فضاء حر

المجتمع الدولي سيرسم الخارطة السياسية لليمن بعد أن تفشل القوى السياسية في تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار

يمنات

إن الفشل الكبير للقيادة اليمنية في تحويل وحدة الـ22 من مايو1990م من حالتها العاطفية الشعبوية إلي مشروع سياسي نخبوي نهضوي يؤسس لقيام دولة يمنية جديدة موحدة تتكلم لغة العصر الحديث ويشارك في بناء مشروعها السياسي جميع المواطنين ويتساوون فيها كل مواطنيها.

تلك كانت هي الفرصـة الذهبية للقيادة السياسية لتستثمر ذلك الزخم الشعبوي ليشارك هو في صنع وتنفيذ المشروع السياسي النخبوي لبناء الدولة المدنية اليمنية الحديثة.

ومع الغياب الكامل لهذه الرؤية في مشروع سياسي نخبوي لدى القيادة السياسية الممثلة للشمال, بل لربما كان لدى هذه القيادة مشروع آخر استحواذي مدمر لكل الأمال في بناء دولة مدنية جديدة تلبي طموحات مواطنيها في ممارسة حرياتهم المكفولة انسانيا وتحقق لهم العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية, وهذا ما شاهدناه فعليا منذ اليوم الأول لإعلان قيام دولة الوحدة.

لنتذكر الاحتفال الجماهيري الكبير الذي اقيم في مدينة عدن مساء يوم الـ22م مايو 1990م على ملعب الشهيد الحبيشي وحضره الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعدد كبير من القيادات الشمالية والجنوبية وقد صاحب ذلك الكرنفال انتشار عسكري كبير جدا وغير مسبوق عند أبناء عدن على مستوى الاحياء السكنية والحواري الصغيرة وفي كل الشوارع العامة.

لنتذكر معا الرئيس السابق صالح الذي كان يرتدي الزي الشعبي ويلبس المعوز (المقطب) ويتأبط أو يحتـزم وسطه الجنبية !!!!

 من هنا نستطيع القول أن المولود الجديد للدولة المدنية الحديثة دولة الوحدة نراها وقد قتلت في لحظة ولادتها من قبل من يدعي أو يزعم أنه هـو صاحبها وصانعها!!! . كيف ؟.

لقد كان معلوم لدى الجميع أن قوانين وسلوك المحافظات الجنوبية تمنع حمل السلاح بكل أنواعه, السلاح الناري أو السلاح الأبيض .

وهذا ما تربى عليه المواطن سلوكا وممارسة هناك, وهذا ما قالت به اتفاقيات وقوانين دولة الوحدة نفسها.

عندما حضر الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى مكان الاحتفال الجماهيري الكبير في ملعب الحبيشي الذي نقله التلفزيون في بث مباشر على القناتين عدن وقناة صنعاء وهو يلبس الجنبية. فهو ومن تلك اللحظة وبتلك الصورة قد أعلن عمليا عن إلغاء القوانين المدنية الجنوبية وانه أيضا قد ألغى معها السلوك المدني المعاش وألغى الثقافة الحضارية للمواطنين الجنوبيين.

ونتذكر تلك اللحظات لذلك اليوم التاريخي الذي رأينا فيها الرجال القادمين من الشمال من عسكريين ومدنيين وجميعهم يحملون الأسلحة النارية المتنوعة, منها البندقية ومنها المسدسات أو القطعتين من الأسلحة النارية معا وبجانبها السلاح الأبيض (الجنبية) يمرحون في شوارع مدينة عدن.

ولن اكرر القول في الأشياء المعروفة الأخرى التي تلت يوم إعلان قيام دولة الوحدة وذلك المخاض السياسي البليد الذي أصاب جسد الدولة الوليدة وصولا إلي إعلان الحرب واندلاع المعارك المسلحة رسميا في صيف عام 1994م وما صاحبها إعلاميا من تغرير وكذب وتدليس وتخوين وتشويه للتاريخ النضالي الوطني الموجه ضد القيادات التاريخية السياسية الجنوبية والعمل على إذكاء جروح قد اندملت والي غرس الفرقة الطائفية والمناطقية والتحريض على الثارات في كل مناطق الجنوب والتحريض الممنهج في الخطاب الديني العدواني ضد الجنوب وضد القيادات الجنوبية ورموزها التاريخية أيضا.

 

الحراك السلمي الجنوبي من حراك مطلبي الي البحث عن الهوية الجنوبية:

كان الحراك الجنوبي السلمي المطلبي الذي تم الإعلان عن قيامه رسميا في العام 2007 رسميا, فبادرتهم القيادة العليا برفض الاستجابة لمطالب المدنيين والعسكريين وعدم معالجة مظالمهم بل إنها قد خونتهم وأنكرت عليهم انتمائهم لوطنهم، وبدلا من المعالجة عملت القيادة العليا للدولة على إنكار وجود هذا الحراك المطلبي, ثم تطور الأمر إلي أن تصفهم وتسميهم بالمخربين والعملاء وبالانفصاليين وتوصفهم بأنهم يحملون أجندات أجنبية وبأنهم مرتزقة يتسلمون مبالغ مالية من الخارج من اجل زعزعة الأمن والاستقرار للوطن.

أي سلطة هذه وأي نظام سياسي هذا الذي يخون مواطنيه ويوصف شعبه بأقبح العبارات !!!!؟.

الجنوب اتجاه في الجغرافيا أم انه اتجاه في السياسة !!!؟.

ومع انعدام المشرع السياسي النخبوي والفكر القيادي لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة ومع بقاء نظرة القيادة السياسية للجنوب كاتجاه في الجغرافيا يهتم لها ساكنيها فقط وليس كاتجاه في السياسة يتفاعل معها جميع المواطنين في الشمال والجنوب والشرق والغرب، برز دور الحراك السلمي الجنوبي أكثر فأكثر وحظي بتأييد ودعم شعبي كبير في كل المحافظات الجنوبية.

تبنى الحراك قضية سياسية كبيرة وجديدة تمثلت في مطالبته لاستعادة هويته الوطنية والتاريخية الذي حاول النظام الحاكم طمسها نهائيا وفرض هوية الجزء الشمالي عنوة على المناطق الجنوبية، وبتأييد جماهيري كبير للحراك الجنوبي من أبناء الشمال وصولا إلي اندلاع الثورة الشبابية الشعبية السلمية لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة في الـ11 من فبراير 2011م، فكانت المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ووصاية الأمم المتحدة.

يرى المجتمع الدولي أن الضمان الأفضل لإبقاء مصالحه الإستراتيجية واستمرارها في ظل وجود دولة يمنية موحدة, في ظل دولة مدنية ديمقراطية حديثة, تتناغم مع لغات العصر ومتطلباته وتتعامل بها فعليا وتمارسها سلوكا عمليا.

ينعقد في هذه الفترة مؤتمر الحوار الوطني الشامل استجابة لبنود الاتفاقية الخليجية والياتها التنفيذية, إننا نرى في هذا المؤتمر شبه إجماع على إلغاء نظام السلطة المركزية للدولة, وهناك رؤى ومشاريع كثيرة لشكل الدولة اليمنية المنشودة, منها الفيدرالية الاتحادية ومنها الأقاليم بصلاحيات كاملة وغيرها من الأنظمة والأشكال الدولية القائمة.

وهناك رؤية للأخذ من عينات وتجارب مختلفة من كل نظام حكم فيدرالي من دول العالم تتجانس مع ما يتناسب وخصائص اليمن وطموحات شعبه وبمباركة وبتأييد من المجتمع الدولي الراعي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل.

وهناك أيضا مشاريع سياسية أخرى لطريقة نظام الحكم الجديد تدور ما بين رؤية لنظام برلماني وأخرى للنظام رئاسي.

والشيء الأكيد في كل تلك المشاريع أن الاتجاه يسير إلي إلغاء نظام الحكم المركزي والى إقامة النظام الفيدرالي بمكونات كنتونات اتحادية جديدة قد يكون عددها خمسة أقاليم أو سبعة أقاليم فيدرالية..

إن المجتمع الدولي والدول الراعية للمبادرة الخليجية ولمؤتمر الحوار الوطني الشامل سوف تدعم وبقوة كبيرة في الوصول إلي هذا التقسيم الجديد وسوف تساعد كثيرا في إرساء تجربة نظام الحكم الجديد الذي تبقي المكونات الفيدرالية الجديدة جميعا تعيش تحت سقف الدولة اليمنية الاتحادية الجديدة.

ومن المؤكد أن هذه الدول سوف تراقب كل التفاصيل في عملية تسيير نظام الأداء للمكونات الجديدة وأنها سوف تساعد كل فيدرالية على حدة عمليا وعلميا لتتمكن من إدارة شئونها المحلية بالأسلوب المدني المنشود.

عند الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني الشامل وبعد الاتفاق على مخرجاته الذي سوف يرسم التفاصيل المطلوبة دستوريا لقيام الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والذي سوف يتحدد به شكل الدولة والطريقة لنظام الحكم فيها، وخلال سنوات محددة لا تزيد عن الخمس سنيين، يرى الكثير من المراقبين, أن دولة النظام والقانون دولة المواطنة المتساوية سوف تتعثر منذ الوهلة الأولى لقيامها, لأنها سوف تصطدم عمليا مع المصالح التاريخية الخاصة للبعض من القيادات العسكرية والقيادات القبلية والرموز الدينية.

هذا التناقض المصلحي الشخصي والمدني العام سوف تصاحبه منغصات ونعرات علنية كثيرة, مثل الطائفية والمذهبية والمناطقية وغيرها.

هذه النعرات الفئوية المخطط لها والمبرمجة أهدافها سـوف تجر البلاد داخليا إلى الاحتراب والاقتتال المسلح.

وسيكون اقلها ضررا هو اللجوء الى ضربات الترجيح كما يسمونها في لعبة كرة القدم، وبمباركة وتأييد دولي وإقليمي غير معلن، وتحت غطاء تلك النعرات والمسميات المعلنة المقيتة، وللحفاظ على مصالحه الإستراتيجية سوف يكون للمجتمع الدولي وجود مباشر ورؤية معلنة, رؤية سياسية تنفيذية وترسم الخريطة السياسية الجديدة وتحدد بها الشأن اليمني.

رؤية مغايرة لما نراه نحن أو لما يراه ذلكم الصقور القبلية المتصارعة في نظرتهم المصلحية الأنية القاصرة في التقدير وفي النتائج.

إن تحقيق ما يريده المجتمع الدولي ليضمن استمرار مصلحته الإستراتيجية البعيدة في هذا الجزء من العالم المسيطر على أهم الممرات البحرية سوف يحققه على ارض الواقع بشتى الوسائل.

ومن المؤكد أن هناك رغبه قوية لدى المجتمع الدولي في التعامل مع دولة مدنية يمنية ومع مجتمع مدني يمني يستوعب المتغيرات الدولية ويتعامل مع مصالح شعبه أولا وأن تحفظ للمجتمع الدولي مصالحه أيضا.

وكما أسلفنا سابقا وبسبب الحروب الداخلية القبلية والمذهبية أو الطائفية عندها سوف تتدخل الدول المؤثرة، وسوف تعمل الدول العظمى على تنفيذ شكل الخريطة السياسية والجغرافية أيضا، وستشارك في توحيد البعض من الأقاليم الفيدرالية المتجانسة ثقافيا والمتوحدة مذهبيا والمتقاربة تاريخيا المتمازجة في الثقافة الحضارية والسلوكية، وستجعلهم في كيان سياسي واحد.

وهو ما سيبقي الباب مفتوحا للأقاليم الأخرى التي ترغب في الانضمام فعليا في المستقبل، بعد أن تتأهل و تحقق الاشتراطات المطلوبة لكي تنضم إلى الأقاليم الاتحادية تحت شكل الدولة الاتحادية، ووفق مصفوفة اشتراطات مدنية يشترطها النظام العالمي وتؤيدها تلك الأقاليم الاتحادية.

سيعمل المجتمع الدولي على جعل بقية الأقاليم التي يرى فيها الصعوبة أو الاستحالة في ترويضها في الوقت الحاضر أو في تمدنها سلوكا على المستوى المنظور، بسبب عنجهية شيوخها التقليديين وبسبب نعرات نقباؤهم القبليين وتبعية الفرد منهم لقبيلته.

وكالتزام أخلاقي للمجتمع الدولي فانه سوف يعمل على دمج تلك الأقاليم القبلية في كيان موحد وسوف يقدم لها الدعم السخي لبقائها مع بعضها البعض وبمباركة قادتها التقليديين.

إن الدول الكبرى ستلتزم بضمان استمرارية تفق الموارد المالية الدائمة الشهرية والسنوية اللازمة لمعيشة هذه الأقاليم، وستتدفق هذه الموارد المالية وستضخ مباشرة من دول الجوار النفطية وتحديدا من المملكة العربية السعودية..

إن تلك الموارد المالية ستأتي مباشرة لهذه الأقاليم عبر زعاماتهم التقليديين ومن خلال نقباء القبائل وشيوخهم.

و لربما يقوم المجتمع الدولي على ضم الأقاليم القبلية لتكون تحت لواء المملكة العربية السعودية, هذا الضم هو من الناحية المالية فقط وليس من الناحية السياسية أو الجغرافية, وسوف تبقى إلي أن تتأهل و تقتنع بالعيش وبالتعامل وفق النظام والقانون وتحتكم للدستور وأن تمارس السلوك المدني الجديد لبناء الوطن.

المدير التنفيذي لمنظمة مدينة المعرفة

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى