العرض في الرئيسةفضاء حر

سامحيننا عن كل هذا الخذلان..؟!

يمنات

ماجد زايد

أنا أسف يا إنتصار الحمادي. أسف بحجم جروحنا وخوفنا وأوجاعنا المتكررة رغمًا عنا، بحجم هذا العالم البعيد بينما يشاهدنا منذ سنوات ولا يحرك ساكنًا نحونا، أسف يا عزيزتي لأننا تركناك لمصيرك المصنوع بلا رحمة.. أسف أكررها بقلبي، وأعيدها من قلبي عن جور ما يجري هنا. هكذا يبدو وطننا كل عام يا إنتصار.. هكذا نحن وهكذا يبدو شكلنا وحياتنا، الموت والخوف والإعتقال يغشى كل شيء حولنا، وحين يأتي الصباح يكون متفاءلًا ويتمنى القدوم إلينا، لكنه لا يلبث كثيرًا حتى يعود بشكله الميؤوس منا..

أسف، أقولها بوجع وغصة، كأن الحياة هنا جدارًا بعج بالحياة المهزومة.. ولقد هزم كل شيء في حياتنا.

أسف يقولها الشعب اليمني عن بكرة أبيه، هذا الخذلان ليس منا، وليس من عاداتنا، ولم نخلقه بإرادتنا، لقد صنعه المتحاربون فينا، وذهبوا يتقاسمون تفاصيله من دماءنا، لقد أهلكونا وأعدموا رغبتنا في البقاء، لقد جعلونا عالة على أنفسنا وبيوتنا، عالة تائهون بلا أمل، وبلا عمل، وبلا غاية ولقمة عيش أو وطن.. مجرد قطيع يموت كل يوم من الحرب والجوع والخدلان والكثير الكثير من الموت المصنوع بعناية بالغة الدهاء..!

لم يكن -هذا الوطن- وطننا.. ليس هذا ما يجب أن تعرفينه أبدًا.. ليس كل شيء عن حياتنا أو شكلنا، ليس هذا أكثر من قبح الأخرين بينما يحولون حياة الملايين هنا الى لعنة لا يمكننا الخلاص منها.

كان وطننا جميلًا، أنت تعرفين هذا، كان برائحة البن والياقوت والأزهار، سعيدًا وبهيًا ويشبه شكلنا البسيط في ملامحة المتلهفة للحياة والسعادة، كانت الدنيا في سلام ووئام، وعلى ما يرام، كان العالم يعرف عنا الخير والسعادة والطيبين، كان الجميع يأتون إلينا من كل زمان ومكان، كانت قرانا ومدننا مزارًا للمتجولين الهاربين من ضيق العالم وشقائه، كان الجميع يهربون الى سعادتنا صدقيني، ويتجرعون منا سعادة لا تكاد تنتهي، كان وكان وكان، ولكنه صار من عالم الخرافات..

أنا أسف با إنتصار..أسف مجددًا ومجددًا.. أسف الف مرة.. أسف كل يوم. لا أملك ما أصنعه غير الأسف والمزيد من الأسف، لقد بكينا الف عام من القهر والندم، أنا أسف الف عام بحجم ذلك القهر والندم المتجول فينا كل يوم.. أسف، وخائف بعد كل شيء، أقولها بصدق.. خائف حقًا، الجميع يحذرون الجميع من البقاء هنا، هكذا يقولون ويعيدون، وهكذا أصبحنا وأصبح واقعنا المشؤوم، عذاب لا يمكنه أن يذهب، شقاء لا يطاق ولا يكتب، أيّ مصير هذا الذي وقعنا فيه جميعًا..؟! لا أحد منا يدري.. لا أحد..!!

العمر إنتهى ويمضي ونحن مجرد خاسرين ومنبوذين ومشكوكين، وكل يوم نتذكر فيه الأخرين، ثم نهرب، ونعود، وننسى، ونتساءل في نهاية عودتنا كل بوم.. كيف وكيف سيذهب هذا اليأس ويعود الوطن؟! كيف سيكون مصير الخائفين والحالمين في هذا المكان الأخبر؟! هل ستتحقق أحلامنا ذات بوم؟!
لا أدري..
لا أدري حقًا..

أرجوك سامحيننا عن كل هذا الخذلان..؟!

زر الذهاب إلى الأعلى