العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. تعذيب .. ضرب وتعليق

يمنات

أحمد سيف حاشد

وصلت إلى باب دارنا، و كان أبي في الانتظار .. أقترب مني بخطوات متهادية .. ظننت أن الله رحمني، و ساق في أبي معجزة تغاير ما أعتاد عليه، أو ربما ظننت أن شفقة ما قد اجتاحته أو تفجرت داخله، خصوصا أنه شاهدني حسيرا، أو أسير متعثرا بخطواتي المعاقة، لا أقوى على حمل قدماي إلا بصعوبة و مشقة بالغة، و لكنه باغتني بحركة لم تكن ببالي و حسباني..

فرج رجليه و خفضها، و عطف قامته، و وضع كتفه الأيمن في أعلى منتصف قامتي، و نهض لأجد نفسي معتولا، و معطوفا على ظهره كحرف الواو المقلوب، و يداه ممسكتان بالساقين، و قدماي ترمح كعصفور مذبوح أمام وجهه، و هي مقلوبة و مرفوعة قليلا إلى أعلى من قامته، و رأسي متدلي على ظهره كخروف مذبوح..

كانت حركة أبي بالنسبة لي مباغتة و صادمة .. اجتاحتني نوبة هلع، لاسيما أنني لا أدري ماذا سيفعل بي..؟! و ما عقد عليه العزم..؟! زاوية الاستدارة  التي شهدتها بدت لي استدراة كونية لكل ما هو حولي .. صرت أرى الأشياء من وضعي مقلوبة رأسا على عقب، و مغايرا لما أعتاد الناس رؤيته..!! أدركت أن هناك عقوبة جديدة أكثر وحشية تنتظرني، و لكن لا أعرف ما هي..!!

كنت أصرخ بهلع فاجع و متعاقب دون فاصل، فيما أبي ذهب بي نحو شجرة السدر القريبة من باب دارنا، و كان الحبل عليها معدا و جاهزا لتعليقي .. ربط قدماي بالحبل، و رفعني إلى فرع الشجرة، و رأسي متدليا إلى الأسفل .. كانت هيئتي كشاة مذبوحة عُلِّقت للسلخ و الخلس..

كنت أصرخ و أستغيث ببكاء صارخ يفلق الحجارة، لعل منجد قريب يهرع إلى أبي و ينجدني مما أنا فيه، إلا أن لا منجد وجدت و لا مغيث جاء .. الكبار كانوا يشاهدوا ما يحدث من سطوح بيوتهم و أبوابها بصمت القبور، و ربما طل البعض برؤوسهم من الطيقان و المفارج، فيما فاجئني أبي بالمزيد .. ضرب عنيف بعصا على ظهري و بطني و سيقاني، و لا من يهرع لإنقاذي .. كانت أمي في الجبل، و كان صراخي يشق السماء، و لسعات العصا تنهش في جسدي كذئب جائع ينهش في فريسته..

ربما بدا صراخي أشبه بإعلان مجاني، و دعوة للأطفال و النسوة ليشاهدوا المنظر الذي لم يألفوا و لم يعتادوا على مشاهدته حتى برأس العام أو العامين، بل لم يشاهدوا مثله في حياتهم من قبل .. بدا مشهدا عجيبا يسترعي المتابعة باهتمام و الحرص على عدم الغفلة أو افلات عيونهم للحظة منه .. مشهد لم تعتاد عليه قرانا مهما كان الابن متمردا و عاقا أو حتى مجنونا..

هرع بعض الأطفال إلى مكان قريب ليروا تفاصيل أكثر عن هذا المشهد الغريب الذي يشاهدونه للمرة الأولى .. كان الأطفال يشاهدوا المشهد و كأنه سينما يحضرونها للمرة الأولى، و فلم يشاهدونه لأول مرة، و مجانا دون مقابل .. أما أنا فلا زال المشهد عالقا في ذاكرتي إلى اليوم، و لكن و مع ذلك لا أحمل لأبي اليوم إلا كثيرا من السماح و الغفران..

بعد أن أفرغ ابي جام غضبه، ظللت معلقا على الشجرة حتى هرعت أمي من الجبل لنجدتي و فك وثاقي و جاءت بعد حين غير قصير..

***

يتبع..

ومع ذلك كان الاستاذ قديرا..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى