أخبار وتقارير

قرية اللجام في تهامة: قلعة للرعب ومستوطنة للفقر والجهل والموت

يمنات – المنتصف نت مجاهد القب

يموت أهلها في اليوم ألف مرة!
إحدى قرى مديرية المنصورية.. أخذت من اسمها جل حظها.. تدعى بقرية “اللجام”.. أهلها لم يكن لهم نصيبٌ من ثورة فبراير سوى تحطيم حاجز الخوف.. مثل غيرهم الذين أدركوا أن حلم التغيير أضحى مولوداً مشوهاً… فما أشبه حال البلاد بمزرعة الحيوان للكاتب الإنجليزي “جورج أوريل” الذي شبه الحكام في العصور التي تلي الثورات بالخنازير وإذا بهم يطبقون شفاه من أراد أن يتنفس أو يئن.!! وهو نفس الحال الذي أصاب تلك القرية، فحين أرادوا أن يتنفسوا الصعداء ويعلم الجميع عِظم نكبتهم.. فإذا بيد قوية تطبق شفاههم.. وتعتدي على مراسلي قناة “السعيدة” وتحطم كاميرت مراسلها ونال الصحفيون ما نالهم من جبروت أولئك المتنفذين.. ظل حديث الناس حول ما أصاب الإعلاميين وظلت أوجاع المقهورين أنيناً مكتوماً يأبى أن يخرج للعلن..
حاول صحفيٌ آخر أن يأتي “اللجام” من سنامها.. مدير المديرية الذي قال للإعلاميين “لو علمت برغبتكم دخول قرية اللجام ولو أخبرتموني أنكم ستدخلون تلك القرية لوفرت لكم الحماية وسهلت لكم وصولها”، ولكنه بعد طلب ذلك من قبل أحد الناشطين اعتذر ناقلاً تهديداً بالقتل على لسانه من مصدره عضو البرلمان “الشيخ علي منصري”. إذاً فالشيخ هو مالك قلعة “اللجام” وحامي حمى النافذين فيها .
“المنتصف” تخترق ذلك الحصن المنيع.. وتلك القلعة الرهيبة.. شركة “الهبه للمقاولات والإنشاءات” لمالكها الشيخ علي هبه المنصري وضعت الحواجز والمتاريس في الطريق الذي يصل المنصورية بقرية “اللجام”، تدرك أنك يجب أن تلعن صمت حكومةٍ عن من بنى تلك الجسور التي تهاوت من أول قطرة غيث.. حديد الجسور لا تزيد سماكته عن12مل. أبرز رأسه بين الإسمنت مثل رؤوس الشياطين.. 12 كيلومتراً جنوب شرق المنصورية هي المسافة التي تفصل الأخيرة عن القرية، تراها وكأن مئات الكيلو مترات هي الفاصل بينهما.
لا حياة هناك
لاشيء يشير إلى الحياة هناك تجد أهالي القرية يمضون بصمت بوجوه شاحبةٍ كوجوه الموتى أرهقهم الظلم وأضناهم البحث عمن ينصفهم دون مجيب!! تبحث عن بشائر الأمل ونبض الحياة فتلقاك مقبرةٌ لم تسلم من سطوة وبطش الناهبين للأرض فلم يكتفوا ببطشهم بالأحياء بل امتدت أياديهم إلى مراقد الأموات ليشعروهم أن يد الجبروت والطغيان لن تتركهم حتى تحت الأرض، وذلك حقداً منهم لأنهم دفنوا في أرض قريتهم ولهم ملكٌ حصري بما فوق الأرض وما تحتها… تفاجئك عظام الموتى بين جنبات مقبرة “اللجام” وتجد أساسات تعود ملكيتها- بحسب الأهالي- إلى أشخاصٍ أخذوا الإذن من مأمون القرية بعد اقتسامه مع الشيخ رسوم رخصة البناء في المقبرة، كما تجد طرقاً اخترقتها يميناً ويساراً شقها أولئك النافذون أملاً منهم في طمس معالم القبور ليبتلعوا المزيد من أرضها، بل إن كثيراً من المنازل بنيت فوق القبور.. الأهالي يحملون مأمون القرية، عمر كداف مقم، كامل مسؤولية الانتهاكات بحق موتاهم.. “كداف” هذا يردد اسمه كل سكان القرية.. فهو شخص يستطيع أن يجعلك طريداً شريداً من دارك وينفي صلتك بالقرية حتى وإن كان أجدادك عاشوا هناك كما تحدث رجل مسن بعد شرحه جزءاً من انتهاكات كداف بحقه والذي أنهى حديث مأساته بقوله: “أسألك بالله لا تكتب اسمي سجولي تحته – أوراق أرضي بيده- ذا بلا رحمه”!!
أينما وليت فبطشه يلاحقك!
أشار الكثيرون أن أحد عوامل استعباد الناس هو إغراقهم في ظلام الجهل وترغيبهم في الصبر على الظلم وأنهم بفقرهم ومعاناتهم ستكون لهم الجنة!! ولا يكون ذلك إلا باستخدام الدين وأدرك ذلك تماماً بطل قرية اللجام “عمر كداف مقم” الذي يقبع على عرشِ إدارة مدرستها منذ تأسيسها، كما أنه نفسه هو خطيب الجامع ولم تخلُ خطبه من فوائد الحديث الذي يسرده بمتعةٍ وينفرد بشرحه بأشكالٍ مثيرة.. فالوالي لا يجوز الخروج عنه حتى وإن جلدك أو ألهب ظهرك أو…أو، وهو نفذ الحديث بكل أركانه بصفته والياً وبيده الأمر والنهي. الخطيب “مقم” أخذ من لقبه كل المعنى فإدارته لمدرسة “أحد” في قرية اللجام جعلته يصنع جيلاً أمياً يسهل السيطرة عليه ويضع القيود حول عنقه، فالمدرسة الأساسية التي يديرها “مقم” لها دوام خاص بحسب مزاج مديرها، نادراً ما يبدأ دوامهم في العاشرة صباحاً وأخرى دون ذلك وأحياناً تغلق نهائياً.
عبدالله شوكان يشير إلى المدرسة المغلقة أبوابها في العاشرة من صباح يوم الثلاثاء، الطريف أن مدير المدرسة فتح فصلاً للصف السابع ليس حرصاً على الطلاب وإنما لأن ابنه وصل إلى هذا الصف، وهكذا ظل يفتح فصلاً تلو آخر في كل عام إلى أن وصل نجله للصف التاسع وبعد أن دخل المرحلة الثانوية لم تكن هناك فصول لهذه المرحلة، فنقل نجله إلى المنصورية وأغلق الثلاثة فصول التي فتحها لابنه وعادت المدرسة إلى سابق عهدها حتى الصف السادس. لم يقتصر ما يقوم به “كداف مقم” على استئثاره بالتحكم بإدارة المدرسة فحسب، بل إن مشاغله المتعددة جعلته ينصِّب ابنه الأكبر “محمد عمر كداف مقم” وكيلاً للمدرسة.. أحدهم قال ساخراً لشباب قرية “اللجام” بعد نصبهم خيمة في ساحة الحديدة: “تريدون أن تسقطوا نظام علي صالح. اسقطوا نظام الأسرة في قريتكم أولاً”، مشيراً إلى مدير المدرسة وابنه الوكيل.
صكوك أرضهم وعقود زواجهم !!
بحسب الشكاوى الموجهة إلى قضاة محكمة المنصورية وعلى مدى تواليهم تشير أغلب شكاواهم ضد مأمون القرية “عمر كداف مقم” عدم تسليمهم وثيقة عقد النكاح لهم رغم أنهم دفعوا له “أجرته” كما يقول “الدغفول عايش عبدالله هبه” الذي يقول إنه على مدى عشرين عاماً من زواجه وطوال فترة زواجه ظل يطالب المأمون دفع كل المبالغ التي طلبها منه إلا أنه رفض تسليمه عقد زواجه… لا أحد يعلم ما سر احتفاظ أمين “اللجام” بهذه الوثيقة!! شخص آخر يجيب عن هذا التساؤل، ساخراً، بقوله “نخشى أن نصحو يوماً فنجد زوجاتنا قد طلقهن المأمون كداف”. شكاوى أهالي اللجام لم تقتصر على وثيقة الزواج فحسب، بل إن وثائق أرضهم أيضا وهي سيفٌ مسلط على أعناقهم تجعل الكثيرين يطردون من عقولهم فكرة الشكوى به وبذلك زرع المأمون رعباً في قلوب المستضعفين من الأهالي إلى أن يأذن الله!!
مافيا..!
اجتمع على أهالي القرية ثالوث القهر عبر الشيخ والسلطة والدين والأخير كان المأمون هو الناطق باسمه عبر منبر الجامع، أما السلطة فيمثلها شخصٌ يدعى “عبدالله يحيى أحمد نميص” وبصفته عضوا في المجلس المحلي للمديرية فعن طريقه يتم الرفع بمن يحتاجون إلى إدراج أسمائهم ضمن مستحقي الضمان الاجتماعي.. محمد عايش يقول ل”المنتصف”: “خوي امدغفول في أمبيت من زماااااااان حاله الله لا خلاك تحيده أخوه يقبع في بيته منذ حين وحاله لايسر أحد”. يستطرد الدغفول مضيفاً” بني خي هبوا لمعضو عبدالله نميص 5000ريال وأتا يزور خوي هبا له 1000 يقول شيكتبكم ولا حدنا منه حاجه”. يقصد أن أبناء أخيه أعطوا لعضو المجلس المحلي 5 آلاف ريال وحين أتى لزيارة أخي وهو طريح الفراش أخذ منه 1000 ريال… يتهم العضو نميص بابتزازه وأخذ مبالغ مالية منه ومن أخيه. أهالي “اللجام” استبد بهم الفقر والقهر..
تحكي الحاجة هدية – كفيفة النظر – أن كرت الضمان أخذه الشيخ من ابنها بعد أن أخبره بأن تبرعات ستأتي ويجب أن يرى كرت أمه ولم يعد الكرت إلى تلك الأم بعد أن رآه الشيخ.. أما حسنة عمر “ستينية العمر” فتقول: “قلدكم الله لمه ما يشنش ياهبن لي كرتو… امعضو نميص يقول لي لما يموت زوجك”.. تتساءل الحاجة حسنة عن أسباب عدم منحها كرت إعاشة من الضمان وتقول إن عضو المجلس المحلي يقول لها إنه سيمنحها كرت ضمان بعد أن يموت زوجها.
بحافة الموت تنتشر الأمراض والأوبئة
في قرية “اللجام” بشكلٍ مخيفٍ جداً، حتى إن العاهات تجدها قد استوطنت أجساد أهل القرية وبدأت تنخر أقواهم وأشدهم. ويذكر أن مديرية المنصورية سجلت رقماً قياسياً من حيث الوفيات بحمى الضنك في العام الماضي.. ويقول الكثيرون إن أغلبهم كان من قرية “اللجام” والمسجلين من الوفيات هم من استطاع الوصول إلى المديرية أما من قضى في المديرية فهم أضعاف تلك الأعداد.. وأشه عبدالله “خمسينية العمر” تسرد البلاء الذي أصابها في أنفها ومضى يزحف إلى وجهها” تقول ل”المنتصف” (إنها لا زهبوا ولا مال…)، أي بلا أرض ولا مال ترثه، وتضيف أن من وضع البلاء الذي بها سيرفعه، أما من في الحكومة فهي تجزم بأن عقابهم سيكون وخيماً من الله عز وجل… الوحدة الصحية في القرية هي إحدى إقطاعيات المأمون أيضاً، فابنه عبدالرزاق هو مدير الوحدة الصحية والمغلقة أيضاً لأن عبدالرزاق يمتلك عيادةً ونقل نشاطه إليها ليعيش من كتب الله له النجاة وكل من في “اللجام” هالك لا محالة.
صمت السلطات
هبَّ أبناء قرية اللجام إلى المحافظة مستنجدين بالمحافظ أكرم عطية واعتصموا أمام مبنى المحافظة، قابلهم نائبه الأمين العام العميد حسن الهيج والذي وجه مكتب التربية بالتحقيق في الوضع التعليمي، متجاهلاً ما يرتكب بحقهم من جرائم أخرى. الأهالي الذين صلوا الظهر أمام المحافظة قالوا بعد عدم رؤيتهم أثراً للتحقيق الذي أمر به العميد، “يظهر أن الأخير يخشى أن تفضح التحقيقات ما يجري في قريتهم وكان هدفه فض اعتصامهم فحسب وليست له أي نية في الكشف عما يرتكب والذي يرقى بوصفه إلى جرائم ضد الإنسانية، فشكاواهم ليست وليدة اليوم بل ناهزت ما يزيد على العشرة أعوام”، ويرجعون السبب في عدم تجاوب السلطات معهم إلى الشيخ المقاول وعضو البرلمان علي هبه منصري والذي قالوا إنه يحول دون وصول لجان التحقيق، وحتى بعد وصولها تظل تقاريرها طي الكتمان.. أهالي القرية يطلقون نداءً عاجلاً إلى كافة المنظمات الحقوقية والإنسانية والمحلية والإقليمية والدولية أن أغيثونا .. أغيثونا يرحمكم الله.

زر الذهاب إلى الأعلى