أخبار وتقارير

عشر ساعات حرب هزّت العالم قبل أن تعانق صنعاء تعز

المستقلة خاص ليمنات

ساعات عصيبة عاشها شباب وفتيات مسيرة “الحياة2”، بعد وصولهم إلى أمانة العاصمة قادمين من مدينة تعز.. فبدلاً عن حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة تعرض المشاركون لعنف مفرط وحصار غير مسبوق حيث منع عنهم الماء والأكل والدواء والملابس والأغطية التي تقيمهم الصقيع والبرد القارس في العراء على الأرصفة.

لم يتوقف الأمر عند الحصار بل تعرضوا لأشكال مختلفة من العنف.. فالمسيرة التي وصلت الاثنين إلى صنعاء وطافت بعدد من شوارعها استقرت في ميدان السبعين بالقرب من دار الرئاسة، وهناك كانت قوات عسكرية وأمنية- يفترض أنها صارت في صف الثورة- لها بالمرصاد، فباشرتها أولاً بحصار خانق استمر لنحو 30 ساعة متواصلة حيث منع عن المشاركين بما فيهم النساء كل مقومات الحياة الضرورية من مشرب ومأكل وأغطية للبرد، في خطوة هدفت كما يبدو لقتل “الحياة” في هذه المسيرة وإزهاق روحها الثورية المتأججة في نفوس شبابها وفتياتها عبر هذا الحصار الذي وصفه شباب المسيرة في مؤتمر صحفي عقد الخميس 27 ديسمبر بصنعاء بأنه منافٍ لكل القيم الإنسانية والأخلاقية واستخدمت فيه كل أساليب الضغط والقهر النفسي، تم تتويجه بعاصفةٍ من القمع واستخدام القوة لتفريق المعتصمين والمحاصرين أمام دار الرئاسة مساء الثلاثاء 25 ديسمبر استخدمت فيه قوات مكافحة الشغب والقوات الخاصة الهراوات ومسيلات الدموع وأسفر عن إصابة ما يزيد عن 6 أشخاص بينهم نساء واختناقاً بالغاز.. فيما أصيب الشاب فهمي المغلس باصابات بالغة بعد أن دهسته ألة عسكرية كادت أن تنقله إلى العالم الآخر..  كما تم اعتقال عدد من الشباب وحجزهم في اماكن مجهولة..

شباب المسيرة اعتبروا أن استخدم الحكومة العنف المفرط ضدهم رغم كونهم عزَّل، يؤكد أن التغيير لم يصل بعد إلى مؤسسات الدولة، وأن على الثورة رفع شعار “الشعب يريد إسقاط الحكومة” مطالبين بإقالة قادة الجيش والأمن المحسوبين على النظام السابق وفي طليعتهم قائدي الحرس والفرقة إقالة واضحة ومباشرة، فضلاً عن إقالة حكومة الوفاق لفشلها، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية (تكنوقراط) لإدارة البلاد بشكل أفضل بدلاً عن المحاصصة.. وأكد الشباب أنهم مستمرون في التصعيد، محتفظين بحقهم في التظاهر والاعتصام حتى استكمال أهداف “مسيرة الحياة” والتي هي أهداف الثورة السلمية، وبناء دولة مدنية حديثة بعيداً عن حكم العسكر وحكومة المحاصصة، مؤكدين أنهم سوف يستخدمون اشكالاً مختلفة للاحتجاج بينها الاعتصامات والمسيرات وغيرها، وأوضح الشباب أنهم  لم يرفضوا اللقاء برئيس الجمهورية، إلا بعد رفضه فك الحصار عنهم أو السماح بدخول الماء والغذاء إليهم..

اللافت في الأمر هو الموقف البائس والخجول لأحزاب المشترك التي اكتفت بالأسف لتعرض شباب المسيرة للعنف والقمع، متجاهلة انها شريكة في الحكم  وتدير وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية التي قامت بهذا العنف، وهو ما يؤكد تورط هذه الاحزاب في التخلي عن أهداف الثورة مقابل مكاسبها من المحاصصة وتقاسم المناصب والأموال العامة..

لقد أثبتت شباب وفتيات مسيرة الحياة “2” من خلال وصولهم إلى صنعاء أولاً، واعتصامهم أمام دار الرئاسة الذي لم يجرؤ أحد حتى الآن بما فيهم رئيس الجمهورية على الاقتراب منه أنهم قادرون على أن يصلوا في أي لحظة شاءوا إلى أي مكان يريدون .

المستقلة التقت بعدد من المشاركين في مسيرة الحياة الأولى ليرووا بعضاً من ذكرياتهم عن تلك المسيرة الخالدة في التحقيق التالي:

حامل  مشنقة النظام في المسيرة

< الثائر/ عائد قادري السروري.. أبى إلا أن يتصور مع المشنقة التي حملها في مسيرة الحياة الأولى.. أنها مشنقة النظام السابق وقد تحدث عن المسيرة بقوله:

“لقد كانت أعظم مسيرة سلمية وصنفت الثانية بعد مسيرة الملح في منتصف القرن العشرين في الهند بقيادة (غاندي).

انطلقت المسيرة صباح يوم الثلاثاء 20 ديسمبر 2011م من ساحة.

ومضت كالسيل الجرار تقطع المسافة بأقدام دامية تحت الشمس الحارقة والبرد القارس.. خمسة أيام بلياليها وصولاً إلى نقطة يسلح حيث التفتيش الذاتي لكل فرد هناك حل المساء فقررت اللجنة المنظمة للمسيرة البيات في منطقة (خدار) كانت ليلة شتاء باردة حبلى بالجوع والخوف منعت المحلات من البيع ووصل سعر الإطار التالف بخمسة ألف ريال لكي نشعله بغرض التدفئة، رغم ذلك صمدنا حتى طلوع النهار وانطلقنا نحو هدفنا.. بدأت المسيرة تزحف وسط هتاف الجماهير وزغاريد النساء اللاتي وقفن على جانبي الطريق وفي الحقول والتلال وهن يلوحن ويهتفن لأبناء تعز خصوصاً.. هول وعظمة المسيرة جعلت المتربعين والبلاطجة المسلحين على اسطح المباني ينسون انفسهم، من شدة الانذهال ومررنا بجانب معسكر (السواد) للحرس الجمهوري دون أي تعرض ثم خرج موظفو مستشفى (48) يرحبون بالمسيرة..

وصلت المسيرة (دار سلم) فانسحبت سيارات الأمن المركزي بعد أن اتجهت في شارع فرعي وسبقت المسيرة إلى (جولة دار سلم).. كانت الساعة الواحدة ظهراً حيث اعترضت المسيرة عربات الأمن المركزي وحواجز من الجنود ومرشات الماء لإجبار المسيرة التوجه إلى شارع خولان حيث يتربص القناصة والبلاطجة، ولمدة ثلاث ساعات من الكر والفر صمدنا بوجه النيران وقنابل الغاز وسقط أكثر من عشرة شهداء وعشرات الجرحى وعدد غير معروف من المفقودين والمعتقلين، وكان الفرج بعد العصر بعد انسحاب رجال الأمن وعرباتهم وكل همهم حماية مداخل منطقة (السبعين) ودار الرئاسة، اعترضوا المسيرة وحاولوا تشتيتها ولم ينجحوا سوى في تأخيرها لتدخل في الظلام..

كانت الساعة عشراً حين قطعت المسيرة شارع تعز إلى باب اليمن ثم شارع الزبيري إلى أن وصلت ساحة التغيير.. كان الليل متأخراً رغم ذلك اشتعلت سماء صنعاء بالألعاب النارية والمفرقعات أكراماً لتعز وأبناء تعز وكل من شارك بذلك الحدث العظيم..”.

قولوا لعلي يرحل له وإلاّ والله شنطلعله

< منذر منصور الأصبحي الناطق الرسمي لمسيرة الحياة- رئيس لجنة الهتافات بساحة الحرية  تحدث عن المسيرة بقوله:

“فكرة المسيرة أتت بعد رسوخ عدد من الهتافات في اذهان الشباب مثل هتاف (قولوا لعلي يرحله.. وإلا والله شنطلعله) وغيره من الهتافات، أيضاً بعد تعرض تعز لكل أنواع القتل واحراق الساحة.. كما كانت المسيرة رافضة لفكرة المبادرة الخليجية والتي اعتبرناها “مؤامرة خليجية”..

وقد  خرجت المسيرة من تعز وبدأنا بترديد الهتافات وبدأ الشباب والشعراء بابتكار شعارات جديدة تتناسب مع كل مدينة مع كل قرية وحي وشارع تمر به المسيرة بدأت الشعارات بـ “يا صنعاء شدي حيلك.. شباب تعز واجيلك”، عندما وصلنا إب “تعز وإب يد وحدة” أثناء صعود المسيرة جبل سمارة كنا نهتف ((ما تعبناش.. ما تعبناش)) .. ((الحرية مش ببلاش)).. وبعد دخولنا يريم وكرم أبناء يريم خرجنا ونحن نردد: “قسماً بالله العظيم.. لن ننساك يا يريم” في ذمار كنا نهتف بسبب البرد الشديد: “من تعز العز جينا.. يا ذمار خفي بردك علينا” و “ما انتهينا ما انتهينا.. عاد نحنا إلا بدينا”و “وسيلة وسيلة.. أحمد علي يا ويله”.. لقد كانت مسيرة الحياة ملحمة تاريخية حاكت خيوطها تضحيات جسام قدمها الشباب من أجل بناء وطن اسمه اليمن الحبيب وستظل هذه المسيرة  في الذاكرة اليمنية إلى الأبد.

هناك مواقف عشناها إيجابية وسلبية لا يمكن أن ننساها ولعل أبرزها عندما كنا طالعين نقيل سمارة أوقف أحد السائقين سيارته  وأخرج رأسه من النافذة ليخاطب أحد شباب تعز بقوله: “اخلع نعليك يا تعزي لا قبلها” موقف أبكاني ، والموقف الثاني في إحدى الضواحي عندما كانت المسيرة بارزة تحفها الهيبة والوقار، وإذا بامرأة تهرول نحو المسيرة حاملة لافتة: “طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ونهايتها مكتوب- فتح مكة رقم (2)”.. وكان هناك كثير من النساء واقفات على الجبل يرددن النشيد ويهتفن للمسيرة.. موقف لا يمكن أن أنساه ما حييت، الموقف الأول يدل على عظمة تعز وأبناء تعز والموقف الثاني يدل على عظمة مسيرة الحياة..”

مسيرة الحياة مسيرة تاريخية بكل المقاييس

< الثائر/ محمد العريقي.. رئيس مركز شباب الثورة السلمية والمجلس الوطني لمستقل شباب الثورة السلمية، تحدث عن الذكرى قائلاً:، وكان السبب في نجاح المسيرة هو إرادة الشباب وقوة إيمانهم بالثورة والتغيير لمستقبل أفضل- (الشباب والشابات)- فلا أحد ينكر دور المرأة في نجاح المسيرة ولقد ضربت ثائرات المسيرة أروع الامثلة في التضحية والفداء والإيثار.. لقد كنا نستمد الشجاعة والقوة والصبر من أولئك الماجدات اللاتي رافقن المسيرة.. كنا نشعر بالتعب وأحياناً بالجوع والعطش والبرد فنرى النساء صامدات فيزيد ذلك من صمودنا كوننا رجالاً أكثر تحملاً وعزيمة.

جسد منهك وروح مشتعلة

< الناشطة: سهام الأديمي- تحدثت عن ذكرى المسيرة بقولها: “كانت مسيرة الحياة فكرة عبقرية وجبارة.. كانت تجسد كل معاني الثورة.. اتذكر وأنا أسير على قدمي من تعز إلى صنعاء كل الوجوه التي سارت معي وأتذكر الاصرار والحماس والثورة التي تنطلق من اعينهم وأرواحهم وأصواتهم المتعبة من البرد.. كانت لحظات جميلة ومليئة بالتآلف الثوري.. لطالما تمنيت أن تطول المسيرة رغم الألم والإرهاق الذي أصابني خلالها ورغم أن جسدي كان منهكاً إلا أن روحي كانت نشيطة متحمسة ومشتعلة لأنني كنت أقتبس من نور الثوار في المسيرة ومن وهجهم الثوري وأصوات هتافاتهم التي تصل إلى السماء.. عند كل محطة (إب- يريم- ذمار- خدار)  مزيداً من الصمود والتفاؤل بنجاح هذه المسيرة كانت الثورة تزدادزخماً وحماساً وعلواً حتى كدنا أن نقتل من شدة البرد في خدار مرة.. ومن قوات صالح مرة أخرى في دار سلم..”.

 

أبكيت عساكر صالح فقبلوا رأسي

< الشيخ/ إسماعيل مكرد السامعي: تحدث قائلاً: “أنا سميتها مسيرة العرب.. انطلقت معهم من هنا.. من الساحة بعد صلاة الفجر سيراً على الأقدام  كنت سعيداً وازدادت سعادتي عندما كنت أرى الناس ينضمون للمسيرة.. كانت المسيرة تكبر أمامي وأتخيل أن الشعب كله شارك بالخروج في مسيرة الحياة.. أغمي عليّ بسمارة واجبرونا على الركوب في بيجو.. عشر دقائق ثم نزلت لازلت اتذكر ذلك الاستقبال العظيم في (يريم).. استقبال من القلب.. استقبلونا بالألعاب النارية وكل أنواع الأكل.. تعشينا ونمنا للصبح وقمنا والأكل جاهز.. الأكل والفواكه غطت المسيرة وزاد الكثير منها، أما أصعب المواقف التي واجهتها في هذه المسيرة فهي: عندما وصلنا (خدار).. لم استطع النوم حتى ساعة بسبب البرد.. كانت أبرد ليلة في حياتي.. كنت أشاهد الشباب يجمعون القراطيس ويشعلون الحطب من أجل التدفئة وفي الصباح تحركنا إلى دار سلم.. كان الموقف رهيباً وأنا أشاهد سيل جماهير تعز تعانق سيل جماهير صنعاء.. كانت الفرحة كبيرة، ولكن بعد ذلك بدأ الاعتداء من قبل الأمن المركزي وبلاطجة النظام لإجبارنا على المرور من السبعين.. كان إطلاق النار علينا بشكل كثيف أصيب قدامي ثلاثة من الشباب وبنت من اللاتي طلعن من تعز.. كان الدم يسيل أمامي وكنت في هذه اللحظة أتمنى أن أستشهد محبة في الوطن والثورة ولكن لم يرد الله رغم إنني بقيت وسط الشارع ورفضت الهروب.. والله إن الرصاص كانت تمر من بين رجلي وتصيب ناساً آخرين.. أذكر رصاصة لامست ذراع يدي اليمنى بحرارتها رغم ذلك اخذت (حذائي) من رجلي ورفعته في وجه الضابط وصرخت في وجهه “هذا الحذاء أشرف منك ومن علي.. البلطجي حقك..” ثم اقتربت وقلت له: “أنا في سبيل الله، وأنت في سبيل الشيطان أنا أحب أن أكون أحد شهداء الثورة- واتمنى الشهادة الآن- لكن أنت سوف تموت موتة  كلب أجرب.. لأنك تعبد شخصاً وتدافع عنه أما نحن خرجنا بسلميتنا نرفع راية السلام والثورة للتخلص من الظلم والفساد..”.. ولما سمع الضابط كلامي بكى ورفع سلاحه ومنع العسكر من الرماية وأقبل نحوي ليقبل رأسي فرفضت فقبل رأسي بالقوة هو وخمسة عساكر من مرافقيه.. جروا بسرعة إلى وسط الشارع يقبلونا في دار سلم وبعدها سمحوا لنا بالسير تقريباً الساعة أربع عصراً..

زر الذهاب إلى الأعلى