تحليلات

محسن والحوثي وأمن المملكة.. محمد المقالح

يمنات – صنعاء

اذا صح ما يقال في الغرف المغلقة بان بعض دوائر القرار في السعودية لا تزال متمسكة ببقاء اللواء على محسن الاحمر في قيادة الجيش والسلطة لا لشيء الا لانه -كما تقول الاشاعة – الشخص الوحيد في الدولة والجيش القادر على مواجهة قوة وتوسع جماعة الحوثي ومنع او الحد من اي خطر قد يتسبب به تواجد الحوثي في المناطق الحدودية على امن واستقرار المملكة.

اذا صحت هذه الاشاعة التي يتم تداولها منذ قرارات الهيكلة الاخيرة وما قيل عن تمنع او رفض محسن لها فانا مستعد ان اقسم لهؤلاء المغفلين وبأغلظ الايمان ان هذه هي اكبر كذبة في التاريخ وانها لا يمكن ان تنطلي على اي انسان عاقل لا في اليمن ولا في السعودية حتى ولو كان بدرجة ذكاء اقل.

 

العكس هو الصحيح تماما اي انه لا يوجد شخص اخر اوصل جماعة الحوثي "نصار الله" الى ما هم عليه اليوم من القوة والمنعة ومن سعة الانتشار والتأييد الشعبي لهم ولمظلوميتهم ولقضيتهم اكثر من شخص "محسن" نفسه وحلفائه وحروبه القذرة على ابناء صعدة والمحافظات المجاورة.

وبالتالي فان اي محاولة للإبقاء عليه نافذا في العهد الجديد لن يعمل شيئا سوى توسيع قاعدة الرفض والاعتراض الشعبي اليمني على الوضع الهش القائم وعلى كل الاطراف التي تصر على اعادة انتاج رموز الاستبداد والفساد والقهر التي صبغت نظام صالح وتفجرت على خلفيتها ثورة شعبية عارمة لا تزال تداعياتها ترسم معالم الحاضر والمستقبل والى اجل غير منظور .

التاريخ القريب لـ"محسن" يقول وبما لا يدع مجالا للشك انه وفي كل مرة كان يخوض فيها محسن حربا ظالمة وغير مبررة على صعدة كانت جماعة الحوثي تخرج منها اكثر قوة واكثر انتشارا وتوسعا والى درجة ان الحرب الأخيرة وهي الحرب السادسة كانت قد جرت كل معاركها تقريبا خارج نطاق محافظة صعدة وفي حدود محافظات اخرى مجاورة "حرف سفيان عمران- الملاحيط حجة- برط الجوف"

 

والمعنى ان الحوثي الذي بدا في الحرب الاجرامية الاولى محاصرا في منطقة محدودة من مديرية حيدان هي "مران" لم تنتهي الحرب السادسة الا وقد سيطر مقاتلوه عل كل مديريات صعدة الخمسة عشر ما عدى واحدة هي مديرية كتاف التي لم تشن الدولة هجوما عليهم في تلك الحرب انطلاق منها وان كانت الجماعات الارهابية قد قاتلت الحوثي لاحقا من مديرية كتاف نفسها.

على ان الاهم من ذلك هو ان الحوثي الذي لم يكن له تواجدا كبيرا في المديريات المحاددة للسعودية اصبح في الحرب السادسة هو الطرف الوحيد المتحكم سلما وحربا في تلك المديريات التي انسحب منها الجيش او تفككت وحداته على خلفية معارك الحرب السادسة وهي مديريات "غمر- وشدا- ورازح- و الظاهر" وهي تقريبا نفس المديريات التي دارت فيها معظم معارك الحرب السادسة وكانت ولا تزال تمثل اهمية خاصة لكل من اليمن والسعودية من الناحية الامنية والعسكرية بسبب كثافة سكانها وتداخل العلاقات الاجتماعية بين المواطنين على طرفي الحدود واي اختلال امني فيها عادة ما ينعكس سلبا على امن واستقرار السعودية وهو السبب عينه الذي جعلت منه السعودية او بعض دوائرها سببا لمشاركتها في الحرب الاخيرة الى جانب القوات اليمنية.

 

الحرب السادسة نفسها هي ذاتها- وكما اسلفنا – الحرب التي اضطرت فيها السعودية ولأول مرة منذ الحرب بين "الجمهورين والملكيين" في منتصف ستينات القرن الماضي ان تشارك مباشرة في الحرب او الحروب اليمنية وبدون وسيط يمني بل عبر طائراتها ودباباتها وصواريخها وجنودها وداخل حدود السعودية نفسها وعلى مدار اكثر من شهرين وهو ما تسبب لها بحرج كبير واظهرها غير قادرة على عمل شيء ليس فقط امام مقاتلين محدودي التسليح والتدريب من ابناء اليمن ولكن امام شعبها ايضا، وهو مالم تكن بحاجة اليه لولا ان ادواتها اليمنية ومن تدفع لهم الاموال الطائلة قد فشلوا في عمل شيء لحماية نفوذها وامن حدودها او للحفاظ على مصالحها المزعومة في اليمن ما اضطرها ان تدخل بنفسها ضنا منها انها ستحمي امنها ونفوذها عبر البوابة الجنوبية.

لقد ثبت للسعودية نفسها ان قوى النفوذ من المشايخ والضباط هم من ورطها في تلك الحرب اليمنية اليمنية على خلفية تقارير وبيانات مكذوبة قدمت اليها والى اجهزة استخباراتها من قبل ضباط امن وجيش واجهزة عسكرية وامنية يمنية تدعي انها احرص على امن السعودية من السعودية نفسها وهو ما تأكد خلافه ويتأكد خلافه كل يوم.

التاريخ القريب اذا يقول بوضوح ان دعم "محسن" وحلفاء محسن ماديا ومعنويا من قبل السعودية في حروب صعدة السابقة ولمواجهة نفوذ وتوسع الحوثي لم يكن له من فائدة تذكر في حماية مصالح السعودية وامنها كما يزعمون اليوم بقدر ما ساهم في تهديدها وجعلها اكثر قلقا وتوجسا من تطورات الاحداث على حدودها الجنوبية وبدلا من اضعاف من تم تقديمهم من قبل المتاجرين بالحروب على انهم خصومه السعودية والتعهد بإبعادهم اكبر مسافة ممكنة من تماس مناطقها الحدودية.

خلق "محسن" وحروب محسن "عدوا" جديدا للسعودية لم يكن بحسبانه ولا بحسبان السعودية من قبل بل وجيء به مسلحا وعبر الحرب غير المبررة الى المناطق المتاخمة لها بعد ان كان وجودا اجتماعيا طبيعيا ومتداخلا مع ابناء المناطق المجاورة في الطرف الاخر ليس هذا وحسب وبدلا من ابعاد "انصار الله" من الحدود السعودية تم ابعاد وتهجير وبسبب تلك الحرب – الفضيحة – مئات الالاف من المواطنين السعوديين من قراهم في اكبر عقاب جماعي عرفته المناطق الجنوبية السعودية منذ الحروب الاولى لتكوين الدولة السعودية الثالثة وهو ما سيتسبب بقلاقل ومشاكل امنية واجتماعية في كامل المنطقة الجنوبية للسعودية على خلفية التهجير القسري لمئات الالاف من المواطنين الجنوبيين.

واذا كان هذا الوضع البائس في علاقة السعودية باليمنيين هو ما افرزه دعم السعودية في الماضي القريب لمحسن ولبقية امراء الحرب والقوى القبلية والعسكرية النافذة من خارج مؤسسات الدولة اليمنية فان القول بان دعم هذه القوى اليوم وبعد تلك التجربة الطويلة والمريرة سيؤدي الى نتيجة افضل لا يعني سوى ان اشقائنا السعوديين واجهزتهم الاستخبارية المتخبطة لا تستفيد من عبر التاريخ ولا تعمل لصالح امن واستقرار بلدها بقدر ما تعمل – للأسف – على تخريب امن واستقرار جيرانها ولو ادى ذلك الى تخريب امن واستقرار بلدها نفسه.

 

على السعودية واجهزتها المختلفة ان تتذكر جيدا طبيعة العلاقة التفاعلية -ايجابا- بين ابناء صعدة وبقية المحافظات المحاددة قبل حروب صعدة الستة وقبل بروز اللواء علي محسن صالح قائدا للمنطقة الشمالية الغربية والذي ما ان عين حاكما وحيدا وحصريا للمحافظات الخمس الشمالية والغربية حتى اهتز استقرار تلك المناطق وانتشرت الحروب والصراعات وجماعات الارهاب القاعدي وعصابات المخدرات والتهريب بكل صوره واشكاله..

