حوارات

عادل المقطري.. سجين الدولتين.. طيار يعمل في مطعم

المستقلة خاص ليمنات

عادل عبدالعزيز أحمد المقطري- 52 عاماً- من مواليد قرية- القاعدة.. المقاطرة.. قضى عادل طفولته المبكرة في قريته الصغيرة وكغيره من أبناء القرية عندما بلغ السابعة من عمره التحق بمدرسة القرية وما هي إلا ثلاث سنوات حتى غادر القرية؛ بمساعدة خاله، ليذهب للعمل والدراسة في الحديدة بعد أن زاد حجم الأسرة.

أكمل عادل دراسته الابتدائية- في الحديدة- ثم التحق بالجوية، ورغم قبوله أصر على مواصلة دراسته وهو في الجوية فكان ذلك أول مؤشر اجتهاده ورغبته في مواصلة دراسته- في نهاية السبعينات- تم ترشيحه من قبل لجنة أختبارات  للدراسة في الاتحاد السوفيتي.

في عام 1980م غادر عادل المقطري الوطن متجهاً الى الاتحاد السوفيتي وهو يحلم بأن يصبح طياراً يخدم هذا الوطن الذي كان حبه يجري في دمه وشرايينه.. نعم لقد تحمل عادل مرارة السفر والغربة تاركاً أبيه وأمه وأخوانه التسعة بكل رضى في سبيل خدمة الوطن.. كان يحلم باللحظة التي سوف يحلق في السماء يحرس حدود الوطن،، إلا أن تلك اللحظة سرقت منه بعد تزفيره أو اعتقاله ليعود إلى سجن الوطن وليبقى تحت التعذيب- في سجون صنعاء- عقب تخلص النظام السابق من مجموعة من الطيارين من أبناء المقاطرة الحجرية تارة بحجة أنهم كانوا يخططون بالانقلاب ضد الرئيس، وتارة أخرى  كان يتهمهم بانتمائهم للجبهة الوطنية في بداية الثمانينات.

في 1983م خرج الكابتن عادل- وغيره من المسجونين العسكريين-  من السجن، ولكن بشرط مغادرة السلك العسكري مالم فسوف لن يرون الشمس الأمر الذي دفع الطيار عادل للهجرة إلى السعودية ليعمل هناك في مطعم بعد أن كان طياراً..

عمل عادل في الغربة لمدة سنتان، وبسبب ظلم الشمال، قرر العودة إلى جنوب الوطن وكله ثقة بأنه سيستقبل بالاحضان، ولم يمض عام حتى زفوه إلى سجن حضرموت ثم إلى سجن عدن وليبقى هناك شهور تحت التعذيب قبل تزفيره لقريته عبر طور الباحة بعد أن أصبح مختل عقلياً بسبب نظام دولتين  في شمال وجنوب اليمن، وما الكابتن عادل إلا حالة من عشرات بل مئات الحالات التي تم سحقها بين فكي النظامين آنذاك،، فهل كان الكابتن طيار عادل يستحق كل ذلك الظلم؟!..

لا أطيل وإلى الحوار لمعرفة بقية المأساة..

> لقاء/ أمين راجح

من سوء حظي أني من مواليد المقاطرة وليس من سنحان

> أين درس الكابتن عادل دراسته الأولية؟

درست في  القرية ثلاث سنوات ثم انتقلت إلى الحديدة وعمري تقريباً عشر سنوات وجمعت بين العمل ومواصلة الدراسة، وهناك شجعني خالي أمين راوح شمسان للدخول في الدفاع الجوي والتحقت بالجوية وواصلت الدراسة وأنا عسكري وأكملت الاعدادية وأنا بالجوية تقريباً نهاية السبعينيات.

في تلك الفترة وصلت لجنة أختبار لترشيح مجموعة دفعة طيارين للدراسة في الاتحاد السوفيتي، وبحكم أني كنت، مهتم بدراستي وذكي حصلت على الترتيب الثاني على مستوى الدفعة فتم اختياري للدراسة في الاتحاد السوفيتي آنذاك..

> من تذكر من زملاء دفعتك؟

أذكر واحد قدسي اسمه عبدالوهاب بشر استشهد بالحديدة أثناء التدريب فيما بعد، عبدالله قاسم الجنيد الآن قائد كلية الطيران بصنعاء.

> متى كان سفركم للاتحاد السوفيتي..

عام 1980، بعد أن أكملت الاعدادية كان عمري 19 سنة تقريباً.. كنا سعداء لأننا سنسافر إلى الاتحاد السوفيتي لدراسة الطيران وكان هذا يعتبر شيء كبير في ذلك الوقت.. غادرنا المطار ونحن لا نريد أن نفارق الوطن والأهل، ولكن كنا نتخيل اللحظة التي سنعود فيها إلى الوطن ونحن نحمل مؤهلات الطيران لنجوم الوطن.. تحملنا كل المتاعب والسهر من أجل الوطن، وكنا ننتظر اللحظة التي نقدم فيها دمائنا وأرواحنا لخدمة الوطن، ولكن قتلت تلك الأمنية ولم تأتي تلك اللحظة.

> لماذا يا ترى؟

 كنت على وشك التخرج ولم يبق لي إلاّ آخر برنامج سأنفذه- برنامج مدته مائة ساعة طيران- بُلِّغت من قبل قائد المجموعة والملحق العسكري ( القديمي) بضرورة تزفيري وعودتي من الاتحاد.. قالوا لي أنت لا تصلح للطيران وشتم من أرسلنا للدراسة في الاتحاد السوفيتي.

> هل كنت ضعيف في الدراسة؟

بالعكس كنت في المقدمة.. كانت درجاتي كلها امتياز.. خمسة من خمسة، أو أربعة ونصف من خمسة طبقاً لتقدير الدرجات هناك ورغم ذلك أوقفت عن مواصلة التخرج واعادوني اجبارياً إلى الوطن، وكان باقي لي آخر برنامج وقد نفذت فيه مائة ساعة طيران.

> أعادوك اجبارياً إلى الوطن أم إلى السجن؟

هم أذكياء لم يعتقلونا فوراً من سلم الطائرة في المطار، ولكن، بعد أن وصلت صنعاء أردت أن أعرف سبب تزفيري، فأبلغونا بالتوجه إلى تعز لإكمال برنامج الطيران الأخير المتبقي لنيل الشهادة الذي رفضوا أن أكمله في الاتحاد السوفيتي بحجة أننا لا أصلح للطيران، وطلبوا مني أن أكمل البرنامج في تعز، وكأني لا أصلح للطيران إلا في تعز.

> وهل توجهت إلى تعز حسب طلبهم، ومن أشرف عليك في تعز؟

توجهت من صنعاء إلى تعز وبعد تقديم بعض الأوراق والوثائق التي كانت معي والتي تثبت أننا على وشك التخرج للمدرب الروسي المشرف على التدريب قام المدرب باختياري في الطيران وطرت إلى المخاء وعدت إلى المطار بكل نجاح وحينها اتفاجأ الخبير وقال باللهجة الروسية: “حرام..” أي حرام منعي من إكمال تخرجي في الاتحاد السوفيتي.

> ماذا بالنسبة للبرنامج المتبقي هل اكملته في تعز؟

حدد لي المشرف الروسي المدة التي …. أنفذ فيها البرنامج (89 طلعة)- أي 89 ساعة طيران- خلال شهرين، وأنجزت ذلك بكل نجاح ولم يبق لي سوى ساعات حتى استكمل ما هو مطلوب مني لنيل الشهادة لكنني تفاجئت باعتقالي دون سبب.

> كيف تم اعتقالك بالضبط؟

بينما كنت في القاعدة الحربية أمارس مهامي التدريبية تفاجأت بقدوم أشخاص من الأمن السياسي والاستخبارات العسكرية- أخذونا صنعاء- إلى السجن- واعتقلوني هناك بالقرب من التحرير..  الأمن الوطني القديم.

> هل قاموا بتعذيبك وأنت معتقل في السجن ومع من كنت مسجوناً؟

سجنت في غرفة انفرادية وكانوا عندما يستدعونا للتحقيق يأخذوني إلى غرفة وبعدما أصل يربطون على عيناي، ويأتي واحد يحقق معي لا أعرفه ولا أعرف صوته وبين الحين والآخر كان يصاحب التحقيق تعذيب وخبط ولطم وإهانات لأسباب مجهولة ولم أكن أعرف ما هي التهمة والجريمة التي قمت بها وبعد التحقيق ينزعوا الرباط ويعيدوني إلى المكان المخصص لاحتجازي.

> كم استمرت فترة الاعتقال؟

كان ممكن تستمر سنوات، ولكن ومن حسن الحظ تم الافراج عني وكثير من المساجين وبعد ثلاثة أشهر في رمضان 1983م عندما قام الرئيس علي عبدالله صالح بترشيح نفسه للرئاسة وأصدر بتلك المناسبة إعفاء عن بعض المسجونين والمعتقلين.. أخرجونا بعد توثيقنا بالصور وبصمونا على أوراق وسرحوا كل المعتقلين والعسكريين من الجيش وفصلونا من وحداتنا ومن يرفض سيبقى في السجن وحذرونا.. قالوا لي “لو رجعت إلى السلك العسكري ما باتشوف الشمس” ففضلت الخروج رغم فقدان الوظيفة،  خرجت من السجن فأحسست أن الوطن أضيق من فتحة الأبرة ولا يتسع لي وعزمت الخروج وفضلت الهجرة خارج الوطن للبحث عن عمل في السعودية أصابنا الإحباط بعد أن رأيت الأوضاع داخل الوطن تسير بالمقلوب.

> هل سافرت السعودية وقدمت وثائقك للعمل كطيار حربي؟

أنا سافرت السعودية بنية العمل.. كنت مستعد أشتغل أي حاجة لكي أجمع بعض الفلوس وأتزوج وأساعد أسرتي، وبالفعل بقيت في المهجر أكثر من سنتين أشتغلت فيها عامل.. كنت طياراً ولكني أشتغلت كولي.. ثم تبع سباك.. تبع بناي و.. و.. ثم عملت  في مطعم.

> لماذا لم تشتغل داخل الوطن كعامل بعد طردك من الطيران والسلك العسكري، بدلاً من السفر إلى السعودية؟

حاولت بعد أن فصلونا في 1983م واشتغلت مترجماً في فندق مأرب بتعز- اتكلم مع الألمان بالروسية.. يحبونها ولم أستطع مواصلة العمل بسبب الاحباط.. عملت ثلاثة أشهر فقط ودبرت خلالها حق الجواز وسافرت السعودية.

> متى عدت من الغربة إلى الوطن؟

في 1987م فكرت بالعودة من المهجر ولكن ليس للشمال، الجمهورية العربية اليمنية سابقاً بسبب ما لاقيته من ظلم واتخذت قرار العودة إلى الجنوب جمهورية اليمن الديمقراطي الشعبية سابقاً، لعلي أجد الانصاف هناك بحكم أن اليمن واحد حسب اعتقادنا.. كنت أسمع أن الجنوب يقدرون الكوادر المؤهلة وأن هناك ديمقراطية خاصة بعد أحداث يناير  فرجعت من السعودية إلى الجنوب سافرت إلى عند واحد قريبي اسمه فؤاد ياسين شمسان وبقيت اشتغل هناك متنقلاً ما بين عدن وحضرموت.. كنت اشتغل في مطعم.

> هل تم اعتقالك في عدن أو واجهت أي مضايقات كونك طيار من الشمال؟

جلست لمدة سنة أشتغل طبيعي ولم أجد أي مضايقات- ولكن في عام 1988 بينما كنت أعمل في مطعم في حضرموت أتي لي ناس لا أعرفهم من الشارع وأخذونا بالقوة إلى فوق سيارة طقم.. قالوا لي: “اطلع” طلعت فأخذونا إلى أحد السجون في حضرموت وسجنت هناك.. أيضاً بتهمة مجهولة.. ربما شخص ما ممن درسوا في الاتحاد السوفيتي رآنا فعرفنا، فبلغ عني أننا طيار حربي واشتغل في مطعم- وبعد ذلك زفروا بي من سجن حضرموت إلى سجن عدن.. هربنا من دولة وظلم الشمال لنجد الانصاف في الجنوب فاعتقلتنا دولة الجنوب.. أنا ظلمت من قبل الدولتين..

> هل اعتقال دولة الجنوب مثل الشمال من حيث التعامل والتحقيق والتعذيب وغيره؟

بدولة الجنوب عندما كانوا يأخذونا لغرفة التحقيق، يأخذونا وأنا معصب العينين وأثناء التحقيق يفك الرباط، عكس المحققين في الشمال.. أيضاً التحقيق في الشمال ليلاً وفي الجنوب نهاراً.

> عن ماذا كانوا يسألوك المحققين في الجنوب وكم كانت فترة اعتقالك بسجن عدن؟

كانوا يسألوا عن اسمي؟.. لماذا نزلت عدن؟ وأسئلة لاذكرها، وقد سجنت تقريباً ستة أشهر (نصف عام) وبعدها زفروا بي إلى طور الباحة فوق طقم، وبعد أن أوصلونا إلى وادي السبت قالوا لي: “هذا الشعب حقك”.. “أطلع قرية المقاطرة.. قريتك”..

> يعني لم تتسع لك لا دولة الشمال ولا دولة الجنوب؟

نعم.. رجعت القرية الأمر الذي زادنا احباطاً إلى احباطي تعبت كثيراً مما وجدته وكانت النتيجة أن دخلت في حالة نفسية ولا زلت استخدم العلاج إلى الآن.

> هل شملك العفو بعد قيام الوحدة؟

بعد قيام الوحدة صدر قرار بعودة المفصولين والمطرودين من الجيش.. شكلوا لجان.. رجعت قابلت اللجنة بصنعاء.. شرحت لهم تفاصيل عملي واثبت لهم بالوثائق فاعطونا رسالة للكلية الجوية بعدن.. قالوا لي: “ارجع أدرس الطيران من جديد” وصلت عدن وقابلت اللجنة وهناك قالوا ما فيش تأهيل طيارين.. التأهيل كله مهندسين طيران، ورجعنا من البداية ندرس هندسة طيران، وتخرجت بعد الوحدة.. درست السنة التكميلية.

> وهل توظفت بعد نيل الشهادة الجديدة؟

وزعت على القاعدة الجوية بالعند في 1991م رغم ذلك جلست سنة ونصف بدون راتب ما طلعش اسمي كل الخريجين طلعوا رواتبهم مباشرة إلا أنا.. وبعد المراجعة والمتابعة الشاقة بالإدارة المالية بصنعاء طلع لي الراتب بداية 1993م دون أثر رجعي بالإضافة إلى حرماني من رواتبي للفترة السابقة أي ما قبل الوحدة منذ 1983- 1993م.

> هل استمريت بالعمل بالعند؟

أيام حرب 1994م كنت في إجازة لمدة شهر، وبعد الحرب حولونا إلى اللواء (90- تعز) استمريت هناك وفي 2007م قاعدونا حسبوا عليَّ الفترة السابقة منذ أن توظفت في الحديدة نهاية السبعينيات، لكي يقاعدونا ولم يحسبوا لي الخدمة الفنية للحصول على مستحقاتي..

> لماذا لم تتظلم؟

تظلمت لمساواتي بزملائي الذين تخرجوا من الاتحاد السوفيتي، أمثال: عبدالكريم الصقر وعبد الله قاسم الجنيد وغيرهم ما نصفوناش.. أصحاب المناطق الوسطى مظلومين أنا من مواطني الجمهورية اليمنية لا نصفونا في الشمال ولا في الجنوب، ومن سوء حظي أننا من مواليد 1961م قرية المقاطرة، وليس سنحان.

> هل تقصد كان هناك تفرقة ومناطقية من قبل الرئيس وبطانته في السلك العسكري؟

أكيد وإلا لماذا تم اعتقالي دون سبب علاوة على ذلك بقية الطيارين ومهندسي الطيران من غير المناطق الوسطى دون سبب وجهوا لهم اتهامات وتم تحويلهم أو توظيفهم من جديد في وظائف مدنية للحد من الطيارين من أبناء الحجرية مثل أمين راوح شمسان حولوه إلى وزارة الإعلام والثقافة وهو بالطيران الحربي، المهندس الطيار هائل عبده شمسان حولوه التربية والتعليم ومحمد مكرد المقطري حولوه السياحة، عبدالستار محمد عقلان القرشي، وأحمد قاسم الأصبحي حولوهم الطيران المدني، وآخرين تخلصوا منهم بحوادث طيارات مثل عبدالوهاب بشر وصالح عباد الرويشان، وغيرهم كثير، عندما ذهبت  للمراجعة سألونا من تعرف، كنت كلما أذكر شخص يقولوا الله يرحمه مات بحادث طيران، وربما أنا أسعد منهم حظاً رغم سوء حظي والظلم الذي لحق بي.

> موقف لا تزال تذكره؟

قبل سفري للسعودية حاولت العمل بصنعاء فلم أجد وبالصدفة وجدت واحد من أبناء القرية أخذنا للعمل معه وكان …. في سلاح المهندسين بصنعاء عامل وبعد ذلك عملت سباك رحموا حالي وشغلونا وبعدما دخلت قابلت أحد الروسيين، كنت أتحدث معاه، وعندا عرف أننا أجيد اللغة الروسية كتابة وقراءة وعرف أننا طيار كان يحترمنا ويعطف عليَّ وساعدنا مادياً وسافرت بعد ذلك السعودية.

حصلت على تقدير امتياز فقام الملحق العسگري بتزفيري من الإتحاد السوفيتي بحجة أني لا أصلح للطيران

—في صنعاء أعتقلوني ثلاثة أشهر وقاموا بتعذيبي دون معرفتي للتهمة الموجهة لي

زر الذهاب إلى الأعلى