العرض في الرئيسةفضاء حر

الحرب العالمية الثالثة

يمنات

فاطمة عباس باعلوي

تمر منطقة الشرق الأوسط بتغيرات متسارعة, تجعلها على صفيح ساخن في احتمالية مواجهة حرب عالمية ثالثة تتكشف أستار خيوطها يوماً بعد آخر, ويمكن ملاحظة تلك المؤشرات بسهولة ابتداءاً من عمليات الاستفزاز المستمرة للدب الروسي والتي كان أولها إسقاط تركيا للطائرة الروسية في الحدود التركية السورية, وليس انتهاءاً بالتدخل السعودي في حرب سوريا وبمعية حليفها التركي, وهو ما يكشف عن استمرار توجه القوى العالمية العظمى نحو بناء نظام عالمي جديد يهيمن على العالم, ويعيد تشكيل خارطته.

أن تدخل المملكة العربية السعودية في الشأن السوري, وبحجة محاربة الإرهاب, يشكل منعطفاً خطيراً في ملفات صراع المنطقة المتعددة, إذ أن هذا التدخل السافر يجعل الحرب تنتقل تلقائياً للأقطاب العالمية الكبرى (الروسية/الأمريكية), كونه يشكل تهديداً يمس المصالح الكبرى للدب الروسي, والذي سيكون مضطراً لاحقاً لمواجهة أمريكا مباشرة للدفاع عن مصالحة في المنطقة, وحينها ودون شك ستتكالب التحالفات, كلاً باتجاه حليفة ومصالحه, لنجد(الناتو وأمريكا) ينضمان لدول المحور الأول, ويتدخلان لمساندة (تركيا والسعودية), في حين تنضم (إيران, والصين) لدول المحور الثاني إلى جنب (روسيا, وسوريا), ولتغدو رقعة الحرب هي الأراضي “التركية, السورية”, و قطعاً لن تكون الحرب سهله, وستتطور حال نشوبها لتخرج عن رقعتها بمجرد الاستمرار في استفزاز الدب الروسي, لتمتد فتشمل دول الخليج, التي تحوي القواعد العسكرية الأمريكية كأقرب الأهداف لروسيا. وسيزداد الأمر سوءاً حال شعر أحد الطرفين بالضعف, أو بعجز سلاحه التقليدي فتهور ولجأ لاستخدام السلاح النووي, في هذه الحالة يزداد المشهد تعقيداً لتتسع رقعة الحرب وتحالفاتها, والتي قد نرى معها تدخل واحدة أو أكثر من الدول الحليفة لأمريكا مثل (أوكرانيا/ كوريا الجنوبية/ اليابان/ فيتنام/ الفلبين), وهو ما يجلب بدورة الحلفاء المناظرين لروسيا على الضفة المقابلة كـ (الهند/ باكستان/ كوريا الشمالية).

هذا السيناريو المتوقع لإشعال فتيل الحرب يعيد إلى الأذهان تصريحات ثعلب السياسة الأمريكية “هنري كسينجر” التي صرح بها لصحيفة الـ “ديلي سكيب” الأمريكية, والتي جزم فيها وبيقين مطلق ب “حقيقة” نشوء هذه الحرب, كما حدد أقطابها, بل ونتائجها أيضاً, والتي حسمها– حد قوله- لصالح الولايات المتحدة الأمريكية, ما يجعلنا نتساءل, ما إذا كانت هذه الحرب غير مخطط لها من قبل أمريكا, وإنما يتم الدفع بالمنطقة وبقوة باتجاه إشعال فتيلها !؟, خاصة وقد رسخت لدى شعوب منطقتنا “نظرية المؤامرة”. وإلا فهل يفترض بنا أن نتساءل, ما الذي يدفع بهذا الثعلب ليدلي بهكذا تصريح ؟ … قطعاً ليست الثقة العمياء بقوة الولايات المتحدة الأمريكية, والتي تحدث عنها في زهو كاذب بقوله (أن أمريكا تمتلك أكبر ترسانة سلاح في العالم), فهذا الادعاء يثير السخرية بمجرد استحضار الهزيمة الساحقة التي مًنيت بها أمريكا في حرب(أفغانستان, والعراق), والتي ما قامت لها بعدها من قائمة لولا حروبها بالوكالة, ولجوءها للجماعات الجهادية الإسلامية, ولفوضى ثورات الربيع العربي, لتحقيق أهدافها, ولتبقى متربعة على عرش العالم.

مصالح الدول العظمى من الحرب

عادة ما تخضع أمور الحرب للتفاهمات بين الدول العظمى وتحالفاتها المتناحرة قبل الاضطرار لخوضها- أو حتى إدعائها- فلكل طرف أهدافه الاستراتيجية التي لا يتنازل عنها, ويحارب لأجلها, ولذا قد تجرى الترتيبات أحياناً (قبل/أو أثناء) الحرب ليتنازل طرف ما عن بعض من أهدافه (الغير استراتيجيه), مقابل حصوله على هدف استراتيجي. وفي الحرب المحتمل وقوعها, فإن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وثرواتها, تشكل الغاية القصوى والهدف الرئيسي لصراع الدول العظمى, و بالعودة إلى سايكس بيكو وأطماعها, نجد أن الأطماع البريطانية لا تختلف كثيراً عن الأطماع الأمريكية, فكلها تصب في قالب واحد ينتهي من المصلحة البريطانية الصغرى ليصب في حضن المصلحة الأمريكية العظمى, و تتجسد أطماع بريطانيا في رغبتها بامتلاك منطقة نفوذ عريض تمتد من البحر المتوسط وحتى الخليج العربي “أي المناطق العربية الأسيوية شمال شبة الجزيرة العربية”, وهي(تركيا, العراق, سوريا, وفلسطين), وشريط النفوذ هذا يوفر لبريطانيا طريقاً إلى الشرق, كما يشكل خطاً عازلاً يحميها من أطماع روسيا وسطوتها, ويضاف إلي أطماع بريطانيا, منطقة نفوذ أخرى تمتد من (مصر, والسودان, وصولاً إلى عدن).

والجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن بريطانيا ترى في أنه وفي منطقة شبة الجزيرة العربية ومحيطها يجب العمل على أن يتم خلق أصوات عدة تنادي وتدفع باتجاه مخطط توحيد جميع الدول العربية(العربية, والإسلامية), في اتحاد واحد لكل هذه الدول, وبأن يحكمها حاكم واحد يدين بالولاء لبريطانيا, ويجعل المنطقة برمتها تحت الوصاية البريطانية, لتتحول في واقعها إلى محمية بريطانية تحت مسمى “الخلافة الإسلامية”, والتي كانت بريطانيا ووفقاً لاتفاقية “سايكس بيكو”, قد فوضت بها إلى (الشريف الحسين), والتي مازالت السعودية حتى يومنا هذا تنتظر من بريطانيا أن تفي لها بوعودها تلك لتحكم المنطقة, وقد كانت غاية بريطانيا حينها تفكيك الإمبراطورية العثمانية, ونقل الخلافة منها إلى شبه الجزيرة العربية!!

أما عن الأطماع الفرنسية, ففرنسا عادة ما تبدي استعدادها “مضضاً” للتنازل عن الجزء الداخلي من سوريا لبريطانيا, لكنها لا تفعل قطعاً مع طموحها في ترسيخ نفوذها على خط ساحل البحر المتوسط وجبال لبنان. وهنا ومع كل هذه الطموحات, تبدو روسيا مستميتة في الدفاع عن هذه المنطقة, كونها تشكل خط مقاومة أول لها ضد تهديدات دول أوروبا بغية السيطرة على مناطق نفوذها, وبالتالي تحجيم وجود الدب الروسي و الأضرار بمصالحة, وليغدو الاتحاد الأوروبي قوة عظمى له مكانته في النظام العالمي الجديد الذي سيشكله تفتيت الشرق الأوسط الجديد.

فرص وتهديدات

بالعودة إلى الحرب واحتمالاتها, نجد أنفسنا مضطرين لتتناول سيناريو نشوبها, ومضطرين أكثر للنظر في مساحة الكوارث المحتملة التي ستحل بالبلاد العربية والإسلامية حال حدوثها لا سمح الله, بغية العمل على إيجاد مخرج آمن منها. وقياساً على ما سبق يمكننا القول وبأسف أنه ليس ثمة مصالح للدول العربية والإسلامية التي ستخوض الحرب- أو سيتم الزج بها في اتونها- غير ما (أوهمتها) بها الدول العظمى, حيث هي في الحقيقة دول غير ذات شأن بالنسبة لها, عدا عن كونها “مجرد أدوات” للوصول لأهدافها.

وهنا يكون من الضرورة بمكان أن تسعى الدول العظمى لايهام أدواتها بأنها صاحبة مصلحة, و ستجني شيئاً منها, وما ذاك إلا لضمان استمرارها في خوض الحرب واستكمال مخططاتها, ولذا نرى السعودية تستميت في محاولة إسقاط نظام بشار, وتتدخل بعنف في الشأن السوري, وما ذاك إلا لطموح الوعود الملوية والمزعومة, والتي لا نستبعدها أيضاً على المنشقين عن النظام السعودي داخل العائلة المالكة, كما لا نستبعدها اطلاقاً على الأنظمة التي تعاني حروباً أو صراعات طائفية, أو ما شابه, وكما هو الحال في الشأن اليمني, وبأطرافه المتعددة, حيث تكون الدول العظمى مضطرة لتوزيع الوعود والأحلام الوردية على كل الأطراف والجماعات, كما أن الأمر يمضي بالقياس ذاته على الدول المتحالفة نفسها, وفيما بينها البين, وكما هو شأن “لعبة الأمم” وسياساتها التي لا تعرف إلا مصالحها. أما عن أكبر تهديدات الحرب لدول المنطقة فمن خلال أطماع الدول الكبرى, يمكن وبوضوح القول بأن أكثر الدول المتضررة, هي تلك التي ستشكل ساحة صراع للحرب, كسوريا وتركيا ودول الخليج, وبشكل أقل يضاف لها تلك الدول المسيطرة على المضايق والمنافذ البحرية الاستراتيجية, وكما هو شأن إيران واليمن “الجنوب تحديداً” ومصر. وهذا ما يجعل المنطقة على موعد مع سيناريوهات بشعة للتقسيمات, والتشظيات, والمجازر التي سيستميت فيها كل طرف للثأر من الطرف الآخر, ليجد نفسه في نهاية المطاف ضحية للنظام العالمي الجديد, الذي لا يقوم إلا على أنقاض الحروب والدمار.

أخيراً … نتمنى على كافة أطراف الصراع العربية والإسلامية أن تراجع حساباتها, وأن تغلب منطق العقل, وأن تتجاوز مصالحها الضيقة في سبيل المصلحة العامة لكافة شعوب المنطقة ودولها, فهذه الحرب إذا استعرت لن تنطفئ بسهولة, وستأخذ سنوات وسنوات ليهدأ فتيلها.

زر الذهاب إلى الأعلى