أرشيف

أرباح البنوك في اليمن تثير القلق !

توقع خبراء اقتصاد ومصرفيون ان لا يتجاوز مجموع أرباح جميع البنوك العاملة في اليمن عام 2007م( 100)مليون دولار، بالنظر إلى أرباحها التي لم تتعد 70 مليون دولار في 2006 م،وهو مبلغ لايساوي ربع صافي ارباح احد البنوك الصغيرة في دول الخليج العربي .

ويشير الخبراء الى ان ضالة أرباح البنوك المحلية والأجنبية العاملة في السوق المصرفية اليمنية تثير الكثير من الشكوك حول مدى قدرة تلك البنوك على القيام بدورها الفاعل في عملية التنمية الاقتصادية والاستثمارية في البلاد.

وبحسب البيانات المالية لـ7 بنوك تجارية وإسلامية -أعلنت قوائم أرباحها للعام الماضي – فقد تراوحت تلك الارباح بين 2- 11 مليون دولار،باستثناء البنك اليمني للإنشاء والتعمير الذي كان الأفضل حالاً بتجاوزه حاجز الـ 15 مليون دولار.

واستنادا الى تلك القوائم المالية الصادرة عن بنك التضامن الإسلامي الدولي والبنك الأهلي اليمني المملوك بالكامل للدولة والبنك التجاري اليمني، والبنك اليمني للإنشاء والتعمير، وفرع بنك كاليون الفرنسي،وبنك التسليف التعاوني الزراعي،وفرع يونايتد بنك ليمتد ، فان مجموع الأرباح المحققة لتلك البنوك لم تتجاوز 3ر55 مليون دولار عام2007م .

وتوزعت تلك الارباح بواقع 8ر10 مليون دولار لبنك التضامن الإسلامي الدولي،و7ر11 مليون دولار للبنك الأهلي اليمني وحوالي 1ر5 مليون دولار للبنك التجاري اليمني .

و حقق البنك اليمني للإنشاء والتعمير ارباح صافية بلغت قرابة 1ر15 مليون دولار وفرع بنك كاليون الفرنسي في اليمن 2ر5 مليون دولار وبنك التسليف التعاوني الزراعي 1ر5 مليون دولار وفرع يونايتد بنك ليمتد في اليمن 3ر2 مليون دولار.

وفيما لم يعلن كلاً من بنك (اليمن الدولي ، اليمن والخليج ، اليمن والكويت ، اليمن والبحرين الشامل، سبأ الإسلامي ، البنك الإسلامي ، فرع البنك العربي في اليمن عن أرباحها لعام 2007م ،الا أن متوسط أرباحها خلال عام 2006م التي ترواحت بين 2ـ 6 ملايين دولار فقط لا تنم عن تحقيق أرقام غير متوقعة من الناحية الايجابية، بالنظر الى متوسط ارباح البنوك المعلنة عن قوائم أرباحها لعام 2007م.

وارجع الخبراء تدني ارباح البنوك اليمنية الى اعتمادها على الاستثمار في أذون الخزانة..مستدلين في هذا الشأن الى ان ارباح البنك التجاري الكويتي تجاوزت العام الماضي 434 مليون دولار ، وهو مايزيد عن اربعة امثال الارباح المتوقعة للبنوك اليمنية مجتمعة في 2007 بالرغم من هذا البنك يحتل المرتبة الرابعة في قائمة البنوك العاملة في الكويت.

ويؤكد هؤلاء أن توظيف تلك البنوك لمعظم أموالها في أذون الخزانة قد شل من قدراتها المصرفية ما جعلها عاجزة عن مواكبة التطورات التي تشهدها الأسواق المصرفية العربية والإقليمية والدولية فضلاً عن ضعف مستويات أدائها وعدم قدرتها على توسيع أنشطتها المصرفية لتشمل مختلف المحافظات.

يقول أستاذ العلوم المصرفية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالعزيز المخلافي :" إن استمرار تقوقع البنوك اليمنية حول الاستثمار في أذون الخزانة وتخليها عن دورها المحوري في تحريك النشاط الاقتصادي والاستثماري يرشح الوضع الاقتصادي للإصابة المزمنة بالضمور والركود والتآكل وتدني معدلات النمو الذي سيؤدي إلى زيادة معدل البطالة والفقر ".

وأضاف :" للأسف ترى البنوك أن تحقيق أرباحها من اذونات الخزانة أسهل وآأمن لها حتى وإن كان ذلك على حساب دورها التنموي والاستثماري الذي يفترض أن تقوم به من خلال توسيع عمليات الإقراض والائتمان وخلق برامج مصرفية تمكنها من استقطاب مدخرات مختلف شرائح المجتمع".

وأشار إلى أن البنوك العاملة في اليمن ما تزال منكفئة على خدمة المساهمين فيها بصورة أساسية وبالتالي لم توسع أنشطتها الاستثمارية وتقديم القروض للآخرين واكتفت من ناحية ثانية بالاعتماد على شراء اذونات الخزانة من البنك المركزي. وقال "لذا لاغرابة من ضآلة أرباحها".

وحمل البنوك في اليمن المسئولية الاكبر عما وصلت إليه أوضاعها نظراً لعدم سعيها إلى تنويع برامجها المصرفية واستقطاب مدخرات الناس وهو ما جعلها تعاني حالة من الجمود ما يعني أن مساهمتها في عملية التنمية شبه غائبة.

ضآلة أرباح البنوك في اليمن تثير القلق:

من جانبه علل أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور طه الفسيل أسباب تدني أرباح البنوك بضعف مستويات أدائها وعدم قدرتها على توسيع أنشطتها المصرفية لتشمل مختلف المحافظات .. مستدلاً بان بعضها لايزيد عدد فروعها عن اربعة تتركز في ثلاث محافظات رئيسية.

وقال " لذا لم تستطيع البنوك التجارية والإسلامية استقطاب أموال ومدخرات المواطنين التي ما يزال الجزء الأكبر منها يتم تداوله بعيداً عن القنوات المصرفية".

وأضاف:" هذا الأمر يدل على مدى ضعف النظام المصرفي وعدم قدرته على اجتذاب تلك المدخرات والمساهمة في تحويل الاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد الحديث القائم على المعاملات غير النقدية".

وتؤكد ما ذهب اليه الدكتورالفسيل العديد من الدراسات الإقتصادية التي أوضحت أن حجم الاموال المتداولة خارج نطاق البنوك تتراوح مابين 400ـ 450 مليار ريال..

وتبين أن تلك المبالغ تصل نسبتها إلى 69 بالمائة من حجم التداول النقدي في اليمن، مايؤكد عجز إدارة البنوك عن تطوير ادائها لحشد هذه المبالغ وتوظيفها، وتقليص المعاملات النقدية التقليدية

وارجعت تلك الدرسات إرتفاع حجم المبالغ المتداولة خارج النطاق المصرفي في اليمن إلى ارتفاع معدلات الفائدة الدائنة.

دكاكين لا أكثر

وتعليقا على ما ذكره الخبراء ، وصف عضو مجلس إدارة بنك اليمن والكويت عبدالله علي السنيدار البنوك المحلية بأنها اشبه بالدكاكين إذا ما قورنت بالبنوك العاملة في المنطقة العربية .

وعلل السنيدار اعتماد البنوك على الاستثمار في أذونات الخزانة لتحقيق الأرباح بقوله " الاستثمار في أذون الخزانة أكثر أماناً، وهو ما يبرره الكثير من مسؤولي البنوك بقولهم (ما الجدوى من التعب في الاستثمار والإقراض طالما سنتحصل على عائد ربحي قدره 15 بالمائة من أذون الخزانة) ".

وأرجع السنيدار عزوف البنوك المحلية عن توسيع أنشطتها الاستثمارية في اليمن ورفع مستويات الإقراض إلى تخوفها المستمر من مخاطر استرداد أموالها من المقترضين، وهو ما يدفع البنوك إلى الانكفاء على الاستثمار في أذون الخزانة كونه استثمارا مأموناً وخاليا من المخاطر.

وأكد أنه وفي حال الغت الحكومة الاستثمار في أذون الخزانة فإن معظم البنوك المحلية وإن لم يكن جميعها ستتعرض لمخاطر الإفلاس والخسائر دون شك مالم تعد نفسها للاتجاه نحو العمل المصرفي الاستثماري والأقراضي.

(مقارنة عبثيه)

وفيما يرى البعض أنه من غير المنطقي مقارنة أرباح البنوك العاملة في السوق المصرفية في اليمن بأرباح بعض البنوك الخليجية كون هذه البنوك تعمل في دول نفطية ذات سيولة عالية.

لكن يرى البعض الآخر في المقابل أن هذا السبب قد لا يكون عامل رئيسيا.

ويستدل هؤلاء بأرباح احد البنوك المتوسطة في الأردن ومنها البنك الأردني الكويتي الذي بلغت قرابة الـ48 مليون دولار وهو رقم يضاهي مجموع ما ربحته السبعة البنوك اليمنية والأجنبية التي أعلنت عن قوائم أرباحها لعام 2007م رغم أن الأردن بلد غير نفطي ويستورد احتياجاته من الطاقة من الخارج أما مقارنة مجموع أرباح البنوك في بلادنا بأرباح البنك العربي البالغة أكثر من مليار دولار فإن نسبة أرباحها لن تتجاوز الـ 9 بالمائة فقط وهو ما يجعل التفكير في المقارنة نوع من العبث.

ومما يؤكد ضعف البنوك العاملة في اليمن ما تكشفه التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية التي أكدت على ضعف مستويات أداء البنوك اليمنية الـ15 والتي كان أخرها تقييم مؤسسة "موديز" الدولية التي لم تصنف البنوك اليمنية بين البنوك العربية لا في المستوى الضعيف ولا المتوسط ، الامر الذي يبعث على التسأؤل اين موقع المصارف اليمنية ؟

( تقارب مستويات الأرباح)

ومن ناحية أخرى تثير معدلات النمو المتقاربة في أرباح هذه البنوك الكثير من التساؤلات ، فنسبة الزيادة في الأرباح عام 2007م مقارنة بـ2006م بلغت لدى بنك التضامن الاسلامي 1ر2 مليون دولار والبنك الاهلي اليمني 2ر3 مليون دولار والبنك التجاري اليمني 4ر1 مليون دولار والبنك اليمني للإنشاء والتعمير 5ر5 مليون دولار وفرع بنك كاليون الفرنسي في اليمن مليون دولار فقط و1ر3 مليون دولار بالبنك التسليف التعاوني والزراعي فرع بنك يونايتد ليمتد في اليمن ارتفاعاً 35ر1 مليون دولار فقط.

يرجع الدكتور عبدالعزيز المخلافي التقارب في مستويات الزيادة في أرباح البنوك في اليمن إلى محدودية ممارسة هذه البنوك للأنشطة المصرفية الأساسية المتمثلة في الاستثمار وتوسيع الأنشطة الأقراضية للمستثمرين التي تحقق ارباح عالية نظراً لوصول مستويات الفائدة على القروض إلى 20 بالمائة.

وأضاف": يتبين من تقارير الحسابات السنوية لمعظم البنوك أن قرابة الـ90 بالمائة من أرباحها تتحصل عليها من الفوائد الممنوحة على أموالها في أذونات الخزانة البالغة نسبة الفائدة عليها قرابة 15 بالمائة.

وقال المخلافي": نظراً لأن الكثير من البنوك في اليمن تعتمد على هذا المورد الضخم في تحقق أرباحها فلا غرابة من ذلك التقارب في الأرباح وإن كان شراء البنوك التجارية لأذون الخزانة أدى بها إلى الإقلاع عن تقديم خدمات الإقراض والائتمان والاستثمار المباشر".

(صعوبة الاندماج)

ونظراً للوضع المتقزم للبنوك المحلية يؤكد الكثير من المختصين بالجانب المصرفي والاقتصادي على ضرورة اندماج البنوك اليمنية لتعزيز قدراتها التنافسية خاصة في ضوء توجه الكثير من المستثمرين والمؤسسات المالية في بلدان مجلس التعاون الخليجي لإنشاء بنوك كبيرة في اليمن يتجاوز رأس مال البنك الواحد الـ100 مليون دولار في الوقت الذي ما تزال بعض البنوك تواجه صعوبة في تنفيذ قرار البنك المركزي القاضي برفع رأس مالها إلى ستة مليارات دولار ما يعادل 30 مليون دولار فقط.

ورغم دعوة البنك المركزي للبنوك اليمنية للاندماج عام 2004م باعتباره احد الحلول التي ستمكنها من تعزيز قدراتها المالية والتنافسية إلا أن هذه الدعوة لم تلقى الاهتمام الذي كان يتوقعه الكثير رغم توجه الكثير من المصارف في مختلف بلدان العالم للاندماج.

وفي حين لم تتمكن الحكومة من دمج البنوك الحكومية والمختلطة في بنك واحد لتكوين وحدات مصرفية قادرة على المنافسة رغم صدور قرار مجلس الوزراء بذلك عام 2004م ، اعتبر البعض ان ذلك قد فوت فرصة ظهور نماذج ناجحة للاندماج على أرض الواقع كان من شأنه تحفيز البنوك الأهلية على السير بذات الاتجاه.

و يرجع رئيس مجلس إدارة بنك اليمن والخليج محمد حسن الزبيري في أحد الحوارات الصحفية السبب في عدم توجه البنوك المحلية للاندماج إلى أن هذه الخطوة ستتطلب كشف الأوراق السرية من قبل كل طرف سلفاً وهو ما يجعل كل بنك يتخوف من الإقدام على هذه الخطوة خشية فشل عملية الاندماج مع الطرف الآخر.

ونظراً لعدم تقبل البنوك في اليمن لفكرة الأندمادج المصرفي فيما بينها يذهب بعض الاقتصاديون إلى ضرورة تدخل السلطة النقدية في بلادنا لإجبارها على الاندماج وخاصة تلك التي تتآكل قاعدتها الرأسمالية بحيث يصبح الاندماج القسري في هذه الحالات حلا لمشكلة التعثر المصرفي الذي تعاني منه بعض البنوك المحلية في الوقت الراهن.

(إيجابيات الاندماج)

تتمثل أهم إيجابيات الاندماج المصرفي في جعل المصارف المندمجة على قدرة عالية في مواجهة التطورات النقدية والمالية المحلية والدولية كما أن الاندماج بحد ذاته احد آليات التطوير المصرفي وأهم وسائل تحسين القدرة التنافسية في مجال المعاملات المالية في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها الاسواق العالمية التي يلعب رأس مال المصارف دوراً مهما في المحافظة على سلامة ومتانة القطاع المصرفي.

وتؤكد الدراسات الاقتصادية أن الاندماج المصرفي يمكن البنوك من زيادة أرباحها وارتفاع نسبة الإنتاجية وتنويع مصادر التدفق النقدي وانخفاض التكاليف التشغيلية ورفع تصنيف البنوك المدمجة وتخفيض مستويات المخاطر لحفظ حقوق المساهمين.

ومع ذلك ، ترى دراسات أخرى أن الاندماج ينطوي على عدد من السلبيات المتمثلة في احتكار عدد محدود من البنوك على السوق المصرفية ما يترتب عليه غياب التجديد والتطوير في الخدمات المصرفية كما سيؤدي إلى التخلص من أعداد كبيرة من من العمالة المصرفية واحتمال إلغاء بعض الفروع تحقيقا للدمج.

ورغم ذلك تتفق الكثير من الآراء بأن الايجابيات اكبر من السلبيات من حيث النتائج المتوخاة مستدلين في ذلك بالتوجهات الكبيرة للمصارف في مختلف دول العالم للشراكة والاندماج إذ حققت المصارف المندمجة نتائج أفضل بكثير من السابق الأمر الذي جعل الكثير من المصارف الأخرى في البلدان العربية تسعى للاندماج بصورة متسارعة وخاصة في مصر والسعودية والمغرب وتونس والأردن ولبنان.

وبصفة عامة, فإن تصحيح مسار أداء البنوك في اليمن وتحفيزها على الاتجاه نحو الاستثمار وتقديم القروض للمستثمرين يحتاج إلى اعتماد إصلاحات شاملة يقوم بها البنك المركزي ومنها خفض نسبة الفائدة على أذون الخزانة والعمل على توجيه الائتمان والإقراض إلى مشاريع الإنتاج بدرجة رئيسية،واعتماد ضمانات وكفالات تحمي الاستثمارات، من خلال تقليص معدلات الفوائد المدينة، وتدخل البنك المركزي في دفع فارق النسبة تشجيعا للاستثمار وكسر حلقات الجمود.

وحتى لايبقى البنك المركزي متهم بالمساهمة في إبقاء الوضع المصرفي على ما هو عليه يرى الخبراء ضرورة تطبيق المزيد من الإصلاحات فيما يتعلق بالجانب التشريعي للنظام المصرفي وإيجاد المعالجات التي من شأنها تحفيز البنوك على توسيع انشطتها المصرفية لتشمل كافة المحافظات وتشجيع الناس على الإنتقال إلى التعامل الغير نقدي والإبتعاد عن التعامل التقليدي وغيرها من الآليات والأدوات والمنتجات والمشتقات والضمانات والكفالات.

الصدر:سبأ

زر الذهاب إلى الأعلى