وهو ما كان ولا يزال ينعكس كله على الوضع السعودي مباشرة مثيرا للقلق والمخاوف لدى حكام الشقيقة غير انه وبسبب عدم التوقف امام اسباب وجذور هذه المخاطر من ناحية وبسبب العمى الذي عادة ما يصيب قرارات السلطات "الشخصية والانطباعية" في دوائر صنع القرار لدى "المملكة العجوز " كانت هذه المخاوف ولا تزال تعكس نفسها على هيئة سياسات وتوجهات خاطئة لا تزيل القلق والتوجسات الامنية من الوضع في اليمن بقدر ما ترسخها لا بل انها تدافع عمن يثيرونها او يتسببون بها وتدفع لهم اموالا وامكانات ونفوذا دون اعتبار او استفادة من تجارب مريرة جراء مثل هذه السياسة التاريخية العرجاء في التعامل مع امثال هؤلاء ومع اليمن عموما..

 

ينبغي القول ايضا ولمن يريد ان يعتبر ايضا انه وبعد ثورة شعبية تفجرت في صنعاء في 11فبراير 211م وفتحت بتضحيات شبابها ميادين جديدة للشعب اليمني الاعزل للتأثير على سلطته السياسية "وجودا وعدما وضعفا وقوة" يصبح المراهنة او الاعتماد على قوى وشخصيات مستهلكة عمل اخرق ولا علاقة له لا بالسياسة ولا بالأمن والاستقرار المنشود او المفترض.

هل نقول ايضا بأن اهم هداف ثورة 11فبراير 2001م الشعبية هو اسقاط رموز نظام الرئيس صالح وعلى راسهم محسن ومن اماثله من رموز الاستبداد والفساد من آل الاحمر وغير آل الاحمر من ناحية واستعادة السيادة والاستقلال للقرار الوطني اليمني من ناحية اخرى، وهو ما يجعلنا نؤكد وباطمئنان كبير: كلما بقي محسن وبقيت رموز الفساد والاستبداد للنظام "القديم- الجديد" مهيمنة على الجيش وساطية على مؤسسات الدولة من خارجها كلما استفز ذلك مشاعر الشعب اليمني وقواه الوطنية الحية و كلما ساهم وجودها وتسلطها ليس فقط في توسع وانتشار جماعة الحوثي وكل الحركات والاحزاب المناهضة للتدخلات السعودية في الشئون اليمنية بل وفي تغول كل جماعات العنف والارهاب والخارجين على الدولة اكثر واكثر..

الامر الذي يهدد بضرب واضعاف العملية السياسية الهشة القائمة على المبادرة الخليجية وهو ما سينعكس حتما على امن واستقرار اليمن وبالضرورة امن واسقار الدول الاقليمية وتهديد المصالح الدولية وبالذات تلك الاطراف التي ساهمت وتساهم في تأزيم الاوضاع في اليمن عبر اصرارها على انفاذ سياسات قهرية ضدا على مصالح وتطلعات اليمنيين.

 

ايها السادة المشكلة ليست في جماعة الحوثي ولا في الحراك الجنوبي ولا في الاشتراكي او الاصلاح او في اي طرف اجتماعي او سياسي حقيقي يمثل جزء من تكوين ونسيج المجتمع اليمني ومن خارطته السياسية الفعلية، كما يتم تصوير ذلك اليوم من قبل المتاجرين بالحروب وبدماء ومصالح اليمنيين عندما يعيدون تقديم اليمن ومكوناتها المختلفة على انها او بعض مكوناتها السياسية او الاجتماعي هي المشكلة ما يعني حلها باستهدافها ومحاولة اقصائها او بعضها دون ان يلاحظوا بان هذا النوع من المشاكل ومع هذه المكونات لا حلول لها سوى حروب التطهير التي لا حدود ولانهاية لها.

المكونات السياسية والاجتماعية الحقيقية لأي مجتمع كماهي للمجتمع اليمني ايضا هي جزء من الحل وليس جزء من المشكلة ولكن هذا لا يمكن ان يتم من خلال دعم وتثبيت رموز وقوى الفساد والاستبداد التي خلقت المشكلة ولم تكن في يوم من الايام جزء من حلها بل كانت ولا تزال تمثل رموز القهر والاستبداد والفساد التي اوصلت اليمن الى الثورة والى ما بعد الثورة.

بقاء محسن وامثال محسن والحرص على تثبيت رموز القهر والاستبداد للنظام القديم في العهد الجديد يعني بقاء الازمة واغلاق افق الحل والذهاب باليمن الى حروب وصراعات جديدة لا تقل خطرا ودمارا عن سابقاتها بل ان ثمنها هذه المرة هي الدولة والوحدة فضلا عن العملية السياسية او ما تبقى منها ولا اعتقد ان هذا هو ما تسعى اليه المملكة والا تكون كمن يقطع فرع الشجرة وهو يقف على الجزء الايل للسقوط.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى