أرشيف

بانتظار المزاد الانتخابي في اليمن..المنافسون كثيرون لكن الحقيقة غير ذلك

إن الطقس السياسي في اليمن سيكون في الأيام القادمة ساخناً بامتياز على غير ما هو عليه حالياً وسيشكل الصراع حول مقاسمة اللجنة وتعديل قانون الانتخابات محور المعركة بين السلطة وأنصارها من جهة وبين المعارضة بمختلف أطرافها من جهة ثانية ولعل أبرز مظاهرها انفراد المؤتمر الشعبي العام حزب الرئيس في تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بمفرده قبل استشعاره عواقب إقصائه للقوى السياسية الممثلة بأحزاب اللقاء المشترك من خلال دعوته للحوار فيما يخص الاستحقاقات الديمقراطية للوطن وفي مقدمتها الانتخابات، وجاءت هذه الدعوة على لسان كبار مسئولي الحزب الحاكم في الأمسيات الرمضانية التي استهدفت عدداً من محافظات الجمهورية.

الحزب الحاكم في اليمن هو الرئيس والرئيس هو الحزب الحاكم ومازال أمام الرئيس خمس سنوات من رئاسته ويخطط لتمديدها عشراً أخرى من خلال الاستحواذ على الأغلبية المطلقة في مجلس النواب ليتحول أعضاؤه جنوداً يستبسلون من أجل استمرار بقاء الرئيس في السلطة، ولهذه الضرورة تم إعادة تقسيم بعض الدوائر الانتخابية إدارياً وضم قرى إلى مديريات أخرى وتشتيت أصوات انتخابية غير راضية عن السلطة من أجل إسقاط شخصيات معينة في دوائرهم الانتخابية المحسومة لصالحهم مثل الدائرة "70" التي تم فيها نقل قرية وسكن مرشحها إلى الدائرة71) حسب تقسيم إداري جديد ينفذ بصمت وبعيد عن الترويج الإعلامي.

الحزب الحاكم في اليمن فشل فشلاً ذيعا في إدارة البلاد وأدخلها في نفق مظلم أدى إلى سفك الدماء وإضعاف قوة الجيش وانفلات أمني وفقر مدقع أجمعت عليه كل الصيحات المتعالية من كافة أبناء الشعب ولكن الخطاب الإعلامي للحزب الحاكم يروج لشرطين كأنهما متلازمان؛ الاستبداد أو التشتت والحروب والضياع ويضرب لهم مثلاً "دولة الصومال" من أجل تزييف وعي الجماهير واستغلالها في الانتخابات، ويسعى الحزب الحاكم بقوة إلى إعادة دور شيخ القبيلة والقبيلة كحاكمة في اليمن اتكاء على قوة نفوذها من أجل ضرب المدنية والحداثة باسم الديمقراطية والمدنية والحداثة نفسها من أجل ضمان استمرار بقائه في قمة السلطة.

الأحزاب في الساحة اليمنية ذات تركيبة عجيبة،أحزاب معارضة لها اتجاهات متعددة،وأخرى تسمي نفسها معارضة وهي في حضن السلطة ووليد شرعي لها لأنها خرجت من رحمها، وأحزاب أخرى تحظى باحترام ولكنها لا تستطيع أن تحقق في الانتخابات أي دور، وأحزاب من تكوين دولة مجاورة تملك الإمكانيات ولا تملك احترام الجماهير وقد تمكنت هذه الأحزاب من تكوين تكتلات أصابها العور ولكن مكنها من قوة مواجهة السلطة وتهديد موقع الرئيس وحزبه، فالحزب الحاكم يستشعر دوماً خطورة أحزاب اللقاء المشترك ولهذا يسعى دائماً للي عنقها، وما يمكنه من ذلك أن هذه الأحزاب الخمسة المنضوية تحت مظلة اللقاء المشترك تحمل تناقضات رؤاها إزاء قضايا سياسية لا تحمل طابع الإجماع عليها بالإضافة إلى أن أجندة كل حزب في المشترك تختلف كلياً عن الآخر علاوة إلى أن بعض شخصيات هذه الأحزاب تعمل من الباطن على طاعة الرئيس وتتطلع إلى رضاه وهنا تمكن الحزب الحاكم من توجيه عدد من الضربات الموجعة لتكتل أحزاب اللقاء المشترك من وقت مبكر، وبدأ بالحلقات الأضعف بحزب اتحاد القوى الشعبية حين تمكن من شق الحزب وتفريخ حزب آخر بنفس مسماه واغتصاب صحيفته التي كان يرأسها الصحفي المعارض عبد الكريم الخيواني،ولكن لم يتمكن الحزب الحاكم من إلغاء شرعية حزب اتحاد القوى الشعبية وهذا ما تداركه عندما وجه ضربته الموجعة الثانية لحزب الحق، أحد أحزاب تكتل اللقاء المشترك والذي قام بحله.

جاءت تصرفات وضربات الحزب الحاكم هذه من اطمئنان كامل من عدم ردود أفعال من الحزبين الكبيرين اللذين يعول عليهما في اللقاء المشترك وهما الإصلاح والاشتراكي بسبب أن الأول لا يتفق مع الحزبين الموجعين في إيديولوجيتهما الدينية،بينما الثاني غارق في مشاكله الداخلية ويعيش حالة طوارئ دائمة من أجل الحفاظ على وجوده وبقائه واستمراره، وهذا الوضع فتح شهية الحزب الحاكم ليواصل ضرباته على باقي الأحزاب الكبيرة وقام بافتعال أزمة داخل حزب الإصلاح عن طريق التلاعب بالتيار السلفي المقرب منه وإيهامه بتشكيل دولة تكون فوق الدولة من أجل جرهم لصالحه في الانتخابات البرلمانية بما سيؤدي إلى دفع الثمن باهظاً بعد الانتخابات على حساب الشعب اليمني.

كوادر أحزاب اللقاء المشترك لم تعد راضية هي الأخرى عن مستوى الأداء السياسي لقياداتها التي تفشل فشلاً ذريعا في كل جولات حوارها مع السلطة ولا تحقق غير الممكن الذي تقدمه السلطة لها بدلاً من أن تستثمر في حواراتها أخطاء فظيعة للحزب الحاكم في أزمات داخلية متلاحقة أضرت بالبلاد،وسفكت الدماء في محافظات عديدة جنوبية وشمالية، وهددت الوحدة الوطنية، ونالت من الجيش اليمني، وعرضت أقاليم من الأرض اليمنية للنهب إضافة إلى سعار إعلامي نال من تآلف الإيديولوجيات الدينية في اليمن من أجل مصلحة الغير ولكن بسبب ضعف قيادات المعارضة في المشترك واشتراك بعضها في تمرير تلك الأزمات على حساب الأمة اليمنية تحولت إلى نقاط قوة يهدد بها الحزب الحاكم لقلب الطاولة على الجميع فيقفون عاجزين من تحديد موقف واضح تجاه قضايا وطنية هامة مثل الفساد والفقر والتحكم بالوظائف العامة واستغلال السلطات والنفوذ وغياب القانون والمساواة والإثراء غير المشروع عن طريق أموال الشعب وغيرها من المفاسد المتنوعة، فيهرعون لإثارة مواضيع يريدون من حلالها تحديد حصتهم ليكونوا في المنطقة الآمنة لممارسة معارضتهم في قناعة مسبقة منهم أنهم لن يحصلوا على الأغلبية رغم أن مسألة اللجنة العليا للانتخابات وقانون الانتخابات، ممكن أن اختراقهما بمئات الوسائل المختلفة ولكن زرع الثقة في أوساط الجماهير وتوعيتهم والتأكيد على الوقوف بجانبهم من أجل إزالة الفساد يطيح بكل تلك الوسائل والتزويرات والمدافع والدبابات؛ وخير مثال على ذلك حراك الجماهير في الجنوب وحراك الشعب الروماني في الإطاحة بحكومة تشيسيسكو قائد الثورة الرومانية الذي تحول إلى ديكتاتور مستبد بعد أن كان من أبرز ثوار الثورة الرومانية.

أحزاب المعارضة الوطنية المتحالفة مع الحزب الحاكم هي التكتل الثاني المتواجد في الساحة اليمنية، وجاء تحالف الحزب الحاكم مع هذه الأحزاب ليس لكونها أحزابا تمتلك قاعدة جماهيرية بل من شروط الحزب الحاكم لاستمرارها أن لا يكون لها أي نشاط تنظيمي في أوساط الجماهير، واشتهر كبار رمزها وقادتها بدفاعهم المستميت عن الحزب الحاكم وتمجيد الرئيس،حتى ترسخ لدى العامة والخاصة في أوساط الجماهير اليمنية أنه إذا أصيب الحزب الحاكم بالزكام فأحزاب المعارضة الوطنية "تعطس" نيابة عنه وجاء تحالف الحزب الحاكم معها من باب استخدامها كورقة أمام الرأي العام الخارجي، وكنوع من أنواع التهديد لأحزاب اللقاء المشترك بأن الحزب الحاكم قادر على تمييع الحراك السياسي في اليمن وهنا يتشابه كيد الحزب الحاكم بكيد المرأة القبيلية التي رفضت قبيلتها تزويجها بمن تحب فتهدد القبيلة أنها سوف تتزوج بأحد المهمشين وترتمي في محواهم ما داموا يرفضون زواجها بمن تحب، فكيد الحزب الحاكم عظيماً..

ويتبقى في الساحة اليمنية أحزاب فردية لم تنظم إلى تكتل معين أبرزها حزب التجمع الوحدوي وهو حزب نخبوي ولكنه مفلس من الناحية المادية تماماً وبالكاد يطبع صحيفته المعروفة بـ "صحيفة التجمع" وهو يتحرك في مساحة ضيقة ويعاني أحياناًٍ من التسوس الداخلي ولكنه يحظى باحترام واسع، وإذا توفرت الإمكانيات له فهو قادر على تحريك الشارع في المحافظات الجنوبية وقليلاً من المحافظات الشمالية ولكن دوره ليس فعالاً في الانتخابات البرلمانية القادمة ولا تستلطفه دولة الجور باستثناء العلاقة الخاصة..     

وهنا أحزاب متناثرة أخرى عددها بسيط جداً ولا يعرفها المواطنون إلا حين يتم التذكير بأسمائها فيذكرها البعض ويستنكرها الكثير وهي الأخرى تنتظر المهام التي ستوكل لها من قبل الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة فقط من أجل أن لا تخرج من المولد "بلا حمص".

إن الملعب السياسي اليمني يحظى بلاعبين مصابين بالكساح توفرت لهم النعال ومن غير المعقول أن نبارك للكسيح بلبس النعال وهذا يعني أن الحزب الحاكم يؤمن بالديمقراطية ويؤمن بأنه يمتلك الحقيقة ويحترم الانتخابات ولكنه ضد التغيير والتداول السلمي للسلطة ويعتبر أي حزب يطمح للوصول إلى السلطة لصا يريد أن يسرق أملاكه، والوضع الراهن لحال الأحزاب في الساحة اليمنية يخدم توجهات السلطة بقوة، فأحزاب اللقاء المشترك التي تمثل المعارضة وتئن باسم أوجاع الشعب بدون أن تتوجع، لن تستطيع أن تقوم بدورها في ظل حزب الإصلاح صاحب الإمكانيات الكبيرة والوجود المتعدد والشقيق للحزب الحاكم، فالإصلاح الضخم أجوف من الداخل، فالتيار السلفي بيد الرئيس وجاهز للتغطية إلى خلف الحدود والتيار القبلي بيد الوارثين وأصحاب القسمة والتنصيب في لعب دور المعارض وشعار لكم الحكم ولنا منه في الضفة الأخرى نصيب، ولكم الجاه ولنا جاه ومن ثدي واحد سوف نشفط الحليب.. إن الانتخابات اليمنية مزاد ..المتنافسون فيها كثيرون والحقيقة غير ذلك ..

زر الذهاب إلى الأعلى