أخبار وتقارير

الثورة تصالح اليمنيين المغتربين مع هويّتهم

يمنات – العرب اونلاين

لم تشعل الانتفاضات العربية الرغبة في التغيير في قلوب وعقول سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فحسب، بل كان لها تأثير كبير حتى على الجاليات في المهجر.

شيماء سيف

في حين يعيش المغتربون بعيدا عن أوطانهم فقد كانوا حاضرين بعقولهم ومشاعرهم في ساحات التحرير والتغيير في جميع أنحاء المنطقة. لقد حزنوا لفقدان الأحباء ورفعوا راياتهم في تحد ضد الأنظمة الاستبدادية وطالبوا بالحرية والعدالة والكرامة لمواطنيهم في أرض الوطن. والجالية اليمنية في بريطانيا –بقيامها بدور نشط في تنسيق العمل الدولي- هي مثال يجسد هذه الظاهرة.

لقد عكست الجالية اليمنية في المهجر تاريخيا الانقسامات والظواهر الموجودة في اليمن بما في ذلك التوتر القائم بين الجنوب والشمال وغياب النساء في أدوار القيادة في المجتمع. وتحدت الثورة اليمنية العديد من المقاييس والعادات المتأصلة وأثرت بدورها على الجالية المغتربة.

عموما كانت الثورة اليمنية قوة إيجابية لدى الجالية اليمنية، إذ وحدت قوتها وعبأتها للتفاعل مع صانعي السياسات والمسؤولين الحكوميين البريطانيين السامين من أجل تبليغ صوتها ومشاغلها وآرائها بخصوص العلاقات اليمنية البريطانية.

الانقسامات السياسية بين الأجيال

حدثت الهجرة اليمنية إلى بريطانيا خلال موجتين متباينتين. الموجة الأولى تدفقت من ميناء عدن اليمني واستأجرت البحرية التجارية البريطانية المهاجرين خلال عهد الإمبراطورية البريطانية في تسعينات القرن التاسع عشر واستقروا في المدن الساحلية مثل ليفربول وكارديف.

أما الموجة الثانية فحدثت في منتصف القرن العشرين أثناء الفورة الاقتصادية البريطانية ما بعد الحرب العالمية الثانية. وشغلت هذه الموجة من المهاجرين في مناصب عمل تتطلب مهارة وأخرى عادية كعمال في المدن الصناعية مثل برمنغهام وشفيلد وساوث شيلدس.

وتحمل هاتين المجموعتين المختلفتين من المهاجرين مواقف متباينة من العلاقات مع المملكة المتحدة. فالمجموعة الأولى كانت تنظر إلى المملكة المتحدة بمثابة الوطن الجديد، في حين رأت المجموعة الثانية البلد المضيف وسيلة لبلوغ الهدف في انتظار العودة في نهاية المطاف إلى أرض الوطن.

كما كانت هناك فروق واضحة بين الأجيال في كيفية تمثل أفراد الجالية اليمنية في المهجر للهوية اليمنية. ففي حين كان للأجيال الأولى فهما معمقا للتقاليد اليمنية، تربط الأجيال اللاحقة علاقة ضعيفة بثقافتها تتمركز في الغالب حول الطعام ووظائف المجموعة.

في إحدى المقابلات لاحظ أحد قادة الجالية في ليفربول أنه في بداية الثورة كانت هذه الفروق في المواقف جلية، إذ قال: "جاءت الثورة كصدمة شاملة للجيل الكبير. كانوا أقل شجاعة وأكثر حذرا وكان أملهم أضعف".

وكانت ردود الفعل من قبل اليمنيين البريطانيين من الشباب مختلفة تماما؛ فاعتمادا على طاقة الثورة وزخمها بدأ شباب الجالية في بريطانيا بتنظيم وتنسيق حملات ومظاهرات في المملكة المتحدة تضامنا مع المحتجين اليمنيين.

وفي الوقت نفسه عانى الجيل الثاني من محدودية فهمه للسياسة اليمنية إذ لاحظ أحد النشطاء الشبان أن معظم معرفته بالمشهد السياسي اليمني جاء عبر المناقشات والجدال بين الكبار في الملتقيات الاجتماعية. جيل الشباب لم يتم استدعاؤه أبدا لهذه المناقشات. ومثلما لاحظ الناشط الشاب بقوله: "يمضغ الرجال القات ويتحدثون عن السياسة متصورين أنفسهم تشي غيفارا".

وفي هذه التجربة تقاسم شباب الجالية المغتربة رباطا مشتركا مع النشطاء داخل اليمن –إذ كان على كل مجموعة تجاوز احتكار الجيل الأكبر النخبوي للشؤون السياسية عبر التعبئة والتنسيق الفعال.

ومن خلال العمل على مساندة الثورة اليمنية وجد شباب المهجر شعورا جديدا يربطهم بإرثهم اليمني. وعبّر ناشط شاب من الجالية في مدينة شفيلد على هذا التحول في الموقف بقوله: "لاحظت أنه ما إن بدأت الثورة وذاق اليمنيون الكفاح الذي خلقوه بأنفسهم ولأنفسهم لن يستسلموا لأي شيء أقل مما كانوا يدعون إليه. لا يمكنهم العودة إلى الطريقة التي كانوا يعيشون بها…وعند هذه النقطة عرفت أنه من واجبي مساندتهم".

وبينما بدأ التزام النشطاء الشبان في المهجر مع بداية الانتفاضة، فقد تواصل وزادته الأزمة الإنسانية في اليمن قوة. بيد أن المجهود للفت الأنظار للأزمة زادت في تعقيدها صورة اليمن كأرض خصبة للإرهاب.

بالنسبة إلى كثير من شباب الجالية تمركز الدفع من أجل الحصول على المساعدات الإنسانية حول تخطي الوصمة التي تحيط باليمن. وعبر حملات مثل 'المساعدات البريطانية لليمن' اجتهد الناشطون لتغيير النظرة للبلد من تلك المركزة على الأمن إلى نظرة تتمحور حول المساعدات والتنمية.

وتدعيما لهذه القضية تم تنظيم ملتقيات لجمع التبرعات في كامل أنحاء البلد مصحوبة بالدعاية الوطنية. وبالرغم من أنه ما زال هناك عمل كبير يجب فعله لتغيير الرواية السائدة حول البلد، تضاعفت المساعدات الإنسانية لليمن من 27 مليون جنيه إسترليني في سنة 2011 إلى أكثر من 55 مليون جنيه في سنة 2012.

تمكين المرأة اليمنية في الغربة

لقد سلطت الثورة اليمنية الضوء على دور المرأة في المجتمع اليمني، فلم تعد تتوارى في الخلفية بل أصبحت متمكنة من قيادة المبادرات وتنسيق النشاط المحلي.

في الماضي كان هناك نقص واضح في الزعامة والتمثيل النسائي في الجالية اليمنية البريطانية. وتعكس قيادة جمعية الجالية اليمنية –وهي جمعية تعمل على خدمة الجالية- هذا المشكل، إذ أن معظم فروعها في كامل أرجاء بريطانيا ما زالت هيئاتها حكرا على الرجال فقط.

وكانت الثورة بالنسبة لكثيرات من النساء في المملكة المتحدة نقطة تحول. وعبرت عن ذلك امرأة عضو في الجالية في برمنغهام بقولها: "عندما رأيت النساء في الخط الأمامي في اليمن يتظاهرن ويرمين بالرصاص وحتى أنهن يقتلن، تساءلت ماذا كنت أفعل لتقديم المساعدة من هنا وماذا كنت أفعل لمساعدة الجالية التي أنتمي إليها".

وباتخاذ الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان قدوة، تعلمت نساء الجالية كيف يصبحن أكثر التزاما وانشغالا بمجتمعهن القريب منهن. وبالنسبة إلى عديد النساء اتخذ ذلك شكل الدعاية للمساواة بين الجنسين داخل مجتمعاتهن المحلية.

تعبئة الجالية في المهجر من أجل اليمن

لاحظ ناشط شاب في ليفربول أن الجالية اليمنية في المملكة المتحدة بعد أن كانت في الماضي مشتتة سياسيا وجغرافيا اتحدت للعمل من أجل أهداف مشتركة. ويقول "هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يقدر أحد أن ينزعه منا".

وظهرت شبكة وطنية مترابطة من النشطاء، فما بدأ في شكل مجموعة من الروابط غير الرسمية تحول الآن إلى منظمات وجمعيات خيرية مثل 'منتدى اليمن للإغاثة والتنمية' و'منظمة اليمن للمستقبل الزاهر'.

لقد ساهمت عودة الهوية اليمنية وظهور الشباب الناشط سياسيا في الجاليات اليمنية في بريطانيا مساهمة فعالة في تعبئة الجالية اليمنية في المملكة المتحدة للعب دور أكثر إصرارا وبصوت مسموع في إحداث التغيير لليمن. وتعتبر الجالية اليمنية في المملكة المتحدة بفضل رأسمالها السياسي والتعليمي والاجتماعي من أفضل الثروات لدى اليمن.

ولهذه الأسباب من المهم البحث عن طرق يمكن بفضلها أن تشارك الجالية المغتربة في الحوار الوطني اليمني القادم، وهو مبادرة لمناقشة التنمية المستقبلية للبلد ويضم ممثلين من جميع قطاعات المجتمع اليمني بما في ذلك المجموعات التي كانت مهمشة سابقا.

تسببت الثورة اليمنية في انبعاث جديد للهوية اليمنية بين أفراد الجالية المغتربة وهو ما أدى إلى تمكين وتعبئة الشباب والنساء للنشاط والقيادة. وبالرغم من الانقسامات والتوترات المترسخة داخل الجالية، طرحت الخلافات جانبا من أجل مساندة الثورة. لقد دفع الشعور العارم بالمسؤولية والواجب نحو الوطن إلى تحريك مجموعة كانت سلبية سياسيا لضمان أن تكون اليمن أولوية على جدول أعمال المملكة المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى