شوف لك واحدة من أهل بلدك، وخلصنا من هذه المشكلة”.

وجد رفيق نفسه مصدوماً بهذا الموقف المتصلب، لم يتمكن هو ومن جاء معه من اقناع والد خلود بالموافقة على الخطوبة، لملم جراحه وانسحب من المجلس يكظم آهاته وأحزانه.. كان على خلود أن تقوم بما تقدر عليه، ربما ترق لها قولب أهلها، ويوافقون من أجلها فقط.. كانت تبكي بحرقة بعد معرفة موقف والدها، كانت الدموع تسيل على خدها كالمطر، بالموافقة، فهي لا يمكن أن تتخيل نفسها زوجة شخص آخر غير رفيق.. لكن ولحظ الحب العاثر، قالت لها أمها بصريح العبارة: “نزوجك لخادم من حق ياتنا، ولا نزوجك لتاجر من حقهم”.. إلى هذه الدرجة أصبحت قلوب البعض عامرة، بالقسوة والكراهية؟!! ما الذي حدث لأب  وأم يحطمان بمعاول الكراهية مستقبل ابنتهما “فلذة كبدهما” دون شفقة أو رحمة.. مثلما سيتحطم لا حقاً حقها في الحياة.. انقطعت السبل أمام الحبيبين (رفيق وخلود) واسودت الدنيا بعيونهما، وأغلقت كل أبواب الحل، وفشلت كل وسائل الاقناع، ولم يتبق أمامها سوى الخيار الأصعب.. والذي لا بديل له في نظرهما.. “فرض الأمر الواقع”.. ذلك هو القرار الوحيد أمامهما.. حينها تفاجأت الأسرة باختفاء خلود، كان جوالها مغلقاً، وبعد ثلاثة أيام كان الهاتف مفتوحاً، وردت خلود على اتصال اسرتها، أخبرتهم أنها سافرت مع خطيبها رفيق على منطقته، وأنها سوف تطلب من المحكمة أو أمين المنطقة أن يعقد بها على رفيق لأن أسرتها رفضت أن تفعل ذلك.. هددها والدها بالقتل إذا لم تعد فوراً لأنها جلبت لهم العار، وأن أهل الحارة كلهم يتحدثون عنها، وقال لها: “عودي أولاً، وبعدين لكل مشكلة حل”..

تكررت محاولات الأسرة لإقناع خلود بالعودة، وبعد مرور عدة أيام اشترطت على أسرتها أن يوافقوا على تزويجها برفيق لتعود إليهم، واشترطت أن يتم إجراء العقد قبل وصولها إلى المنزل.. تدخل خالها في هذا الشأن، أجرى عدة اتصالات معها ومع خطيبها رفيق، واستطاع أن يقنعها بأنه سيتولى مهمة اقناع والدها ووالدتها بالموافقة، حينئذٍ عادت خلود ومعها رفيق إلى عدن بعد الاتفاق مع خالها، لكنها رفضت أن تصل إلى المنزل إلا بعد أن يتم العقد، طلب خالها أن يلتقي بها وحدد لها مكان وزمان اللقاء..

يقول رفيق: عندما التقينا بخالها، كان راكباً سيارة، فطلب من خلود أن تصعد إلى السيارة، فصعدت، وعندما حاولت أن أصعد إلى السيارة أغلق الباب بسرعة وفحط مبتعداً عن المكان”.

ويواصل رفيق حديثه بنبرة أسى وألم وحزن: “في المساء أتصل بي والد خلود يسألني عنها، فقلت له أنها مع خالها وشرحت له ما حدث، فأخبرني أن خالها قال لهم أنه وجدها مقتولة في المكان الذي كنا فيه.. وأنه لم يلتق بي، وأنه يتهمني بقتلها!!

قتلت “خلود”.. اغتيلت على حين غفلة من الزمن، ومعها قتل الحب واغتيلت الأحلام، رحلت بقلبها الممتلئ حباً، على يد من امتلأ قلبه حقداً وكراهية، رحلت وتركت خلفها عالماً مسكوناً بالقسوة والوحشة ومشاعر الغضب والعداء.

يقول الحبيب المفجوع بفراق حبيبته وقرة عينه: “بعد وصول القضية إلى الأجهزة الأمنية، تم احتجازي، واستدعاء والد خلود والذي اتهم في التحقيقات، خالها بقتلها، لأنه كان قد حلف يميناً بأنه سيقتلها، لكنه حاول التظاهر بدور المصلح والوسيط لخداع خلود ورفيق، وأكد الوالد إن رفيق يحب خلود ولا يمكن أن يقتلها”.

لقد تأخر كثيراً اعتراف الوالد بأن رفيق يحب خلود، ألم يكن من الأولى أن يعترف بهذا الحب من قبل بل ويحمي هذا الحب ويحافظ عليه لأنه سبب سعادة ابنته.. ابنته التي رحلت وجراح القسوة تثخن قلبها ومشاعرها.

ما يزال المتهم بارتكاب الجريمة “خال” الضحية خلود، فاراً من وجه العدالة، ولم تستطع الأجهزة الأمنية تحديد مكانه أو القبض عليه، ولم يعد يرد على اتصالات شقيقته أم الضحية أو اتصالات والدها.. ليظل دم خلود يلطخ وجه العدالة الغائبة!!

زر الذهاب إلى الأعلى