فضاء حر

القانون جثة تسحلها الميليشيات في شوارع العاصمة

يمنات
في 22 سبتمبر الماضي كتبت محذرا الحوثيين من التبعات الكارثية لسيطرة ميليشياتهم على العاصمة، وما يترتب عليها من انتهاكات خطيرة ضد اليمنيين عموما، وبخاصة سكان العاصمة اليمنية، العاصمة التي أمست “اليمن” كله في صورة مصغرة.
لكن الحوثيين لا يصغون للترهات فالعاصمة اليمنية هي مجرد نقطة انطلاق في مسيرتهم الأممية. كذلك فإنهم انتشروا غربا باتجاه تهامة وشرقا باتجاه مأرب وجنوبا الى البيضاء وإب.
والآن فإن الجماعة تتموضع كتهديد وجودي لليمنيين عموما، بفعل سلسلة حماقات وانتهاكات وعنتريات لا يظهر أن لها نهاية.
لا يحرص الحوثيون _ وبخاصة قائدهم “السيد” عبدالملك الحوثي_ على تظهير المظلمة التي كانت قبل سنوات. فكبرياء الجماعة في تبدياتها “الفرعونية” تحول دون الاستمرار في لعب دور الضحية. ومشروعها التوسعي الانقضاضي على الدولة يتعارض مع فكرة “المظلوم” الذي ينتظر الإنصاف. فاسترداد الحق لا يكون إلا بالقوة والبطش والتنكيل كيما تكون الولادة ناجزة.
***
يحطم الحوثيون، بما هم سلطة الأمر الواقع الجديدة في العاصمة والعديد من المحافظات، في زمن قياسي، المنجزات التاريخية في مجال انتهاكات حقوق الإنسان لأسلافهم في الحكم. بل ويضيفون عليها ما يمكن وصفه باللمسة الخاصة التي تجسدها الحروب الاستردادية التي يشنونها في كل الاتجاهات.
تظهر اللمسة الخاصة في اقتحام منازل خصومهم واستخلاصها لأنفسهم وإلا فتفجيرها_ وتفجير دور القرآن والحديث بما هي آثار الغزاة المدحورين _ في سلوك لم يعد يشاهد سوى في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث التأديب الجماعي للسكان والتفجير لبيوت المقاومين للاحتلال.
لتدمير البيوت تاريخ عريق في اليمن. لكن_ دعونا نقر بالفضل لأهله_ للحوثيين أفضلية في هذا المجال، إذ ان ما كان يعد نافلة في سلوك الأنظمة القمعية في القرون الماضية صار بمثابة الفريضة الدينية في معتقدات الجماعة المتغلبة راهنا. كذلك يمارس الفاتحون الحوثيون تدمير البيوت ودور الحديث وتفخيخها بمنهجية صارمة ترقى الى مصاف التعبد والتقرب إلى الله.
منذ 3 اشهر تعتمد الجماعة ما يمكن اعتباره النهب بالقانون. وفي مسيرتها التقويضية لفكرة “سيادة القانون” تمارس لجان تابعة للجماعة ما يمكن اعتباره دهس الخصوم ببلدوزرات القضاء. ينتزعون أوامر قضائية من النيابة العامة لتأديب خصومهم والاستيلاء على أموالهم وشركاتهم وأسهمهم التجارية. هكذا صار القانون مطوعا لإرادة جماعة من اليمنيين ضدا على خصومها. [هذه المسألة تستدعي رأيا من نقابة المحامين ونادي القضاء بشأن قانونية ما تفعله اللجان التي شكلها الحوثي للنيل من خصومه باسم القانون وعبر النيابة]. ففي قانون الحوثيين هناك اثراء غير مشروع لخصومهم الاجتماعيين والايديولوجيين المباشرين. لكن يندر أن يلاحق جهابذة القانون الحوثي أولئك المسؤولين الذين انتهكوا القانون لصالح ذلك الثري أو ذاك المتنفذ. يذهبون دائما إلى “المتهم الثاني” الافتراضي _ وهو هنا على سبيل المثال الشيخ حميد الأحمر_ تاركين المتهم الأول. يسخرون القانون لصالح مشيئة “السيد” وبما يخدم تكتيكاتهم زتحالفاتهم. يجردونه من عموميته وموضوعيته. ويسلبونه “الصالح العام”، فإذا بالقانون جثة تسحلها الميليشيات في شوارع العاصمة على مدى الساعة.
****
في السنوات ال3 الماضية كان هناك اللقاء المشترك الذي تنكر لكل المظلومين والشهداء والجرحى وأسر المختفين قسريا وكل أولئك الذين انتظروا العدل والإنصاف من قبل الحكام الجدد. لكن اللقاء المشترك لم يكن “المهدي المنتظر” بل “اللص” الثوري الذي حول كل خطيئة للنظام السابق الى عمل ثوري مشروع ومقبول مجتمعيا. كذلك امتدت المحاصصة في السلطة ببركاتها إلى نهب المال العام وتجريف الدولة من الأعلى نزولا الى ادنى وحدة إدارية وأصغر قسم وظيفي.
والآن يقتفي الحوثيون آثار السابقين. يعملون نهبا في المعسكرات ويفرضون سلطتهم على الشركات ويتقاطر على مركزهم في صعدة المشايخ والوجاهات و”العقلاء” و”الحكماء” والتجار و”المثقفين الوطنيين” وكل الوصوليين الذين يحسنون ركوب “الموجات الثورية”.
وفي الأثناء تغرق الجماعة في مستنقع “الثأر” باسم الثورة، والتسلط برايات التحرير، والتطهير بعناوين محاربة الفساد. وتشن حروب استردادية باسم ملاحقة بقايا النظام السابق.
ولسوف تواصل الجماعة شن حملاتها المقدسة حتى الغرق في “يمن” ثار على نظام صالح من أجل المواطنة والكرامة والإنصاف، ولن يقبل أبدا أن يحكم من جماعة أقل انفتاحا واضيق أفقا وأشد تطرفا من أولئك الذين سبقوها إلى العاصمة، وصاغوا ثقافة الجماعة السياسية بقيمهم، ووضعوا لمساتهم على صورتها التي لا يصدق أعلب اليمنيين أنها للجماعة نفسها التي كانت تطنطن باسم الدولة المدنية والحريات العامة قبل أقل من سنة.
***
هناك مسار آمن لليمنيين جميعا يقودهم الى المستقبل، هو مسار الدولة العادلة التي تنصف المظلومين وترتكز على سيادة القانون وتنتصر لقيم المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتكفل المساواة لمواطنيها جميعا.
وهناك المسار الرومنسي _ الفاشي_ الذي اختارت قيادة جماعة الحوثيين المضي فيه، جامحة لا تلوي على شيء. مسار الغلبة وأخذ الحق باليد والتنكيل بالخصوم والتكميم للأفواه. وهذا المسار “الطالباني” سيودي بها _ ما من شك_ وباليمن معها، ومن أسف، إلى الهاوية.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى