فضاء حر

تحويل آمال اليمنيين إلى أحلام معلقة

يمنات
بالغ الرئيس هادي في التردد، حتى تمكن شعبه من رؤية يديه المرتعشتين. ضمن حالة الوجل هذه، ظهر الرجل غير معني بالزمن، وآمال ورهان شعبه عليه. يتجلى جانب من الأزمة في اختلاف الوعي بالزمن لدى الرئيس وشعبه. هو يسير ببطء؛ لأنه لا يريد لزمنه في كرسي الحكم أن ينتهي. لهذا يبدو كما لو أنه يريد إعادة ضبط الزمن العام، وفقاً لزمنه الشخصي وحركته ومصالحه ومناوراته. إنه يضفي على حركة الزمن حالة ضخمة من التثاقل والسكون، تضمن إطالة زمنه ك”ضرورة توافق وطنية”.
الدوافع غير الوطنية وحدها هي التي تجعل مصالح الحاكم تختلف عن مصالح شعبه. وخلال العامين السابقين له في كرسي الحكم، بدأ الرئيس هادي كما لو أنه غير معني ببناء سلطة وطنية جديدة على أنقاض سلطة الحكم العصبوية والقبلية السابقة. عدم الاكتراث هذه هي التي حولت مهمته الرئيسية المتمثلة في نزع سيطرة العصبة الحاكمة على الجيش والبلاد، إلى مهمة مفتوحة وضبابية، بدون طموحات واضحة أو سقف زمني محدد.
يبدو كما لو أن الرئيس هادي اختزل مهامه إلى إدارة الصراع بين مراكز القوى، وقام ويقوم بذلك ضمن حالة من الحذر تُراعي التوازن، لا المصلحة الوطنية؛ ما جعل اليمنيين يشعرون بعملية تثاؤب طويلة أضفت على الشأن العام حالة من الخمول والكسل. نسير في العام الثالث لرئاسته، إلا أننا لم نتمكن من رؤية بداية الطريق.
يُمارس الرجل مهامه الرئاسية بحياد مريع، حتى في المواقف والقضايا التي تستدعي منه موقفاً حاسماً، للحفاظ على موقعه الرئاسي وعلى أمن واستقرار البلاد. يتحرك مسكوناً بضرورة تجاوز مراكز القوى، عبر تجنب الاصطدام بها. لهذا تحولت حركته السياسية إلى حضور سلبي، محاط بحذر فائض عن الحد.
أعادت ثورة 2011 خلق المشاعر الوطنية النائمة لدى اليمنيين؛ إلا أن الرئيس هادي قتل هذه الحماسة الوطنية جراء حالة السلبية التي ظهر فيها، والتي تجلت كعملية تخدير لليمنيين الحالمين بالتغيير، الذين وجدوا أنفسهم يبررون سلبية الرئيس الجديد باعتبارها ضرورة حذرة، ستفضي في النهاية إلى تقليم مراكز القوى والنفوذ التقليدية، ودفع البلاد نحو بناء دولة وطنية حقيقية.
تمكن من تحويل آمال اليمنيين إلى أحلام معلقة، وضمن حالة التعايش الطويلة مع هذه الآمال المعلقة. ربط الرجل تحقيق هذه الآمال ببقائه في كرسي الحكم، وعمله المستمر، وغير المنتهي، لتجاوز وطي صفحة مراكز الهيمنة القديمة.
دون مراسيم، انتقل الرجل من خانة “الرئيس التوافقي” إلى خانة “الرئيس الضرورة”. بيد أنه، ويا للعجب، لا يريد الانتقال إلى خانة التعريف الجديدة، ويُفضل البقاء، أيضاً، حاضراً في الوعي العام ضمن خانة التعريف القديمة. خلال عامين من الحكم، لم يُظهر الرئيس هادي أي جدية في طي زمن حكم علي عبد الله صالح، وتدشين زمن حكم جديد خاص به، ويُعبر عن هويته. لم يضرب مراكز الحكم السابقة، بما يُمكنه من إقامة دولة وطنية عمادها القانون والمواطنة المتساوية؛ بل استثمر هذه الآمال الوطنية لإطالة أمد مهمته “التوافقية” الآنية، التي يبدو أنه لم يتمكن من رؤية نفسه منفصلاً عنها ومتجاوزاً لها. بإمكانه لعب دور وطني متجاوز لهذه المهمة التي دفعته، على غفلة من التاريخ، إلى كرسي الحكم؛ إلا أنه لم يمتلك القدرة للرهان على ذاته كرئيس يعمل ضمن سياق وطني وشعبي بعيداً عن مراكز النفوذ العسكرية والقبلية، التي عمل على ممارسة مهامه الرئاسية عبر إدارة الصراع بينها بحالة من الحذر والتوازن، جعلت اليمنيين يشعرون بزمن جديد للحكم، هو زمن اللواء علي محسن، وليس زمن عبد ربه منصور هادي.
لا يريد “الرئيس التوافقي” قيادة أي تحول حقيقي في البلاد، يدفعه نحو الخلود في الذاكرة الوطنية كزعيم وطني حقيقي. هو لا يريد ذلك لأنه انشغل في العمل بما يساعده على مد وإطالة فترته الرئاسية في كرسي الحكم. لهذا كرس جهده للعب على “التوافقية” بين مركزي الصراع العسكري والقبلي. وضاعف المأزق الوطني أن حاجة الرئيس هادي إلى إبقاء البلاد تحت مطرقة التوافق الوطني حولت مهمة التغيير الوطنية إلى حالة تقليم أظافر لمراكز القوى، دون أن تتمكن من شل فاعليتها، إيذاناً ببدء زمن يمني جديد.
يظهر الرئيس هادي كما لو أنه لا يستطيع أن يستمر في الحكم إلا عبر اللعب على التوازن بين مراكز القوى. ويبدو كما لو أنه يريد إبقاء البلاد ضمن حالة التداعي والسقوط القائمة. هناك مخاوف واضحة لديه جعلته يتجنب أي اصطدام مع مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية؛ بيد أنه يظهر كما لو أنه يريد إبقاء مراكز النفوذ هذه عند مستوى مسموح بها من الفاعلية، يتمكن هو من احتوائها والسيطرة عليها، واستخدامها كفزاعة عامة تجعل بقاءه في الحكم “ضرورة وطنية” ليس لبناء دولة وطنية؛ بل لإدارة التوافقات. بيد أن الرئيس الذي يعجز عن استخدام سلطته، ضمن حالة دعم محلي ودولي غير مسبوق لفرض غير المسموح به، لن يكون بإمكانه ضغط نفوذ مراكز القوى إلى مستوى مسموح به يستطيع التحكم به وتوجيهه.
يتحرك، بشكل بطيء، نحو إضعاف أحد طرفي الصراع العسكري؛ غير أن تحالفاته غير المعلنة جعلت خطواته التي اتُّخذت لنزع سلطة علي عبد الله صالح في الجيش تتم بالتزامن مع تقوية سلطة علي محسن الأحمر في الجيش، والحياة العامة على السواء. لهذا، مازالت اليمن مذعنة لحالة مفتوحة من الفوضى والانهيار.
وحتى اليوم، يعمل الرئيس هادي على وضع سلطته موضع الشك والتمحيص والتجريب. لهذا استمر في موقع الرجل الضعيف عديم التأثير. كان عليه أن يستثمر الحماسة الشعبية، التي دفعته إلى كرسي الحكم، ليبدأ حقبة زمنية جديدة في اليمن؛ غير أنه لم يفعل. وقد دفع تردده وسيره البطيء بالحماسة الوطنية نحو سرداب مظلم وحالة شتوية طويلة من الفتور والركود. هو لم يدرك قوته ومصادرها، كما لم يدرك اللحظة الزمنية الفارقة التي دفعته إلى موقع الرجل الأول في البلاد؛ غير أن مراكز النفوذ أدركوا مكامن ضعفه. وخوفاً من خسارته لموقعه، جعل غيره يُمارس سلطاته الرئيسية، ويجني ثمارها.
على الدوام، ظل موقفه مبهماً ومتعذراً على الفهم؛ إذ ظل يُراوح مكانه في المنطقة الرمادية بشأن المواقف الوطنية الحاسمة. ترك القضايا الوطنية الهامة، و”جعل المسائل الشكلية الفارغة موضوعاً لنشاطه”. هو لم “يجرؤ على الدخول في الصراع، في اللحظة التي كان فيها للصراع معنى”، لهذا لا أظنه سيجرؤ على دخول الصراع عندما ضعفت الحماسة العامة الداعمة له.
عن: الشارع

زر الذهاب إلى الأعلى