العرض في الرئيسةفضاء حر

ارشيف الذاكرة .. الحب الناقص نصفه .. حينما تتمنى أن تبلعك الأرض

يمنات

أحمد سيف حاشد

كنت أعيش مشاعر متناقضة كموج بحر يتلاطم، و يعترك مع شاطئه الصخري الصلب، أو طقس مضطرب و منفلت و منقلب مجنون .. كزوبعة الجن، و دوامة بحر تركض و تدور كحال رجل تلبّسه شيطان في نوبة غليان .. و في أحايين أخرى أشعر بالضيق، كمعتقل في زنزانة أضيق من قبضة يد، ليس فيها فسحة أو منفس لأجمع أشتاتي و شوارد أفكاري من أرجاء التيه..

مضطرب و متناقض بين الفعل و ضده .. بين الإقدام لطلب اليد، و تردد اكبر منه .. زحام من حزن، و فرج يشق طريق الضيق .. حصار يسد الطرقات، و أمل في وجه جدار اليأس يحاول أن يحفر فيه منفذ للنور .. و تضيق الجدران أحيانا حتى تلتصق بي، و تريد أن تنفذ إلى تحت الجلد، فأبدو كمصاب بلوثة أو نوبة أو مرض الصرع.

حالما ألمحها أشعر بقلبي يقفز من بين ضلوعي كعصفور يخرج من قفصه، أو إنسان حر يتحرر من زنزانة التصقت به .. أبتهج بمقدمها كل صباح، و أرقص على إيقاع خطوات الحلم الراقص، و تشتد لحظات إرباكي، و تظهر جلية في السطح العاري، و أنا أحاول بكل قواي أداريها عن الأعين، و قد صارت أكبر مني .. أخفيها في جب البئر .. أخنقها في أحايين أخرى، أو أقمعها كطاغية أو دكتاتور..

عندما تعرض عني، و لا ترنو لي بطرف العين، أشعر ببعثرتي و تشظي الروح، و تناثر أشلائي و رجائي في كل الأرجاء .. و بحزن يضرب في بالغ أعماقي و الوعي، و أرى قلبي قد ذُبح كعصفور، أو إبريق صار شظايا، أو كأسة أنيقة كانت تطربني، وقعت من سطح عالي، و ارتطمت بقاع صلد..

كنت أريد أصارحها بحبي الجم، و رغبة تعصف بي، و طلبي لعقد قران، و زواج يدوم العمر .. و لكن كنت أتأنِّي لألتقط رد إشارة تساعدني على استجماع شجاعتي من أطراف الأرض؛ لأكون جريئا بعد الآن .. و عندما لم أجد ردا أو بُدا أتردد خجلاً، و الخوف يقمعني من أن ترفضني، و هذا الرفض كنت أراه سحقا للعمر الباقي .. داء لن أتعافى منه بدواء أو بإكسير السم .. و لن تخرجني منه حتى قيامة..

في إحدى المرات كانت تؤشر نحوي باليد اليمنى، و أنا شغف شارد في عالمها، متسمر في وجهتها، أنظرها بولع الحب الجارف .. بدت إشارتها صارخة الاستدعاء .. إيماء لي بوضوح أن آتي إليها..!! كانت حركة يدها كبرق في ليل مسود .. كاد قلبي يقع أو يسقط دهشة .. يا هول مفاجأة أكبر من قدر قادم ببشارة .. نبوءة في حلكة جهل أسود .. ولادة أمل مثل الشمس في وجه اليأس المعتم .. تسألتُ: هل يمكن يا الله أن يكون عبوري للضفة الأخرى بهذا اليسر..!! ما أسعدني يا هذا الحظ..!!

حبيت أن أستوثق أكثر من باب دفع الاستسهال، فيما كان قلبي يطير فرحا في العالي .. أردت أن أتأكد ما بات في ذهني مؤكد، ظنا مني إن الأمر يلزمه بعض رزانة، حتى لا أبدو أخف من الريشة في الريح .. رديت بإشارة من يدي المرتجفة بالشوق اللاعج، أستفسر إن كنت أنا المقصود بإشارتها .. فتبين إن إشارتها ليست لي، بل لزميلاتها الواقفة خلفي .. في تلك اللحظة تمنيت أن تنشق الأرض و تبلعني مرات عشر .. تمنيت أن يخسف بي الرب و بالأرض التي تحت أقدامي إلى سابع أرض..

أوغلت في منطقة الحيرة، و ترددتُ أكثر .. داهمني الظن العارم إني أحرث في بحر .. ظننت أن الرفض سيكون سيد موقفها، أما لغياب الود أو لفوارق طبقية .. فضلا عن مانع آخر؛ فأنا أكبرها في العمر بعدد أصابع يد تخنقني بعد أن عاجلني الزمن ليضع الفرق خمسا أراها أكبر من عمر الشمس .. و أنا لا أستحمل رفضا يسحقني و يهزمني لآخر يوما في العمر .. لا أريد أن أتهور فتطويني كالرمة و ترميني بكبر، أو تكسرني كزجاج لا يعود لسابق عهده .. تحاشيت كسرا لا يجبر ضرره حوريات الله في الجنة..

يتبع..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى