إجتماعية

رجــــــــــــاء فقدت وحيدها في ساحــــات الغــــــــرام

المستقلة خاص ليمنات

وجد نفسه غريباً في هذه الدنيا وحيداً يواجه أهوالها ومآسيها دون معين أو مرشد فمنصور الذي صار يبلغ من العمر 16 عاماً لم يذق طعم الطفولة ولم يتمتع بها مثل أقرانه من الأطفال فلقد لقي نفسه بين أب مستهتر بالحياة وقيمها مهدراً كل وقته في إرضاء متعه ونزواته وأم ثرية مغرورة تجردت من الأمومة وتقضي وقتها في الملذات ولا يوجد أي توافق نفسي بين أم منصور ووالده فلقد كانت الخلافات المستمرة والصراخ والشتائم هي وسيلة التفاهم الوحيدة بينهما.

الطفل منصور وجد نفسه يعيش على هامش الحياة وكل يوم يتعرض للضرب والشتم والتحقير من زوج والدته فيما الأم تعيش في عالمها الخاص مثل زوجها الذي كان له عالمه أيضاً.

 وفي ظل تلك العلاقة المفككة بين الأبوين  حافظت رجاء على السمة الخارجية لتلك العلاقة بحكم صلة القربى التي تربطها بزوجها وكذلك من أجل المصلحة وخوفاً من انقطاع الدعم المالي الكبير الذي يقدمه والدها والذي هو في نفس الوقت خال زوجها والد منصور  وقد كان حريصاً على الحفاظ على ذلك المنزل  ونواة الأسرة الجديدة  التي كان يعتبرها امتداداً له.

على مدى سبع سنوات  نسجت أم منصور  الكثير من الصداقات والعلاقات الغرامية التي كان آخرها مع صديق زوجها الذي استطاع أن يستحوذ على قلبها ويجعلها أسيرة في غرامه حد الجنون وهو ما جعلها تسارع إلى طلب الطلاق مباشرة بعد وفاة والدها، وقد استجاب زوجها لطلبها مباشرة لكنه رفض استلام ابنه منصور ولم تكد تمر سنتان من طلاقها إلا وهي تنثر الأفراح وتحيي الليالي الملاح استعداداً للزواج من عشيقها وفارس غرامها الذي اشترطت عليه العيش في منزلها الواسع الذي ورثته عن والدها وفي مراسيم خرافية مقارنة بواقعنا التي دفعت تكاليفها رجاء زفت على الحبيب الجديد والعشيق السابق، لتبدأ حياتها الجديدة التي لم تتغير كثيراً عن السابق ولكنها انعكست سلباً على حياة منصور الذي أخذ يقف على أعتاب السنة الثانية عشرة من عمره، فلقد اشتدت الضغوط على الطفل منصور من قبل زوج أمه وانعكس ذلك على مستواه الدراسي وكان عندما يلجأ إلى امه مشتكياً بزوجها يلاقي رداً قاسياً وتعنيفاً وتقول له عليك باحترام عمك فهو بمقام والدك، وتكتفي بذلك دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن حقيقة وضع طفلها البائس الذي أضحى يعاني الأمرين عناء الاغتراب في منزله وعناء اضطهاد زوج أمه الذي يعتبر منصور الخصم اللدود والمنافس القوي على ثروة رجاء التي يريد أن يستولي عليها بأي وسيلة كانت وفي مقدمة ذلك التخلص من الطفل منصور..

ومع قسوة المعاملة وازدياد الضغوط التي واجهها منصور لم يجد من حل سوى الهروب من منزل والدته إلى منزل والده لكن الملجأ كان أشد وقعاً على الطفل الذي اصطدم بعدم قبول والده له فقد هدده بالضرب المبرح إذا لم يعد إلى منزل والدته، رغم بكاء الطفل الشديد وتوسله لوالده بأن يبقيه بجانبه كونه لم يعد يستطيع العيش مع زوج والدته لكن الأب كان مجرداً من المشاعر فاقداً لعواطف الأبوة وطرد فلذة كبده شر طردة.

لم يجد منصور  من مخرج سوى العودة إلى منزل والدته التي قابلته  بالضرب والتهديد بحرمانه من المصاريف اليومية، مر أكثر من عام ونصف على الطفل منصور الذي أضحى كالمشرد وهو في منزل أمه الضخم، أضطر منصور إلى الفرار من المنزل والتجأ إلى شخص كانت تربطه بوالد أمه علاقة قديمة حيث احتضن ذلك الشخص منصور ووعده أن يعالج أوضاعه، وقد وفى فيما وعد به  حيث وجد له عملاً في منزل شخص مسؤول كان يعيش في نفس الحي..

أبلغ ذلك الشخص والدته التي كانت تبحث بمرارة عن مكان منصور وحاول إقناعها أن تتركه لفترة حتى يعود من نفسه لكن والدة منصور ذهبت إليه وحاولت إقناعه بالعودة فرفض العودة رفضاً شديداً  في ظل تواجد زوجها، عادت رجاء والدة منصور خائبة من عودة ولدها الذي كانت سبباً رئيسياً في فقدانه فبدأت تسترجع تاريخ حياتها المبدد في ساحات المتعة والأهواء.

أخذت علاقتها تسوء شيئاً فشيئاً مع زوجها الذي كان قد استولى على معظم أموالها بل لم يكتف بذلك فأحياناً كان يقوم بالاعتداء عليها بالضرب وتوجيه أبشع الشتائم والاتهامات لها ولم تمر  سنة وستة أشهر على رجاء حتى وجدت نفسها خالية الوفاض من معظم الثروة التي ورثتها عن والدها وأمام هذه الصدمة التي كانت رجاء لم تتوقعها يوماً ما كان لها خيار واحد وهو أن تطلب الطلاق بعد أن قطعت على نفسها وعداً بأنها ستكرس بقية حياتها من أجل طفلها منصور الذي تجرع كاسات البؤس وعلقم المرارة ولم يذق طعم الحنان الأمومي.. استطاعت أن تحصل رجاء على الطلاق بعد عناء كبير وتتخلص من ذلك الزوج الذي أحرمها من طفلها والتي أضحت بحاجة إليه أشد من السابق لكن الوقت كان قد انقضى والندم لم يعد مجدياً فلقد أودع منصور وراء القضبان على خلفية ملابسات جريمة قتل فيها واحد من أبناء ذلك المسؤول الذي يعمل عنده منصور وقد وجهت الاتهامات إلى منصور بأنه خلف تلك الجريمة رغم إنكار منصور الشديد علاقته بها سقطت والدة منصور مغشياً عليها إثر سماعها نبأ الجريمة  تلك واتهام منصور بها.. صرخت ذرفت دموعاً كثيرة وطرقت الأبواب لعلها تجد مخرجاً أو حلاً ينقذ، وحيدها منصور ولكن كل جهودها اخفقت لأن معظم القرائن والأدلة تشير إلى منصور بأنه المتهم الوحيد في هذه الجريمة التي لا ناقة له فيها ولا جمل سوى أنه كان أول شخص يشاهد جثة القتيل، وكذلك إصرار والد القتيل على أن منصور هو القاتل جرت التحقيقات ومنصور منكر علاقته بتلك الجريمة حيث تم إحالة أوراق ملفه إلى المحكمة وفي جلسة محاكمته الأخيرة وقبل أن يصدر القاضي الحكم على منصور تفاجأ الجميع باستئذان ذلك الشخص الذي كان قد أحتوى منصور أثناء هروبه من المنزل وتوسط له عند والد القتيل للعمل، ليعترف بأنه هو من قام بجريمة القتل والسبب في ذلك يعود إلى اكتشافه علاقة غير شرعية بين القتيل وزوجته وقال لقد خططت للجريمة بدقة لكي يكون الضحية شخصاً آخر.. ولكن ضميري لم يطاوعني على أن يقتل شخص برئ ليس له أية علاقة في هذه الجريمة ، فخرج منصور من السجن ولكن بعد أن أصبح مصاباً بحالة نفسية كبيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى