إجتماعية

أعراس كوكبان بهمس الغواني وتراتيل السمر تتراقص الأفراح حتى يلوح الصباح

المستقلة خاص ليمنات

تقع مدينة كوكبان في  محافظة المحويت وتبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي 45 كيلو متر، ويقرب عدد سكانها من 3000 نسمة ، المدينة الساحرة تربض على قمة جبل يسمى جبل كوكبان. وهو جبل شديد الارتفاع ووعر جدا ويوجد بها حصن كوكبان المتقن بناؤة على حافة الجبل وتشتهر كوكبان بإنتاج اللوز البلدي  وتعتبر شبام كوكبان واحدةٌ من المدن الضاربة بجذورها في التاريخ حيث تعود إلى ماقبل القرن السابع قبل الميلاد وأول ظهور لها كان في نقش النصر الموسوم (RES.3945) الذي دونه (كرب إل وتر بن ذمار بن علي) مكرب سبأ في القرن السابع قبل الميلاد حيث أشار إلى أنها كانت واحدةً من مدن مملكة (نشن) – مدينة السوداء في الجوف – وبعد أن هزم هذا المكرب ملك مملكة (نشن) ضم كل ممتلكاته إلى مملكته وبعدها بدأت هجرة السبئيين إلى قيعان الهضبة الوسطى لاستيطانها وفي أطرافها أقيمت مدن عديدة وشبام واحدة من المدن التي استوطنوها، واستمرت هذه البقعة من الأرض آهلة بالحضارة التي شكلت من شبام مركزاً مهماً من مراكز الدولة الحاكمة في سبأ.. كما كانت شبام كوكبان مركزاً للدولة اليعفرية في القرن الثالث الهجري، وبها من آثارهم جامع أثري هو (الجامع الكبير بشبام). وبنو يعفر: ينتسبون إلى الأمير يعفر بن عبد الرحيم الحوالي، مؤسس الدولة اليعفرية التي ضمت من صعدة شمالاً إلى الجند جنوباً ، وكانت عاصمتها صنعاء ثم شبام. واستمرت بين عامي (232هـ – 387هـ/ 847م – 997م) وقد سكنها من قبلهم ملوك أقيال حمير ثم آل يعفر ثم تحول مركز الدولة اليعفرية من شبام إلى كوكبان، فبنيت في كوكبان الحصون المنيعة والسدود الضخمة، وينسب بناء الجامع الأثري الكبير المقدس بشبام إلى الأمير أسعد بن الأمير يعفر.

الخطبة بين الأمس واليوم

تعتبر  كوكبان من أكثر الأماكن شهرة في اليمن فما أكثر زوارها من  اليمن وخارجه وما أطيب أهلها.. وما أروع طبيعتها..

في كوكبان الجمال والتاريخ بحثنا عمن يحدثنا عن موضوعنا الذي أتينا من أجله وهو معرفة ما تتميز به عادات وتقاليد هذه المنطقة في الأفراح والمناسبات وما تضفيه هذه العادات من بهجة وجمال وخصوصاً في الأعراس فوجدنا الكثير من أهلها ومن ضمنهم الحاج حسين الذي يناهز عمره الثمانين عاماً وولده منصور في العشرينات من عمره اللذان تصدرا الحديث عن هذا الموضوع باعتبار أحدهم ملماً بإرث الماضي فقد عاصر عهد الأجداد وهو الأب أما الآخر فهو حديث العصر والميلاد وهو الابن ، وما طرأ  بين الجيلين من تغيير أو اندثار لبعض العادات والتقاليد ولم نعد نمارسها في أيامنا هذه..

بدأنا الحديث مع الحاج حسين وسألناه عن الكيفية التي تتم فيها الخطبة في كوكبان وإلى أي مدى يحظى الشاب بحرية في اختيار من يرغب بها أن تكون زوجة له من  فتيات المنطقة فأجاب علينا قائلاً:

كان في أيامنا الولد لا يتدخل في الاختيار بل يعتبر هذا عيباً مشيناً لأسرته وإن حاول أحد منا اختيار من يريد أن يتزوجها يكون رد الأسرة قاسياً عليه بل ويتهمونه بقلة الأدب والتربية ليس هذا فحسب بل فمن الممكن أن يتهمه من سمعه بإقامة علاقة مع تلك البنت وإلا فما عرفه بها وكثير من المصائب قد تلحق به بسبب هذه المحاولة مما يضطر الشاب لترك هذه المهمة لأهله…. المهم كان في زماننا تقوم الأم أو الأخت باختيار من ترغب فيها زوجة لابنهم وتخبر والده بمن اختارت فيتوجه والد الشاب إلى شيخ القرية ويخبره برغبتهم في الخطوبة من الشخص الذي يريدون أن يتناسبوا معه فيذهب والد الشاب مع الشيخ إلى والد البنت ويفاتحانه بالموضوع فيأخذ والد البنت قليلاً من الوقت ليذهب إلى زوجته والدة البنت ويتناقشان في الموضوع والبنت ايضاً لا تدري عما يتحدث فيه والداها وبعد التشاور يرجع أبو البنت إلى والد الشاب والشيخ فيخبرهما بالموافقة مش مثل هذه الأيام عاد الجماعة يدحسوا لما يشبعوا وأظن سبب هذا كثرة الناس فزمان كنا نعرف بعضنا ببعض جيداً وبالتالي لا نحتاج إلى وقت لمعرفة من يريد الخطبة كما هو حاصل الآن.. وبعد الموافقة يقوم والد الشاب مع زوجته بالذهاب إلى السوق لشراء حق الخطبة وهو الذهب وكان كل شيء رخيصاً.. أما  هذه الأيام فكل شيء مثل النار فقد كان يصل مهر العروسة إلى عشر أو اثنتي عشرة حبة جنيه واثنين أو ثلاثة مشاخص والحلق والاساور.. هيا بالله عليك انظر هذه الأيام ما عاد قدر الشباب يشتروا ما كنا نشتريه زمان ثم تذهب والدة الشاب وأخواته إلى العروسة المنتظرة يسلمنها كل ما قاموا بشرائه من ذهب وملابس وكانت الملابس عندنا زنين قطيفة وستارة أو مصون وكانت العروسة عندما تعلن الخطبة رسمياً.. بعدأن أنتهى الحاج حسين من حديثه عن الخطبة تحدث الأخ منصور معقباً على حديث والده بقوله: يا أخي هذا الكلام كان يحصل زمان أما الآن فالشاب هو المسؤول عن اختيار من يرغب لتكون زوجة له ولا يعتبر هذا عيباً أو عاراً كما كان يعتقد اباؤنا وأجدادنا والإسلام قد كفل للشباب هذه الحرية بل وأجاز النظرة إلى المخطوبة كي يقتنع الشاب بمن سيتزوجها، ليس كأيام زمان كان هذا عيباً ولا يرى الشاب عروسته إلا يوم الدخلة..كل ما تغير في ايامنا هو إعطاء الشاب حرية مطلقة للاختيار وبقية الإجراءات تحصل كما ذكرها والدي العزيز..

 

ضحكة وزبجة ودنيا حالية

الشاب منصور تحدث عن هذه النقطة وقال: بعد أن يدفع العريس ما عليه من مهر وشرط وغيره ويتفق مع والد العروسة على تحديد يوم الزفاف يستعد العريس لتفصيل الملابس المختلفة وحجز الفنان والمخيم والمزاينة الذين يحيون العرس بالبرع ودق الطبل والمزمار وتستعد العروسة أيضاً بالتحجب وتفصيل الملابس وحجز المزينة والمكوفرة وما شابه ذلك.. وهنا يتدخل الوالد حسين ليتحدث عن الاستعداد للعرس ويقول كنا في زماننا لا نعرف فناناً ولا نعرف مخيماً ولا نحجز مزيناً ولا أي شيء ولا نقوم بتفصيل الملابس كما هو الآن فقبل العرس يعطى العريس مقطب الجد واللحفة والمحزم وهذه الملابس كانت محفوظة ومن يتزوج يلبسها والمزين موجود في القرية وهو خاص بأهل القرية المهم الكل يساعدك فلا تخسر شيئاً كما هو حاصل هذه الأيام والزيارات متواصلة إلى بيت العريس والعروسة وضحكة وزبجة ودنيا حالية مش زي ناس هذه الأيام امتلأت قلوبهم حسداً وحقداً وضجر…

المشجب.. شذاب وريحان وأنس

تبدأ أيام العرس في كوكبان بيوم تسمى المشجب للعروسة فإذا كانت الزفة يوم الخميس يبدأ العرس من يوم الثلاثاء وهذا اليوم خاص بالعروسة فقط ويبدأ من الصباح الباكر حيث يقوم أهل العروسة بعزومة كل أقاربهم وأصحابهم لتناول الصبوح في بيت العروسة وكانت وجبة الصبوح عبارة عن هريش وحليب وسمن وقهوة قشر بعدها تقوم نساء الأقارب وأهل القرية بإحضار المشجب الذي هو عبارة عن شذاب أو ريحان يوضع داخل قدح ويوضع هذا المشجب أمام العروسة بعدها تقوم المزينة بدق الطبل والغناء وزفة العروسة إلى مجلس البيت ثم تقوم الحاضرات برفد العروسة بما يستطعن من مال ويحتفلن ويرقصن على غناء المزينة حتى الظهر حيث تغادر كل واحدة إلى بيتها ويتهيأن للعودة مجدداً بعد الغداء ويحيين احتفالاً تزهو به الأفراح ويطيب به الأنس ويستمر حتى المغرب حيث تغادر كل واحدة إلى منزلها ولا يبقى عند العروسة إلا قريباتها ليواصلن الاحتفال في الليل….. لكن في أيامنا هذه بطلوا هذه العادة وألغوا هذا اليوم بأصله فأصبح أول أيام العرس هو الأربعاء..


السمرة والنقش

الناس هذه الأيام وفروا على أنفسهم واختصروا  أيام العرس الطويلة التي كانت تحصل زمان بسبب ضيق الحال فتم إلغاء يوم المشجب الذي هو يوم الثلاثاء وبدلاً من بدء العرس في يوم المشجب اختصرناه وبدأناه بيوم النقش وهو يوم الاربعاء ويبدأ هذا اليوم من الصباح حيث تحضر المزينة وتقوم بنقش العروسة وتجهيزها حتى بعد الظهر حيث يبدأ توافد نساء المنطقة إلى منزل العروسة والاحتفال بدق المزينة على الطبل وغنائها وبعض الناس هذه الأيام لم  يعد يحضر المزينةوإنما يقوم بإحضار فنانة تعزف  على العود أو الأورج وهذا طبعاً يكلفه نفقات ويستمر الاحتفال إلى نهاية النهار حيث تغادر كل واحدة إلى منزلها ولا تبقى إلا قريبات العروسة ومن ترغب….. أما العريس فيحضر أقاربه وأصدقاؤه في هذا اليوم من بعد الظهر ويجتمع الكل في مقيل يستمر إلى وقت متأخر من الليل.. وهنا يتحدث الوالد الحاج حسين عما أندثر في هذا اليوم من العادات التي كانوا يمارسونها  في أيامهم فيقول: كان يوم الأربعاء نسميه يوم السمرة والحناء للعريس فيجتمع الكل بعد الغداء في مقيل ويقوم أهل العريس بتجهيز المدايع والماء البارد في دلال ويحضر الفقيه وينشد طوال النهار للحاضرين بعدها يحضر المزمرون من أول الليل ويقومون بزفة العريس من باب البيت إلى المجلس وتبدأ السمرة على الطبل والمزمار والحاضرون يتناوبون على الرقص ونظل سامرين ومحتفلين حتى يشعشع الصباح ..

 

في يوم الميدان.. برع ورفادة

يعود الأخ منصور للحديث ويتحدث عن هذا اليوم فيقول يوم الميدان هو يوم الخميس وهو يوم زفة العروسة إلى العريس ويكون هذا اليوم عند العروسة كاليوم السابق ولا يختلف في مظاهر احتفاله في شيء خلال فترة النهار.

أما عند العريس فيبدأ منذ الصباح الباكر حيث يتم تجهيز العروس وإخراجه إلى مكان واسع في وسط القرية يسمى الميدان محاطاً بجميع الحاضرين الذين يشاركون في زفته ويحضر جميع أهل القرية ويقوم المزين بالدق على الطاسة ويتناوب الحاضرون في البرع ويتخلل هذا استقبال “الرفادة” وهم أشخاص معزومون قادمون من خارج القرية إلى المكان الذي يحتفل فيه العريس، ويستمر هذا حتى الظهر حيث يتوجه الجميع إلى المسجد للصلاة بعدها يتجه الجميع إلى منزل العريس لتناول طعام الغداء ويجتمعون كلهم في مقيل يحضر فيه فنان أو منشد على الأورج ويستمر مقيلهم إلى أول الليل حيث يغادر العريس المقيل لتبديل ملابسه ويستعد للزفة وإحياء ليلة من أجمل ليالي العمر.

بالتحديد بعد العشاء يخرج كل من في المقيل ويجتمعون في صفين ويكون العريس على رأس هذين الصفين ثم تبدأ الزفة للمنشد على الأورج أو الفنان على العود وعند انتهاء الزفة يكلف والد العريس شخصاً يسمى “المخّرج” يذهب هذا الشخص إلى منزل العروسة ليبلغهم باستعداد أهل العريس لاستقبال العروسة.

الفـرحـة الكبرى

بعد وصول المخرج تخرج العروسة بزفة تنظمها لها المزينة وقريباتها إلى السيارة ويتكون موكب العروسة من جميع أقاربها حتى يتم إيصالها إلى عريسها وعند الوصول يكون الجميع في استقبال موكب العروسة وعلى رأسهم العريس بعدها يتم إدخال العروسة إلى غرفتها ويستدعى العريس لفتش اللثام عن العروسة وقبل هذا يقوم بإعطائها مبلغاً مالياً وبعد الفتشة يخرج العريس إلى مجلس البيت أو المخيم للسمرة مع الضيوف حتى منتصف الليل حيث يترك العريس السمرة ويغادر إلى عروسته التي تكون منتظرة .. بمشاعر ممزوجة بين الشوق والخوف..

السابـــــــع

وفي الأخير يختم الوالد الحاج حسين كلامه عن العرس باليوم السابع فيقول: تظل العروسة حبيسة المنزل حتى اليوم السابع من زفتها حيث يأتي في هذا اليوم أهلها لزيارتها إلى بيتها الجديد وتستمر هذه الزيارة إلى آخر النهار ثم يغادر أهل العروسة وبهذه المغادرة تغادر جميع مظاهر العرس وتبدأ حياة الزوجية السعيدة بإذن الله.

زر الذهاب إلى الأعلى