العرض في الرئيسةفضاء حر

أسرار الأرقام .. رقم النزاهة..!

(2)

أسرار الأرقام .. رقم النزاهة!

أحمد سيف حاشد

في نهاية عام 1981 تم قبولي في الدفعة العاشرة بالكلية العسكرية، وحصلتُ على رقم (573/10)، وكان مثل هذا الرقم يشير إلى أن الملتحق بالدفعة العاشرة منتمي لحركة التحرر الوطني، فيما الطلاب الذين ينتمون لليمن الديمقراطية كانوا بأرقام عسكرية داخلة في قوام أرقام القوات المسلحة لليمن الديمقراطية، وهي أرقام مختلفة عن أرقامنا، وجلها أرقام تدخل في عدد الواحد والسبعين ألف وكسور..

كان المساعد “المقط” يدهشنا بحفظ أرقام طلاب الدفعة، وكان في طليعة من يحفظهم هم المخالفين، فإن ارتكبتَ الطالب مخالفة أو حتى تأخرت ثواني عن الطابور ووقعت عليك عقوبة، تكون قد دخلت في رأس “المقط”.. الحقيقة لا أعرف ماذا يعني اسمه هذا أو لقبه! ولكن ربما كان له من اسمه نصيب.. كان الطلبة في الدفعة يعرفون بعضهم بأرقامهم ربما أكثر من أسمائهم.. وكان اختلاف الأرقام، لا يمس بحال الحقوق والواجبات، أو أي شكل من أشكال التمييز من أي نوع كان بين طلاب الدفعة في الكلية..

اعتبرت هذا الرقم (573) رقم فال حسن، وخصوصا أنه أرتبط عند تخرجي من الكلية بإحراز المرتبة الأولى في الدفعة، وهو رقم معناه بالنسبة لي أنه لا يُنسى، رغم أنني كثير النسيان للأرقام، وقليل الحفظ لها، ولا اهتم كثيرا بها.. لقد نسيت مرارا تاريخ ميلادي، ولم اهتدِ إلى صحيحه، ولم أتم توثيقه على نحو صحيح إلا قبل سنوات قليلة، وأدّى هذا الاضطراب والتضارب إلى فشلي في استعادة كثير من حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” التي تم اغلاقها بسبب البلاغات الكاذبة من الجيوش الإلكترونية التابعة لأطراف الحرب والصراع، وكنت كل مرة أفقد الآلاف وعشرات الآلاف من المتابعين..

كنت أظن أن رقم (573) هو رقم فال حسن.. وزائد على هذا كنت استحضره في إنشاء كلمات السر الخاص بي، حتى على مستوى كلمة سر التلفون.. ربما أيضا في اختيار أرقام الحظ على أمل أن يأتي من الحظ أحسنه، وأكثر من ذلك وجدتُ نفسي أحشره في توقيعي بالتوفير البريدي قبل الوحدة، بل وإلى اليوم محشورا في زاوية من إحدى توقيعاتي البنكية، فيما يخص ايداع وسحب النقود..

لقد تعاطيت مع هذا الرقم باهتمام، وكأنه بعض من شيفرة دافينشي التي تناولها داون براون في روايته تلك، أو كرقم حظ خاص بي منحني إياه فلك أو قدر من خلف الحُجب.. ورغم ذلك وجدته في الحقيقة والواقع غير جالب لأي تفوق في المال، بل وجدتُ نفسي وعلى نحو مستمر فاشلا جدا في مراكمته، بل وقد صرتُ مدين أو غارق في الدين..

***

في ذروة رواج وانتشار صحيفة “المستقلة” الورقية كان حسابي البنكي نشط في السحب والإيداع وعلى نحو شبه يومي، ولكنه لم يعرف تراكماً يصنفني بأي حال من الأحوال برجل مال واعمال.. لم يتضخم رصيدي يوما حتى إلى الحد الأدنى في تأمين بعض مستقبلي من الفقر، بل تعايشت مع الفقر أكثر ما تعايشت مع الحال المقبول لعيش كريم، أما اليوم ولسنوات خلت فقد صار وضعي المالي أصعب وأعقد، وصار معه أرباب الابتزاز الغارقين في الدم أكثر رعبا وبشاعة..

***

في عهد حكومة “الوفاق” والتي كان لحزب الإصلاح النفوذ الأكبر فيها، أثير اللغط وانتشرت الاشاعات الكاذبة عن ممتلكاتي وحساباتي البنكية في إبريل 2012 وعندما تم استضافتي في منتدى الراحل عمر الجاوي في 18 إبريل من نفس الشهر والعام، بحضور عشرات المثقفين والصحفيين والحقوقيين، فاجأتُ الجميع بكشف ذمتي المالية، مدعومة بالكشوفات البنكية التفصيلية، وأكثر من هذا نشرتُ ذمتي المالية للرأي العام في صحيفة “يمنات” الورقية بعد أسبوع، في الصفحة الأولى وبالبنط العريض عنوان تضمن تحدِّي الاحزاب والمسؤولين ان يحذون حذوي، ولكن لم يجرَ أي منهم على فعل ما فعلته، وكنت أقصد على وجه التحديد حزب الإصلاح التي روجت بعض صحفه لتلك المزاعم العارية من الصحة، وكذا أحد الناشطين الحقوقيين المشبوهين الذي يلعب بالبيضة والحجر، وصار في حكومة هادي وزيرا “حقوقيا”، ثم سفيرا مقيما في دولة تطل على بحر الظُلمات، يشكوه من هناك طلبة اليمن، ويتألمون منه ويحتجون عليه..

وفي عهد “الحوثيين”، وعندما كنت أجوع وأتقشف أنا وأسرتي والعاملين معي، وألعن الاحتلال والعدوان والحرب، كانت مخابراتهم ودوائرهم الأمنية وبسرية تامة تبحث عن حساباتي وأرصدتي في البنوك.. شعرت منهم حينها بالخساسة والوضاعة، رغم وضوحي معهم وصدقي وعفة يدي..

بحثوا ولم يجدوا إلا ما هو صادم لسوء ظنهم.. كانت خيبة كبيرة، وكانت الحسرة وحدها هي التي تقذف بأرقامها في وجوههم.. لم يحصدوا إلا لعنة ستظل تلاحقهم حتى يسقطون، وقد سقطت سمعتهم التي كانت يوما في أعنان السماء، وستسقط سلطتهم في مدى لن يطول، وما كانوا ليستمروا إلى اليوم لولا الحرب، وأكثر منها رداءة وقبح أطرافها وداعميها..

عندما ألتقيت بمهدي المشاط عقب توليته رئاسة المجلس السياسي، ومحمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية، عاتبتهم بمرارة أن يبلغ الأمر بأجهزتهم الأمنية هذا الحد من سوء الظن، لم يردا وكنت حريصا أن ابلغهم أنني لا اطلق الكلام على عواهنه، ولا ألقيه عليهم جزافا، ولكنني أتحدث عن معلومة أكيده..

ورغم خيباتي السابقة واللاحقة في هذا الرقم (573) وتوقيعي المحشور به حشرا، ولاسيما فيما يخص تراكم المال، إلا أنني اعتز به لأنه بقدر ما كان عنوانا للتفوق الدراسي في الكلية، كان أيضا ولازال إلى اليوم عنوانا لتفوق النزاهة، وهي أكثر ما أعتز بها أمام النهابين واللصوص والفاسدين الأولين والحاليين الذين مارسوا كل هذا بفجاجة وطغيان..

***

لا اعتقد بالأبراج، ولكن أجد نفسي أتابعها وأتابع بعض المعتقدين أو القائلين بها.. أهتم ببعض التنبؤات والتوقعات كانت فلكية أو غيرها.. أتابع بعض أصحابها أمّا بدافع الفضول أو القلق أو البحث عن العجب، أو حتى بشغف المعرفة لعلها بقايا علم قديم، غير أنني أجد فيها ما يصح، وما لا يصح، وما هو محض باطل وهراء..

أتعجب أحيانا حينما تصيب الأمر في مكمنه، أو يكون فيه مقاربة لما قيل، وأرتاب في أحايين كثيرة، وأعتقد أنها لا تتعدى أن تكون مجرد تخمينات وتمنيات أو احتمالات وظنون، غير أن الصدفة ربما تجد فيما قالوه نصيب..

ربما بعضها تأتّى من اجتهاد وتحليل، وبعضها جاء في سياق الممكن والاحتمال، وربما مجرد تأويل لما قيل على وجه من الوجوه.. وأحيانا أذهب إلى البعيد ويعتريني الشك إن بعضها مجرد تسريب مخابرات تخدم جهتها، أو دعاية تعلو من شأن أو جهة، أو إحباط موجة ضد مقام أو توجه، أو نحو ذلك، مقابل عطاء ورشوة..

لا أهتم ولا أبحث في أسرار الأرقام، وإن ظننت يوما أن للكون رسائله.. ربما وجدت في الأرقام ما هو محيّر وغامض؛ ليبقى سؤالا حائرا عالقا بالذاكرة، وربما لا أجد له جوابا غير غموض ملتبس، أو أمر يكتنفه جم حيرة، ولوقت قد يطول دون جواب أو قطع أو جزم.. وربما ظننت يوما إن رقم ما ترسخ في الذاكرة لسبب ما يكون مدعاة للتفاؤل وجلب الحظ والسُعد..

***

لقد سافرت إلى المغرب في أكتوبر 2013 لحضور ورشة عمل مع الأستاذ نائف حسان ناشر ورئيس تحرير صحيفة الشارع بدعوة من منظمة الشفافية الدولية حضرها منافحون عن الشفافية والنزاهة، وناشطون في مكافحة الفساد من مصر واليمن وفلسطين والمغرب.. وعقب انتهاء الورشة أردنا أنا ونائف زيارة مدينة فأس وطنجة المغربيتان..

قطعنا تذكرتين في رحلة قطار من الرباط إلى مدينة فأس.. اصطففنا في الطابور لقطع التذاكر.. وصلنا إلى شباك التذاكر مع بعض وكان رقم التذكرتين بمقاعد القطار 35 ، 36 وفي فأس تكرر الحال في التذكرتين والمقعدين في القطار من فأس إلى طنجة.. لفت نظرنا هذا التكرار.. ربما فرضية الصدفة كانت حاضرة لدينا دون أن تبدد ما لدي من إحساس الغموض والغرابة..

وفور نزولنا من قطار فأس طنجة في محطة القطار؛ قلت لنايف: الأن أنا من سيحجز تذاكر العودة من طنجة إلى الرباط، أريد أن أستوثق هل هي صدفة لا أكثر.. مستحيل أن يتكرر المشهد للمرة الثالثة.. وكان هو أيضا برفقتي عندما قطعتُ التذاكر..

قطعتُ التذكرتين وإذ بالدهشة بدت لي صاعقة.. فقد تكرر معنا الرقم 35 ، 36 للمرة الثالثة غير كل الناس، مع زيادة على الأرجح رقم آخر من الشمال.. غرقت في استغرابي وأنا أأوكد أن الصدفة يمكن أن تكون مرتين لا ثلاث.. لم نجد تفسير منطقي ممكن لما حدث.. لازالت حيرتي قائمة إلى اليوم من هذا التكرار الغير منطقي، ولم أعرف منها إشارة أو رسالة هذا الكون إن للكون رسائل وإشارات..

***

زر الذهاب إلى الأعلى