العرض في الرئيسةفضاء حر

“رحيل أو اغتيال” بشار الأسد

يمنات

فاطمة باعلوي

يجري الحديث مؤخراً عن محادثات (سورية – سورية), أي بين وفد النظام السوري, و وفود المعارضة, و ذلك لغاية أهداف ثلاثة هي: تشكيل حكومة ائتلافية, و صياغة دستور جديد, و من ثم التوجه نحو انتخابات رئاسية. و يبدو من الأهداف الثلاثة أنها جاءت وفقاً للرغبة و الاستراتيجية الأمريكية, و بإدارة محكمة منها للموائمة بين أهدافها, ومصالح الدول الكبرى في المنطقة, حيث تتوافق رؤية أمريكا هنا مع رغبة الرئيس الروسي الذي قال “إن رحيل الأسد مباشرة عن السلطة قد يسبب فوضى عارمة”, كما يضيف هنري كسينجر في إحدى مقابلاته على الـ CNN بعد استشهاده بمقولة بوتن هذه بأن “على الولايات المتحدة الامريكية أن تعمل من أجل قيام حكومة انتقاليه دون أن يكون ذلك مرتبطاً في بداية الأمر برحيل الأسد عن السلطة”. وهذا هو ذاته ما أشار إليه مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر (زبيخنيو بريجنسكي) الذي قال “إن قرار واشنطن برحيل بشار الأسد كان خاطئاً, حيث لم تقدم واشنطن استراتيجية محددة لذلك”.

من هنا و قياساً على ما سبق يمكن القول بأن رحيل الرئيس بشار الأسد ليس الأولوية القصوى لأمريكا, إلا أنه و بالنظر إلى ما صرح به كبير مفاوضي الرياض “محمد علوش”, والذي قال بأن (المرحلة الانتقالية تبدأ برحيل الأسد أو قتلة), نرى أن هذا الجزم برحيل الأسد يشكل أولوية قصوى, وهو قطعاً لا يعبر عن القرار أو الإرادة الأمريكية, إلا أن هذا التصريح ليس بالشيء القليل لمفاوض يتحدث عن “القتل”, وصحيح أن أوباما اتهم المملكة في تصريحاته الأخيرة بالتطرف والإرهاب, إلا أن السياسة عودتنا أن لا نصدق كل ما نسمعه ونراه, فالرياض تظل “وحتى الرمق الأخير” حليفاً استراتيجياً لأمريكا, وستستثمرها الاخيرة وبكل قوتها لتحقيق مصالحها.

إذن و بالعودة إلى الأهداف الرئيسية للمحادثات نجد أن (بقاء/ رحيل) الاسد يبدو كمسمار مغروس بين تروسها, فهو محل خلاف بل و حرب كونية بين طرفي الحوار الداخلية (النظام/المعارضة), وعلى أرجح الظن أنه أيضاً لم و لا و لن يكون محل اتفاق ابداً بين أطراف الصراع الدولية في سورية (روسيا/إيران), و(أمريكا/إسرائيل), و ذلك لما تشكله سورية من أهمية استراتيجية و تهديد للمصالح القومية لكليهما.

هنا يبرز تساؤل عن طريقة الرغبة الأمريكية لمغادرة الأسد, أتكون (عمودية/ أم أفقية)؟!!, أيرحل الأسد راجلاً أم اغتيالاً ؟!!, و الحقيقة أن الطرف الوحيد- والوحيد جداً- القادر على حسم اجابة هذا السؤال هم حلفاء الأسد, و أقصد هنا تحديداً (ايران/ روسيا), و قد يستغرب الكثير لذلك, إلا أن هذه هي الحقيقة الأكيدة, فأمريكا و جميع حلفاءها في المنطقة (اسرائيل/ الأردن/ تركيا/ايطاليا/السعودية/ قطر) قد استنفذوا جميع محاولاتهم في القضاء على الأسد, و على الرغم من أن أوباما قد صرح بأن خيار الضربة العسكرية على سورية هو الخيار الوحيد المتبقي للولايات المتحدة, و أن هذا الخيار يبقى مطروحاً على الطاولة, و ستكون الضربة محدودة حال استخدامه, و فقط للحد من قدرة الأسد على استخدام السلاح الكيماوي, إلا أن هذا التصريح يظل بعيداً خاصة بعد أن صرح أوباما بأن هناك من يريد جر أمريكا لحرب طائفية في المنطقة, وهذا يعني أن أمريكا لا تنوي-على الأقل حالياً- التدخل في حرب بهذا الحجم الذي تضطر معه لـ اللجوء لخيارها الأخير, (و لربما أن محاذاة إسرائيل لسورية هي أكثر ما يمنعها).

لكن أيضاً من الغباء التسليم بأن نأي أمريكا هذا يعني قناعتها بعدم التدخل في حسم الموضوع السوري, فهي لا تتنفس إلا مصالحها و حلفاءها, و هنا نكون أمام السيناريو الأخير الذي قد تلجأ له أمريكا في إدارة صراع المنطقة, و هو (استخدام الحلفاء) للخلاص من الأسد, ولعل أقرب الأطراف من الداخل السوري الآن هم (تركيا و السعودية), و الثانية تزعم أنها تملك قنبلة نووية, و الأولى توفر دعماً كبيراً لأمريكا, ويضاف لهؤلاء ايطاليا في البحر المتوسط. إضافة لكون الوفد المفاوض قادم من الرياض, وهذا لا يشيء بالكثير من تواضع نية الاجرام و الجريمة تزامناً مع تصريح كبير المفاوضين “محمد علوش” القادم من الرياض!!

قد لا أبدو متفائلة لطموح وفود المعارضة هذه, خاصة و قد تم تجميع شتاتها من كافة أصقاع الأرض, إلا أني تفاءلت لمصيرها بعد الانسحاب الجزئي لروسيا من الأراضي السورية, و هنا أنا لا أعول على المحادثات و لا على أهدافها, و لا على مخرجاتها, لكني أعول كثيراً على حلفاء سورية في حماية الأسد, فسورية تحمي الجميع, و هي الستار الأخير الذي قالت عنه هيلاري كلينتون بأنه “آخر ستار سيقفل على مشروع الشرق الأوسط الجديد”, لذا آمل أن لا تحققوا غايتهم, و سحقاً لربيعهم العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى