العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. هوس الجنس في مدرسة بدون اختلاط

يمنات

أحمد سيف حاشد

كان طلاب مدرسة “البروليتاريا” الذي يبلغ عددهم المئات جميعهم من الذكور .. لا توجد طالبة واحده في المدرسة .. تصحُّر أجرد لا يعرف نبتة خضراء أو نسمة هواء عليلة حتى في الثلث الأخير من الليل .. لا نقطة ندى و لا قطرة مطر غير جفاف شديد يصدّع اليابسة ..”لا ماء و لا خضرة و لا وجه حسن” .. لا فرح و لا أمل و لا رجاء .. جدب و جفاف و غُبرة أينما وليت وجهك..

يرى الماضي و المثقلين به أن العزل و الفصل بين الجنسين سلوك قويم تمليه قيم الاخلاق الحميدة، ثم يسترسلون في البسط و المقام حتى تعتلي ما تحت المآزر الرؤوس المعممة بالعيب و الفتاوى الحازمات، فيما نحن نرى السوية في الحياة المتعافية، و المحصنة بالوعي و الاخلاق و حسن التربية..

للاختلاط جذب و تنافس، و تجاوز لموروثنا الثقيل، و تغلب فذ على عقد اجتماعية مستحكمة .. الفصل و العزل يثقلان الكواهل بغربة العصر، و السير إلى الوراء عكس المستقبل الذي نريده و ننشده، و الحياة تحت ضغوط مكبوتات العقد المتورمة بالاحتقان الشديد، و الهوس الجنسي المستولي على التفكير و الشوارد، و الاستحواذ الباذخ على الوعي و الاهتمام، و التنفيس غير السوي، و الانحراف السلوكي المشين، و مغادرة ما يفترض من سوية و حياة طبيعية متعافية..

ليس من السوية أن تنتظر عطلة رأس الأسبوع لتقطع مسافة تزيد عن العشرة كيلو مترات لتختلس نظرة من فتاة تحبها قد تجدها و قد لا تجدها، و الأمر متروك للصدف وحدها، و كانت الصدف بين قليل و نادر..

ليس من السوية أن تحب بكتمان شديد ثلاث سنوات متوالية دون أن تدري من تحبها أين أنت..!! ليس من السوية أن تقضي ثلاث سنوات تحب من طرف واحد دون أن تستطيع البوح أو أن تصل بهيامك إلى من تحب..!

ليس من السوية أن يستحوذ عليك الخجل، و تظل مسكونا به حتى ينبعج جبينك من اكتظاظ الحياء، و تفوتك الفرص تباعا، و حبك الكسيح لا يحصد غير الخيبة و التعاسة و الخسران .. ليس من السوية أن تتمنى أن تعيش مع من تحب ليلة واحدة مقابل أن تحكم على نفسك بالإعدام بثلاثين رصاصة في صباحية غير مباركة .. إنها معاناة مع غريزة مستبدة، و جوع جنسي شديد و فكه مفترس..

لو وجد الاختلاط أقصى ما أتصوره أن يحدث هو البحث عن الحب و السعادة المرجوة .. البحث عن فارسة الأحلام، أو الزوجة المناسبة في المستقبل .. أما و الحال مختلف و العزل قائم، فقد وجدتُ من يقطع الأميال ليمارس الجنس المنحرف مع أنثى الحمار، و بعضنا كان يذهب إلى “السيسبان” ليطفئ عنفوان الجنس المشتعل مقابل أن يدفع المال..

بعضنا يشاهد التلفاز و يتابع المسلسلات و الأفلام، ثم يعيش الدور الذي يتخيله و يخرجه مع الممثلة شمس البارودي أو الفنانة يسرى، فيما كنت أخوض جدلا مع البعض عن أحلى و أجمل النساء حتى انقسمنا الى فريقين، ثم نتجادل حد الاحتدام، و نستعرض مفاتنهن، و نتراهن على الأجمل التي تليق بمشجعها، ثم نبحث عن حَكم فيما أشتجرنا عليه، و من يحكم في غير صالحه يذهب باحثا عن حَكم آخر، حتى ينقسم الحكام أنفسهم؛ ليبحثوا هم أيضا عن حَكم جديد .. من هي الأحلى و الأجمل وردة الجزائرية أم عزيزة جلال..؟؟ و كنت في اصطفاف وردة..

كان حلمنا أن نتعلم و نجد لقمة عيش تعيننا على الصمود في وجه الجوع، و عندما تحقق هذا الحلم صرنا نرى الاختلاط حلم و احتياج .. تطلعات الإنسان لا تنتهي عند تحقيق حلم معين .. فالأحلام أيضا تتناسل كالضوء..

كنا نذهب أنا و صديقي محمد عبد الملك إلى ثانوية عبود لوجود سكن لدى قريب له في حرم تلك المدرسة .. كنت أرى الحرية هناك تنبض بالنور، و الحب و التصالح مع النفس، فيما أنا أعتصر بصمت ألما و غربة و فقدان..

كنت أشعر بأسى جارف و أنا أتذكر مدرستنا “البروليتاريا” التي بدت لي بالمقارنة كصحراء مجدبة و رياح تلفح عيوننا المرهقة بالتراب على مدار العام، فيما مدرسة ثانوية الشهيد عبود في دار سعد كانت تبدو لي أكثر من حلم عصي على التحقيق.

لطالما تمنيتُ أن نقوم باحتجاج نطالب فيه على عنتر و القيادة في عدن بحق الاختلاط أسوة باحتجاج تحسين التغذية، و لكنني كنت خجولا و لا أتجاسر على إعلان رغبة من هذا القبيل..

كنت أتورم بالكبت و أحتقن .. أحاول في وعيي تحطيم كل تقليد و معتقد .. انظر إلى الأمر بحد يتجاوز ألف سنة عما هو سائد .. كنت أريد عالم بفضاءات و مدارات الكون .. عالم غير مثقل بالقيود و الحدود و التقاليد .. إنه فيض من غيض، و من تبعات اشتعالات الجنس المثقل بالعيب و العادات الثقيلة المسورة بالعزل و الفصل بالنار و الحديد..

كنت متطرفا حد الجنون، و ما كان لهذا الجنون أن يكون لولا احساسي بهذا العيب المستبد، و القمع الاجتماعي الصارم، و الكبت الكبير المحتقن .. أشهد لصديقي محمد عبد الملك اتزانه مقابل أفكاري التي تطرفت، بين المطرقة و السندان و نار رغبات الجنس المكبوتة و الثائرة على واقع يثقله العيب..

درست و تخرجت من الثانوية العامة في مدرسة البروليتاريا عام 1981 بنسبة 82% و لم يكن الحصول على هذا المعدل يومها أمرا يسيرا و هي نسبة كانت تؤهلني لمنحة دراسية في الخارج، و لكن كنت أيضا خجولا و قليل “المعرفة” و لا يوجد لي معينا أو سند.

***

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى