أرشيف

تقرير المرصد اليمني عن حقوق الإنسان 2008في مسوّدته يكشف عن انتهاكات واسعة، ومغالطات حكومية في البيانات والإحصائيات

تواجدوا منذ الصباح الباكر داخل القاعة الأنيقة والضيقة لفندق تاج سبأ قبل حتى أن يصل منظمو الورشة، وبمجرد أن جاء دورهم للحديث أكدوا أنهم لا يمثلون أنفسهم، ولا حتى الجهات الرسمية التي يعملون فيها، وأن تواجدهم الباكر كان لأجل مهمة واحدة ومحددة، هي وصف التقرير السنوي الرابع لحالة حقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن بالعداء للوحدة، والتحيز السياسي لصالح طرف بعينه، وأعلن أحدهم بوضوح: "نحن نرفض هذا التقرير الذي يسيء للوحدة والديمقراطية ومنجزاتهما ولليمن"، ولم يزد حرفاً واحداً على ذلك.

وفي المقابل غاب ممثلو وأقطاب المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان إلا قليلاً.

مزاعم رسمية بالتحيز، وأكاديميون يؤكدون ما أورده التقرير

يوم الأحد الماضي وجه محمد الغربي عمران تهمة الاصطياد والترصد للتقرير الذي يعده المرصد اليمني لحقوق الإنسان بالتعاون مع الوقفية الوطنية للديمقراطية (NED)، وهي التهمة التي ردها رئيس المرصد محمد المخلافي إلى عبد الحكيم الشرجبي الذي تحدث عن تناقض الأرقام التي استخدمها التقرير في مسودته، مستدلاً في ذلك ورود نسبة البطالة في موضع 35%، وفي موضع آخر بـ53%، وقال المخلافي: "لو لم يكن هناك ترصد، أو لو وجدت حسن نية لاكتشف الشرجبي أنه لم يكن هناك تناقض، وأن الأمر لا يتعدى خطأ طباعيا فقط، فبدلاً عن 35 كُتبت 53"، في حين أشار نائب المدير التنفيذي للمرصد عبد القادر البنا إلى أن التناقض في الأرقام آتٍ من التقارير والإحصائيات الرسمية التي اعتمد عليها معدو التقرير الذين أشاروا في أكثر من موضع إلى هذه التناقضات.

هذا التناقضات تمت الإشارة إليها في مقدمة التقرير وعرض منهجيته، حيث كشف التقرير عن استمرار التحايل الحكومي لحجب المؤشرات والنتائج الفعلية لإحصائيات قاعدة البيانات والمؤشرات الخاصة بالحسابات القومية في كتب الإحصاء السنوي الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، وبالتالي انتقال تلك البيانات تلقائياً إلى تقارير البنك المركزي وتقارير الجهات والمؤسسات الرسمية الأخرى، وما حدث ويحدث لنتائج المسوحات الميدانية سواء تلك التي تمولها وتشرف عليها المؤسسات والجهات الرسمية، أو حتى تلك التي تمولها وتشرف عليها المنظمات والجهات الدولية المانحة، ومنها البنك الدولي، بالرغم من اعتراضات المختصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي ومنظمات المجتمع المدني وممثلي رؤؤس الأموال الوطنية والقطاع الخاص إلى جانب المنظمات والجهات الدولية المانحة على مثل هذه السياسيات، بهدف إظهار نجاحات اقتصادية مزعومة ومعدلات نمو وهمية، وبما يوحي بنجاح سياسيات التنمية والإصلاح الاقتصادي – الاجتماعي، دونما اعتبار بما يترتب على ذلك من أضرار وعواقب خطيرة على كل المستويات، فوفقاً لهذا العبث الرسمي تصبح الدراسات والأبحاث وعمليات التخطيط والبرمجة للتنمية والإصلاحات الاقتصادية- الاجتماعية، الحاضرة والمستقبلية، أوراقاً مجردة بعيدة عن الواقع وخاطئة في أهدافها ومناهجها ونتائجها.

وإذا انتقد الباحث عبد القادر حيدر بيانات وإحصائيات الحكومة التي تصيبه بالإرباك والإحراج عند تعاطيه معها، اتهم البرلماني محمد صالح علي تلك البيانات والإحصائيات بالمسيسة، مؤكداً أنه وزملائه في البرلمان يعانون كثيراً من مغالطاتها وعدم دقتها.

ووصف محمد صالح التقرير بالنوعي رداً على اتهامات ممثلي الجهات الحكومية له بالانحياز السياسي، وقال: "قدم التقرير صورة قاتمة عن أوضاع حقوق الإنسان في اليمن، لكن الصورة الحقيقة أكثر قتامة، وجميع الوقائع تشير إلى أن البلد تسير نحو الانهيار".

ونعت أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء الدكتور فؤاد الصلاحي اتهامات ممثلي الجهات الحكومية بأنها بيان سياسي حكومي، ورد على اتهام التقرير بالاعتماد على بيانات وثائق أحزاب المعارضة بأن ذلك -إن كان صحيحاً- لا ينقض التقرير أو ينقص من موضوعيته ومصداقيته كون تلك الأحزاب مصادر ومرجعيات يمكن الاعتماد عليها لتشخيص الواقع.

وقال الصلاحي: "لا يوجد ما يدلل بأن مسار التنمية في اليمن يقلل من معدلات الفقر والبطالة، فالدولة في اليمن لم يوجد لها بعد بعدا تنموياً" لكنه انتقد إغفال التقرير المعلومات الحقيقية عن نوعية مطالب الحراك في الجنوب.

القضاء على الفقر بإعمال كافة الحقوق

واستعرض الدكتور محمد المخلافي منهجية التقرير الذي يعدُّ أول وثيقة بحثية ورصدية عن حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في اليمن، حيث: "ينطلق التقرير من رؤية تربط بين التنمية وحقوق الإنسان، وبين النظام السياسي وجهود مكافحة الفقر".

وقال المخلافي: "إن القضاء على الفقر لا يكون إلا بتمكين الفقراء من ممارسة حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكي يتحرروا من العوز, وهي ممارسة يتطلب ضمانها تحرير الإنسان من الخوف وتمكينه من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية"، مؤكداً أن القضاء على الفقر يتطلب إعمال حقوق الإنسان كافة, وان إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يتطلب تحقيق تنمية عادلة وشاملة موالية للفقراء, وتقع على الدولة مسؤولية اتخاذ التدابير والسياسات الاجتماعية والبيئة والاقتصادية التمكينية. ولا تكون الدولة مؤهلة لهذا الدور إلا في ظل ديمقراطية شاملة للجميع وتحمي حقوق الجميع, تحقق توزيع السلطة والفصل بين السلطات, وتكفل المساءلة للحكام ومساءلة الأقلية للأغلبية وتكفل شفافية وضع السياسات والمشاركة في ظل حرية الإعلام والتعبير والتجمع السلمي وحرية تأسيس ونشاط منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك الأحزاب السياسية.

ويوضح التقرير أن نسبة السكان في سن العمل إلى إجمالي السكان المقيمين تقدر بحوالي (55%) فقط، وأن نسبة السكان الناشطين اقتصادياً "القوى العاملة" والتي تضم المشتغلين والعاطلين معاً تقدر بأقل من (25%) من إجمالي السكان. وبحسب التقرير فهذه النسبة أقل من نظيرتها في البلدان النامية المشابهة لظروف اليمن, حيث تصل هذه النسبة في البلدان النامية إلى نحو (44%) من مجموع السكان, وأن نسبة القوى العاملة إلى إجمالي القوى البشرية "السكان في سن العمل" لم تتجاوز (44%) وهذه نسبة متدنية جداً في حال مقارنتها مع بعض البلدان النامية والتي تتجاوز فيها هذه العلاقة عن (60%).

كما توضح بيانات وإحصائيات التقرير أن هناك انحسار شديد جداً لمعدل مشاركة المرأة في سوق العمل في السنوات الأخيرة.

وينبه التقرير إلى أن أرقام المسح السكاني لعام 2004م في كتب الإحصاء السنوي الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء تشير في نتائجها إلى ارتفاع العدد الذكوري للسكان عنه في الخانة الأنثوية، وعند النظر إلى خانة الأرقام الأنثوية في مؤشر السكان في سن العمل (15 سنة فأكثر)؛ فأنها تشير إلى زيادة عدد الإناث في حجم القوى البشرية عن العدد الذكوري وبأكثر من (200.000) ألف نسمة/ أنثوية.

وبالمقابل فإن النساء الناشطات اقتصادياً بحسب تلك المصادر، لم يتعد عددهن (596) ألف عاملة ويشكل هذا ما نسبته (2.9%) من جملة السكان المقيمين و (5.3%) من السكان في سن العمل، وحوالي (12%) فقط من إجمالي قوة العمل. فضلاً على ذلك فإن العدد الفعلي للمشتغلات لم يتجاوز (320.000) عاملة وبنسبة تقدر بـ(5.6%)؟ فقط من إجمالي الناشطين اقتصادياً وحوالي (2.8%) فقط من جملة القوى البشرية (15 سنة فأكثر).

الحكومة تزور الأرقام لتحمي سمعتها

واعتبر التقرير أن التصريح عن حجم البطالة والبوح عن نسبها الحقيقية يعتبر من وجهة نظر بعض المسئولين الحكوميين في اليمن من قبيل المعلومات الخطيرة التي لا ينبغي تسريبها، لأنه سيترتب على التصريح بمعدلاتها المرتفعة والواقعية تشويه سمعة الحكومة أو أنها ستنعكس سلبياَ عليها، والدولة عموماَ، مؤكداً على أن كثير من الإحصائيات الرسمية تنطوي على مغالطات تخفي وراءها  صورة البطالة  الحقيقية بمعدلاتها المرتفعة في البلاد، خصوصاً وإن مؤشرات السكان في سن العمل تتجه وعلى الدوام نحو الزيادة المطردة، وهذا يعني زيادة الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وبالذات فئة الشباب، والمتعلم منهم على وجه الخصوص. إذ أنه وبحسب المصادر الرسمية التي اعتمد عليها التقرير، فأن المخرجات التراكمية للجهاز التعليمي وصلت في الوقت الحاضر إلى أكثر من (230,000) آلف شاب وشابة.

واستنتج التقرير من خلال عدد من الدراسات أن الثروة تتركز تبعاً لتركز السلطة, وترتب على ذلك اتخاذ سياسات تنموية لغير صالح الفقراء, مما أدى إلى اتساع مساحة الفقر, حيث يعيش حوالي نصف السكان تحت خط الفقر المطلق والنسبة الأعلى من الفقراء يعيشون في الريف وأكثر من نصف الأطفال دون الخامسة يعانون من سوء التغذية المزمن وينعدم الأمن الغذائي لما يقرب من نصف الأسر اليمنية, ويرجع السبب الرئيس لاتساع الفقر إلى استحواذ نخبة صغيرة على الثروة وتسخير التنمية لمصلحتها, أي أن استدامة الفقر واتساع مساحته – هو نتاج سياسات حكومية تستهدف إعادة إنتاج الفقر من خلال تثبيت عوامله الهيكلية والبنيوية-  الأمر الذي يشكل حالة من اللاعقلانية في سلوك الدولة اليمنية واوجد أساس لاعتبارها دولة فاشلة لعدم قدرة الدولة على تأدية وظائفها الأساسية, وفي جوهرها الدور الإنمائي الذي هو أساس مشروعيتها الشعبية.

كما تطرق التقرير إلى ادعاءات الحكومة عبر تقرير رئيسها المقدم للبرلمان في فبراير 2008م بأن حالة الفقر في تراجع بحسب نتائج مسح ميزانية الأسرة (2005- 2006) من 45,2% إلى 35% من السكان, ملفتاً إلى أنها نسبة لا تهتم للأرقام المطلقة للأعداد المتزايدة من الفقراء, ومذكِّرا بقرار مجلس الوزراء في القوت نفسه بإدراج 10 ملايين مواطن يمني فقير ضمن المستحقين لإعانات صندوق الرعاية الإجتماعية, ومضاعفة المبالغ الزهيدة جداً المقدمة للمستفيدين والتي كانت تتراوح مابين 1000 ريال شهرياً للأسرة المكونة من فرد أو فردين و2000ريال للمكونة من 7 أفراد وأكثر.

وعن الخدمات الصحية أوضح التقرير أن هناك عدد من البرامج الصحية التي يدعمها الشركاء وتنفذها الحكومة, مثل  برنامج الصحة الإنجابية الذي يستهدف من ناحية, والحد من النمو السكاني من خلال تنظيم الأسرة ومساعدتها على تنظيم النسل والاهتمام بالصحة الإنجابية ورعاية الأمومة والسعي الحثيث لتخفيض وفياتهن ووفيات الأطفال دون خمس سنوات ورعايتهم صحيا بالعمل على معالجة سوء التغذية وضآلة الوزن والتقزم وحماية الأسرة من الأمراض الجنسية المعدية.

وتشير البيانات الرسمية التي اعتمد عليها التقرير إلى أن  حوالي ( 45%) من السكان فقط  يستفيدون من الرعاية الصحية، لكنه يشدد على أن الواقع يؤكد أن الخدمات الصحية الحكومية قد تراجعت بشكل كبير من حيث الكم والنوع، وما يقدم من خدمات طبية بواسطة المرافق الصحية الحكومية، لا يتعدى التشخيص الأولي، وحتى هذا النوع من الخدمة لا يقدم مجاناً، حيث يدفع مقابله ما يسمى بالدعم الشعبي للمستشفيات الحكومية، أما العمليات الجراحية والآسرة والعلاج،  فإن المريض يتحمل تكاليفها كاملة وهي باهظة الثمن بالنسبة للقاعدة العريضة من الفقراء.

ويظهر التقرير أن نتائج مسح ميزانية الأسرة لعام 2006م أبرزت التفاوت الكبير في الحصول على الرعاية الصحية بين الفقراء والأغنياء، فحوالي ( 56.6% )في الخمس الأشد فقرا حاولوا الحصول على الرعاية الصحية أثناء المعاناة من المرض، في مقابل( 79.4% )من الخمس الأغنى، مشيراً إلى أن تقرير تقييم الفقر في اليمن الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والبنك الدولي، أرجع عدم إقبال الفقراء على الحصول على الرعاية الصحية حتى عند المرض إلى ارتفاع تكلفة الخدمات الصحية وعدم قدرة الفقراء على تحملها، بالإضافة إلى عدم توفر الخدمات الصحية ذاتها وصعوبة الوصول إليها ثانيا وثالثاً، كما  أظهرت نتائج مسح ميزانية الأسرة أن الأسر ضمن الخمس الأشد فقرا قد أنفقت على الرعاية الصحية نسبة من ميزانيتها تساوي نصف النسبة التي أنفقتها الأسر ضمن الخمس الأغنى. وهذه النتيجة جعلت كل من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي، يستنتجان أن (هذا النمط المميز يشير إلى أن الفقراء في اليمن قد لا يكونوا متحمسين لاستخدام خدمات الرعاية الصحية بسبب عدم إمكانهم الإنفاق عليها. فعدم قدرة الفقراء على تحمل التكاليف يؤدي إلى تراجع الطلب على الخدمات الصحية).

انتهاكات بالجملة للحقوق السياسية والمدنية

وكشف التقرير عن 2403واقعة انتهاك لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن خلال العام 2008منها 2265 واقعة في الحقوق المدنية والسياسية، و138 واقعة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

وخُصص الجزء التحليلي من التقرير عن العلاقة بين الفقر وأوضاع حقوق الإنسان في جميع المجالات كأول تقرير عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في اليمن، بالإضافة إلى بيانات وإحصائيات الرصد حول الحقوق السياسية والمدنية.

وبحسب التقرير فأن الحرية والأمن الشخصيين وحق السلامة الجسدية والحق في الحياة وفي المحاكمة العادلة والحق في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي في مقدمة الحقوق الأكثر عرضة للانتهاك حيث بلغت 1985واقعة وبنسبة 82,60%من إجمالي الوقائع المرصودة .

وجاءت محافظة عدن جاءت في مقدمة المحافظات الأكثر انتهاكا بنسبة 32% تلتها محافظات لحج بنسبة 26%، الضالع بنسبة 13%, تعز بنسبة 12%، أمانة العاصمة بنسبة 10%ومحافظة أبين بنسبة 7% من عدد الوقائع المرصودة في هذه المحافظات التي بلغت 1887واقعة بنسبة 72,52% من إجمالي عدد الوقائع التي رصدت في بقية محافظات اليمن خلال العام الماضي .

كانت الجهات الرسمية وأجهزة الدولة هي أكثر الجهات انتهاكا لهذه الحقوق من خلال 1870واقعة انتهاك و بنسبة(77,81%)  من إجمالي عدد الوقائع المرصودة عام 2008 مسجلا زيادة عددية قدرها 1179 عام 2007م  منها 1412 وقعة توزعت على الأمن العام والأمن المركزي والشرطة العسكرية و 304 واقعة كان القائم بالانتهاك فيها جهات حكومية مدنية وقضائية ووصل عدد الوقائع التي قام بها الأمن السياسي 84 واقعة و70 قام بها البحث الجنائي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى