العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. جائزة تنحني لها السماء

يمنات

أحمد سيف حاشد

• على نفس النهج تعاطيت مع التفوق وما دونه.. اجتهدت وثابرت حتى أحرزت المرتبة الأولى في دورة الصاعقة، وتم تكريمي من قبل نائب رئيس هيئة الأركان العامة آنذاك عمر العطاس.. استلمت جائزتي يوم التخرج، وكانت عبارة عن ساعة يد، أحسست أنها تنبض في قلبي وهجا ونور.. تتمدد في كياني كأسطورة أنتصر في نهايتها البطل.. طوفان الفرح غمرني وغمر كل أرجائي.. لمعانها خطف قلبي والبصر.. مشرقة كالشمس بهية كالقمر.. فرحت بها كما يفرح الأطفال.. فرح الطفل مجرّب لدي لا يضاهيه فرح.. لازال يسكنني كثيرا من ذلك الطفل إلى اليوم..

• تذكرت فرحة شبيهها حالما أحرزت المرتبة الأولى في دفعتي بالكلية العسكرية.. كما تذكرت فرحة طلتها وأنا طفل حالما أهداني أبي ساعة الصليب.. لم أنام ليلتها من شدة الفرح، حتى خلت نفسي وساعتي مركز هذا الكون العظيم..

• قيمة الجوائز لدي بعظمتها، وأول العظمة جدارة استحقاقها ومستحقيها.. أحسست وأنا أستلم تلك الساعة الجائزة وكأن السماء هي من انحنت وناولتني إياها.. كأنني سمعتها تقول لي: نال ما تريد من الفرح فأنت تستحقه بجدارة.. أنت من صنعت نجوميتك لا أحد سواك.. أحسست وكأنني قطفت الثريا من أقاصي المجرة باقة ورد وأزهار في ليل حلوك.. ما أجمل أن تشعر أن السماء تنحني لك لتقطف منها الفرح، وهي تبتسم وتباركك بالفوز العظيم..

• عظمة الجائزة ليست بقيمة الذهب، أو بكنز نلته بما لا يستحق.. عظمة الجائزة هي فيما نلته بدم القلب وعصف الذهن وعرق الجبين.. جائزتي مهما تواضعت فهي أعظم من الجوائز العابرة للحدود، التي تُمنح بالمال ودمامة السياسة وخراب الأوطان.. ليس كل من مُنح جائزة يستحقها، أو على حد تعبير الكاتب والصحفي المصري الساخر جلال عامر: “في هذه البلاد، البعض يستحق “الجائزة” التي اقترحها “نوبل”، والبعض يستحق “البارود” الذي اخترعه.”

***

• في هذه الدورة العسكرية أمعنت في تعلم أهمية الجلد والصبر والمغالبة والانتصار.. تعلمنا كيف نصارع الموت في عمق أرض العدو، بعيدا عن خطوط النار في خط التماس.. كيف نشتبك بالسلاح الأبيض عندما تنفذ ذخيرتك، وتعتمد حياتك على قدرتك في الدفاع عن نفسك وأنت وحدك.. كيف نشتبك مع العدو وأنت أعزل بلا سكين ولا أداة، وكيف تقاوم حتى الرمق الأخير ولا تُسلم ولا تستسلم..

• تعلمنا كيف نعبر الوحول والمستنقعات، عندما يكون العبور ضرورة أو مصلحة لأفرادك وقواتك، وقبل ذلك قضيتك السامية.. تعلمنا كيف تأكل عندما لا تجد ما تأكله لتعيش.. كيف تفترس الأرانب والضفادع، وتأكل الثعابين لتنقذ نفسك من هلاك محقق بالجوع.. وبين الأمس واليوم مدى.. اليوم بتنا نصارع التوحش والديناصورات والضباع الكثار..

• تعلمنا كيف نكسر المستحيل ونحوله إلى ممكن وانتصار.. كيف نكون أوفياء للوطن والأرض التي ننتمي إليها.. كيف ننتصر لها عندما تحتاجنا وتستغيث بنا، ولا نبخل عليها بدمائنا وأرواحنا.. ولكن قبل كل ذلك كنت قد تعلمت أن عدالة القضية أولا، وهي الأهم..

• لازال صوت الفلسطيني أبو فراس يرن بإذني ووجداني في حلبة الاشتباك وهو يقول :”أوصل شريانك للأرض عندما تعطش هذه الأرض وتحتاج تضحيتك.. لا تتردد ولا تبخل أن تسقيها دمك” وبعد عام أو أكثر علمت أنه أستشهد في لبنان بإحدى المعارك مع المحتل.

***
يتبع..

زر الذهاب إلى الأعلى