فضاء حر

آخر ملاذ للصوص

يمنات
مازالت اليمن تعيش مأزق فشل مؤتمر الحوار الوطني، وأحزاب اللقاء المشترك خرجت علينا، أمس الأول، تدعو إلى عقد مؤتمر وطني عام ل “التوافق” على “معالجات جادة للوضع الاقتصادي والأمني”!
إلى التساؤلات التي أثيرت حول الجدوى من إقامة مؤتمر الحوار الوطني، تبرز اليوم مخاوف حقيقية حول إمكانية تنفيذ مخرجاته؛ بغض النظر عن موقفنا من هذه المخرجات. مع ذلك، خرجت علينا أحزاب المشترك بدعوتها الجديدة هذه، التي يبدو أنها تدفع نحو إبقاء اليمن في مربع التوافقات وعقد مؤتمرات الحوار.
تحمل هذه الدعوة، بين ما تحمل، موقفاً سلبياً واضحاً من “المشترك” تجاه مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته. ورغم تعدد التكهنات حول أسباب هذه الدعوة ومبرراتها، فهي تتضمن موقفاً رسمياً تؤكد فيه هذه الأحزاب فشل مؤتمر الحوار الوطني. كذلك، يُمكن القول بأن هذه الدعوة تتضمن انقلاباً من “المشترك” على مخرجات الحوار الوطني، أو تنصلاً مسبقاً من تنفيذها والقبول بها. ويصبح هذا القول ذا معنى بالنظر إلى أن أحزاب المشترك تريد أن تجعل من المؤتمر الوطني العام، الذي دعت إلى انعقاده، كمرجعية عليا في البلاد؛ رغم وجود “مؤسسات دستورية”، ورئيس توافقي “منتخب”، وحكومة وفاق شُكلت بالتقاسم، ومخرجات مؤتمر الحوار، التي أُعلن التوصل إليها بتوافق جميع الأحزاب والمكونات الرئيسية في البلاد.
والحقيقة أن دعوة “المشترك” الجديدة هذه لا تتضمن فقط موقفاً مسبقاً لرفض تنفيذ مخرجات الحوار، بل تتضمن أيضاً محاولة لإعادة اليمن ككل إلى المربع الأول لبدء الفترة الانتقالية التوافقية. وهذا يعني محاولة وضع مبررات لتمديد عملية التوافق، و”تصفير عدادها”، بشكل يُطيل الوضع القائم الذي ترزح فيه اليمن واليمنيون تحت رحمة أبطال هذه العملية التوافقية، التي بدأت قبل أكثر من عامين.
يُفترض أننا شارفنا على الانتهاء من المرحلة الانتقالية، لاسيما مع انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، الذي ستؤدي مخرجاته إلى أشياء كثيرة، بينها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تنهي الحالة الانتقالية، وتفضي إلى مراكز حكم منتخبة. غير أن أحزاب المشترك تدعو اليوم إلى مؤتمر وطني عام جديد “للتوافق على وضع المعالجات الجادة المتعلقة بالوضع الاقتصادي والامني”!

من الواضح أن أحزاب المشترك أصبحت ترهن وجودها في العمل التوافقي في حكم البلاد عبر التقاسم، وتضليل الناس، وتلفيق أنصاف المواقف والحلول. المضحك أن هذه الأحزاب دعت، في بيانها الذي أصدرته أمس الأول، إلى دعم الرئيس هادي وحكومة الوفاق!
كان يُفترض تشكيل حكومة كفاءات جديدة؛ لكن هذه الأحزاب تغفل فشل باسندوة وحكومته. وهي إذ تتعامى عن هذا الفشل المريع للحكومة، تُحاول إظهار المشكلة كما لو أنها تتمثل في افتقار الحكومة للدعم الشعبي!
اليمن بحاجة إلى حكومة تعمل وهي متخففة من مراكز الفساد والنفوذ؛ وأحزاب المشترك تطلب من اليمن واليمنيين دعم حكومة فاسدة وفاشلة! هذا أمر مضحك، ومثير للاشمئزاز.
تهرب أحزاب المشترك من الأزمة ومشكلتها الرئيسية، عبر هذه المناورات التهويمية المتضمنة الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني عام جديد. وإذ تتضمن هذه الدعوة اعترافاً بفشل مؤتمر الحوار الوطني، وتنصلاً من تنفيذ مخرجاته؛ فهي تُمثل عملية ضغط واضحة على الرئيس هادي من قبل مراكز القوى التقليدية التي تستخدم اليوم تكتل المشترك للدفاع عن نفوذها ومصالحها.
إن كان هناك من مطلب حقيقي وجاد فهو يتمثل في تحرير أحزاب المشترك من نفسها، ومن مراكز النفوذ التي تتحكم بها وتستخدمها كأداة لتحقيق امتيازات ومكاسب كبيرة في “زمن الثورة” – اعتماداً على أكاذيب كبيرة تأتي على رأسها شعارات النضال الوطني المهترئة.
تُحاول مراكز القوى هذه إبقاء اليمن أسيرة لباسندوة وحكومته الفاشلة، ومن خلفهما مراكز القوى التقليدية. ومن الواضح أن باسندوة تحول من رئيس وزراء لليمن إلى مطية تستخدمه هذه القوى كآخر حصون الدفاع عن مصالحها، وتحقيق امتيازات أكبر لها. والشاهد أن الرجل أمّن للقوى التقليدية مهمة الحصول على نصيب باذخ من “كعكة اليمن” ما بعد رحيل “صالح”؛ عبر قرارات وإعفاءات جمركية وضريبية جنونية. للوقوف على هول الكارثة، يكفي أن نعرف هنا أن باسندوة منح شركة تتبع أحدهم إعفاء من دفع أكثر من 40 مليار ريال كضرائب أرباح لثلاث سنوات! اليمن تشحت من المانحين، وباسندوة يعفي “حمران العيون” من دفع ضرائب الأرباح المستحقة عليهم!
من هنا يأتي الإصرار على إبقاء اليمن معتقلة في زمن باسندوة، باعتباره آخر ملاذ للصوص والأوغاد.
اليمن ليست لبنان كي يُحاول البعض إقعادها على كرسي التوافق وتقاسم الحكم عبره. وإذا كان لبنان بلد محكوم بالتوافق؛ يستحيل حكم اليمن بالتوافق. يستحيل حكمه، أيضاً، بعد 2011، بالتقاسم؛ على هذا النحو الهزيل والمسرحي القائم اليوم.
اليمن ليست لبنان. هذا صحيح؛ لكن الجماعة هنا لا يريدون ابتلاع البلاد عبر إخضاعها للمحاصصة الطائفية، بل عبر ضغطها لتصبح ملبية لطموحات محاصصة سياسية وجهوية مترهلة تُحاول سرقة “اليمن الجديد” وزمنه.

مات تكتل أحزاب اللقاء المشترك منذ انتقال أحزابه من مربع المعارضة إلى كراسي الحكم. قام هذا التحالف كمعارضة لنظام علي عبد الله صالح، وعندما رحل الأخير انتقل هذا التحالف، بفضل ثورة فبراير 2011، إلى زمن جديد يُفترض به أن يعيد فرز التحالفات.
تريد أحزاب المشترك البقاء في مربعات الماضي متجاهلة التغيرات الجوهرية التي حدثت في البلاد بما أعاد صياغة العملية السياسية، وتبديل مواقع اللاعبين الرئيسيين فيها.
تريد أحزاب المشترك أن تُشارك كطرف رئيسي في الحكم، وتريد -في نفس الوقت- الاحتفاظ بموقعها المعارض القديم! وبسبب هذا، فالأزمة الرئيسية ل “المشترك” هي أزمة وجود وهوية. لقد مات هذا التكتل السياسي، وإكرام الميت دفنه، لا استخدام جثته ضمن حالة تُحيل إلى من يتسول بعاهته.
الحزب الاشتراكي اليمني هو أكثر المتضررين من استمرار تكتل أحزاب المشترك بهذا الوضع؛ ذلك أنه يُستخدم كأداة لإعادة غسيل مراكز القوى التقليدية التي تدير وتوجه هذا التكتل، بما يُمكنها من تمرير مواقفها ومصالحها ضمن حالة من الالتباس تُظهر تلك المواقف كما لو أنها مواقف هذه الأحزاب، وعلى رأسها الاشتراكي. وستكون مسؤولية الاشتراكي كبيرة جراء مشاركته في حالة “الشراكة التوافقية” التي تتولى اليوم قيادة البلاد إلى الهاوية. لهذا، من الأفضل للحزب أن يُعيد النظر في شراكته السياسية القائمة، ضمن مراجعة شاملة يتم فيها إعادة النظر في موقعه الحالي في العملية السياسية برمتها بما يُمكنه من وضع مسافة بينه وبين مراكز القوى التقليدية على ضفتي الصراع القبلي والعسكري الحاصل. على أن يكون ذلك خطوة تجعل الاشتراكي يتولى قيادة المعارضة الوطنية الحقيقية.
لم تتمكن مراكز القوى التقليدية من إعادة تعريف نفسها ومواقعها، بل تمكنت، عبر استغلال ثورة 2011، من إعادة تعريف مواقف ومواقع القوى الوطنية، على رأسها الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري. لهذا، على القوى الوطنية وضع حداً للاستغلال القائم لها.
– عن صحيفة “الشارع”

زر الذهاب إلى الأعلى