أرشيف

مظالم لم يتحدث عنها أحد..خلية السنينة: بائع قات، طفل، طالب وموظف ضرائب

الأسبوع الماضي حجزت المحكمة الجزائية المتخصصة"محكمة أمن الدولة" مايعرف بقضية خلية السنية للحكم نهاية الشهر الحالي، وكان من بين ماقال عضو النيابة إن المتهمين قاموا بتشكيل عصابة مسلحة، تستهدف السياح والمصالح الأجنبية في اليمن، والمنشآت الحكومية والأمنية، واتهمت النيابة الأشخاص الأربعة بتوزيع الأدوار للانتقام لمقتل "رفيقهم حمزة القعيطي" في تريم محافظة حضرموت الذي قتل خلال عملية أمنية ضد خلية إرهابية.

ولم يتذكر عضو النيابة أن أفراد مايمسى بالخلية قد اعتقلوا في بداية شهر أكتوبر من عام 2007م بينما قتل القعيطي في 11/8/2008م أي بعد اعتقال الخلية التي خططت للثار لمقتله بإحدى عشر شهرا، وإذا ماتجاوزنا هذه النقطة "بعدا عن اصطياد الثغرات" وإثباتا لحسن النية، فإننا سنجد أن من بين المتهمين طفل في الخامسة عشرة من العمر بحسب النيابة، مايعني أنه كان وقت اعتقاله في النصف الثاني من العام الثالث عشر، و لم تفسر النيابة كيف يمكن لطفل في مثل هذا العمر أن يشارك في تأسيس جماعة مسلحة تستهدف السياح والحكومة والأمن الخ..؟

قال ضباط لأقارب معتقلين إنهم معتقلون لأنهم كانوا يخططون للانتقام لمقتل "ياسر الحميقاني" حيث أن بين بعضهم وبينه تشابه في الأسماء .. لكنهم يؤكدون أنهم لم يسمعوا بالحميقاني هذا إلا بعد اعتقال أولادهم "آل حميقان قبيلة كبيرة وقد الناس ماحد يعرف حد" هكذا قال الحاج محسن.

من علامات الصحة أن يكون لدينا قضاء وإن كان قضاء أمن دولة، غير أن من المهم الإشارة إلى أن في ثنايا هذه القضية مظالم لم تعرض على الرأي العام من قبل، ولم يطلع عليها القضاء، ولاعلاقة لها بالأسماء المدونة في قرار الإتهام ، إنهم مواطنون مسالمون بطبيعة الحال ألقى بهم حظهم العاثر إلى مكان إلقاء القبض على المطلوبين للأمن منهم طفل ورجلان أفرج عن أحدهما بعد أن تخلى عن كثير مما كان يملك في سبيل إجراءات الإفراج عنه، وهو الذي لم يكن له أي علاقة بأي قضية أمنية، وكان في زيارة لصنعاء مع زوجته بغرض "تنقيشها" عند أحدى قريباته اللواتي يحترفن تنقيش النساء بالخضاب، وخاصة العرائس منهن لكنه لم ير لذلك الخضاب أثرا، لأنه لم يخرج من السجن إلا بعد فترة يفترض فيها أن يكون قد تغير لون الجلد فضلا عن بقاء الخضاب، وأما الآخر فكان يعاني من "هم في القلب وضيق في الصدر" فضاقت عليه الأرض بما رحبت حتى خرج من منزل والده إلى منزل صديقه مستئذنا إياه المبيت عنده إلى الصباح، ليقوم بعدها بالخروج لزيارة بعض أرحامه، كان يوم عيد ولم يكن أحد يعلم أن "حارة السنينة" على موعد مع عملية أمنية لاختطاف بعض الشباب والأطفال والضيوف أيضا، لم يكن الأمن السياسي قد بدأ بعد بتنفيذ برنامج زيارة الأحباب في أيام الأعياد .. وكان لعناصر الأمن السياسي السبق في الوصول إلى حارة "الخير والسلام "كما يسميها أهلها، وحارة الليل كما يسميها الآخرون، حيث وصلوا إليها مبكرا كأول علامة من علامات وجود الدولة قبل أن تصل إليها الطريق وقبل أن يصل إليها الماء وقبل أن يصل إليها المركز الصحي وقبل أن يصل إليها الجامع وقبل أن تصل إليها الحياة وصل إليها الأمن السياسي .

ولد الطفل أسامه محمد السعدي عام 1992م بحسب الدفتر العائلي لوالده، ويفترض أن يكون الآن طالبا في الصف الثاني ثانوي في الحالات الطبيعية، ويكون عمره الآن قد وصل السادسة عشر، ولو قدر له أن يخلق في بلاد تحترم الإنسان لكان الآن مشروع طبيب أو فنان أو مهندس ولكان يقضي يومه في الدراسة ثم ممارسة الأنشطة الرياضية الذهنية منها والعضلية ويتشرب كل يوم حب الوطن والناس مع كل نسمة هواء يتنفسها ومع كل قطرة ماء يشربها ومع كل ابتسامة مسئول حكومي يحس أنه يسهر في خدمته لكن شيئا من ذلك لم يحدث.

لم يتمكن أسامه من مواصلة الدراسة، ولن يصبح طبيبا ولا مهندسا كما أن أجواء سجن الأمن السياسي لا تعمل على صقل روح الإنسان ليصبح فنانا، ولا يستطيع أسامه أن يحس بقيمة الإنتماء للوطن لأن الوطن بالنسبة له نوع من الخسارة الفادحة التي لا يحتملها عمره الغض وطموحه المسحوق بسبق إصرار وترصد، وبجانب الطفل أسامة الذي اعتقل في الثالثة عشر من عمره طفل آخر من نفس المنطقة اسمه عمار محمد الجعداري كان في السادسة عشر من عمره عندما اعتقل قبل عامين، ويقول والده أنه الآن "ربما في 18 دخل في 18 وهو في السجن" أسامه السعدي يحاكم مع أخيه لكن عمار لا يعرف شيئا عن تهمة موجهة إليه ليتمكن بعدها من إثبات براءته.

عندما بدأ الصغار يكبرون في حارة السنينة كثرت همومهم وواجباتهم ومع الهموم والواجبات يبدأ الناس في اختيار طرق الحياة التي تناسبهم، ولأن الحياة هنا صعبة فقد كان سوق القات المجاور هو الوجهة الرئيسية لجيل من الشباب الذين تسربوا من المدارس التي لا يستطيع أهاليهم إبقاءهم فيها، ولا يستطيع المدرسون إيجاد مايمكن أن يكون مغريا للبقاء في مدرسة يزدحم فيها الأطفال ويزرعون عداوات المستقبل، بينما هم على البلاط أو على كراسي لم يبق فيها غير الحديد.

 

منهم من توجه للعمل في بيع القات كمهنة مناسبة وقريبة ولاتحتاج لمؤهلات، ومنهم من بدأ بفرض أتاوات "ضرائب" على زملائه الذين يعملون في بيع القات، وهكذا كان يعيش الجميع.

عندما زرت هذه الحارة كان يسير معي دليل ليريني الطريق، وأعترف أنني لو سرت في تلك الأزقة خمس مرات في اليوم، فإنني ولاشك سأحتاج في كل مرة إلى دليل ،ولا أدري كيف يهتدي الأطفال إلى منازلهم وسط هذه الفوضى من الأحجار والأتربة والأبواب المواربة والجدران المتداخلة والأزقة المسدودة وسوائل الماء المتسخ التي تخرج من تحت كل باب. البقاء هنا ضرب من ضروب المأساة ولهذا فأنا لم أشعر بأي عتب على الحاج محسن السعدي عندما عبر لي عن شعوره بالغربة في صنعاء، ورغبته في بيع بيته والذهاب بعيدا حيث لا يشعر بالغربة و"التفرقة العنصرية" على الرغم من أن منزله قريب من الأماكن النظيفة .

مأمون .. أول المأساة

عندما رفض مأمون السعدي طلب مسلحين أن يسير معهم لجأ إلى قسم الشرطة وهو "ثقب أسود" يلتهم كل مايصل إليه فقد التهم مأمون وجنبيته وعشرة آلاف ريال كان يدخرها لفجائع الزمن كأكبر مبلغ يمكنه أن يحتفظ به للحالات الطارئة، وفوق ذلك لم تسلم لوحات سيارته من التشليح مثلها مثل الكراسي والتنجيده وكل مايمكن اقتلاعه من السيارة .. وكل مايمكن اقتلاعه أيضا من جسمه.. يقول مأمون "سجنوني سبعه أيام أو أقل أو أكثر في سجن البحث الجنائي بالمحافظة كنت أتمنى فيها الموت كل ساعة" كان مأمون يتمنى الموت لأنهم كانوا "يضربوني هكذا من غير داعي ولا طلب ولا يسألوني عن شيء .. بس ضرب ويقولوا لي باتعترف ولا لا؟ فكنت أتخيل أن الجماعة المدنيين خطفوني من سجن الدولة إلى سجنهم الخاص.. لا يمكن أن الدولة تفعل هكذا وكنت أتمنى يقولوا لي أي تهمة وانا أعترف بها على شان يوقفوا الضرب" وبعد شرح مؤلم لمعاناته يقول مأمون "سألوني بعدين تبع أي تنظيم أنت؟" "وانا مش فاهم أيش السؤال ولا أيش التنظيم قلت لهم أنا تبع تنظيم المؤتمر .. والجماعة ماقصروا .. قالوا أن انا بين اتمسخر بهم وزيدوا الضرب ورجعوا يسألوني عتجاوب سوا ولا ماشي؟ فقلت لهم اسألوني سؤال ثاني" هكذا كان يعتقد مأمون أنه في امتحان متعدد الأسئلة وإن أخطأ في إجابة ستشفع له إجابة أخرى"قالوا لي يعني تبع أي خليه فتخيلت أنهم إصلاحيين قلت لهم "أنا في خلية الإصلاح" ولم يكن مأمون يعرف أن هذه الإجابة هي أيضا خاطئة "مانا داري أيش الموضوع يارفيق السلامه إلا حين بيقولوا لي من بيدعمكم في تنظيم القاعدة؟ فرجعت اضحك يا أخي من التهم هذه أنا مكسر كسار وحالتي حالة وهم يقولوا لي ساعة ان انا سرقت سيارتنا وساعة تعترف أو ماشي والآن قد بيسألوني عن القاعدة " وبعدين كانوا يقولوا تعترف بكذ وكذا وكذا إذا قلت لهم أيوة يأخذوني ويجيبوا لي ملابس نظيفة ويغسلوا لي الدم والجروح ويجيبوا لي كيمرا تصورني .. وعندما رفضت أن أعترف بما قالوا لي أمام الكيمرا رجعوا يستلموني مرة ثانية"وبعد أن أصيب مأمون بحالة إغماء طويلة نقل إلى سجن البحث الجنائي بالأمانة .. وهناك لقي القليل من الراحة. "كانوا يدوا لي الأكل وانا أتخيل ان انا قمت وأكلت وانا أصلا مش قادر حتى أحرك اصبعي" يختصر مأمون ما تبقى من مأساته "أحالوني إلى النيابة وأنكرت التهم فقالوا لي خلاص أنت في المحكمة رحنا عند القاضي منصور العرجلي فقال لي قضيتك في الاستئناف.. كيف في الإستئناف؟ قال القاضي "ياولدي الله يبري ذمتي مش هو مني " ثم قررت المحكمة الإفراج عني وتبرئتي، والآن جالس ألاحق بعد السيارة تخيل انهم قالوا يعوضوني عماخسرت في السيارة مقابل عشرين ألف ؟ وقرر واحد من المسئولين الأمنيين تعويضي من راتبه ومن راتب مسئول ثاني ".

اعتقل مأمون في منتصف رمضان ولم يعرف أن أخويه اعتقلا بعد عيد رمضان بيوم واحد إلا بعد فترة طويلة .. بعد أن أفرج عنه بالتحديد عرف حينها أن شقيقيه قد اعتقلا في الأمن السياسي أكبرهما محمد يحاكم مع خلية السنينة أما أسامه أيضا يحاكم ربما كشاهد على أحوال السجن وعدد إضافي حتى لا يحس السجانون بأنهم عاطلون عن العمل .

يقول أبو أسامة وهو يحكي حكاية اعتقال ولده الصغير أسامه "رجعنا بعد الفجر عاد احنا رقدنا الا وقد الدنيا مرفوسة واشوف البيت ملان رجال ملثمين ومسلحين أخذوني أنا وولدي الكبير وصحي الولد الصغير يقول للنسوان أيش في قالين له ناس أخذوا أبوك وأخوك قال لهم عسكر قالوا لا ناس ملثمين فقام يراجمهم بحجار وهم على طول أطلقوا عليه رصاص من كل مكان وانا مش عارف على من بيطلقوا نار وبعدين نزلني الضابط من السيارة على شان أشوف أيش في أنا نزلت من السيارة وهم على طول أطلقوا نار علي أنا وفي الأخير قالوا المطلوب تسلم ولدك والسلاح وهو مافيش معه سلاح ولا شي .. المهم يا أخي أرعبونا وخلونا نكره الحياه هذه" ويضيف ولده مأمون" لماذا يحاصروننا كل هذا الحصار ويعملوا العملية هذه كلها على الرغم من أن الشباب اللي اعتقلوهم كانوا أصلا يضلوا في الشارع 24 ساعة في اليوم اخواني يشتغلوا في السوق وعصام غيلان أيضا في السوق طول الوقت ..ليش يرعبوا الناس ويقتحموا بيوت الجيران ويضربوهم؟ .. أخذوا علينا بصاير وذهب وأوراق وحاجات نتوارثها أبا عن جد وصور وكل شي " ويضيف الوالد "شوهوا بنا أن معنا سلاح رغم ان السلاح اللي أخذوه علينا هو السلاح اللي شاركنا فيه في معارك الثورة ومافي شيء أصلا هو شميزر عادي وقنبلة معي من زمان رهنوها عندي عسكر "كان عندي فندق وكانوا يرهنوا عندي حاجات بحق الغدا والعشا "وماهيش في حوزة عيالي" يقول أبو أسامة " والله ان هناك عنصر خبيث يعمل على تشويه صورة الدولة والمواطن عند كل واحد منهما وإن لم ننتبه فنسقع شر وقعه ويضيف والله ان قد زهقنا .. حرمنا من ممتلكاتنا وشبابنا وعيشتنا وناضلنا في تحرير الجنوب وفي الثورة في الشمال وفي الأخير هذا جزاءنا" .

ليش المحامي ؟

يعتقد المواطنون في اليمن أنه لا يجب على أحد أن يوكل محامي إلا إذا كان يعتقد أنه مذنب ويحتاج إلى محامي كما يعتقد الناس أن مهمة المحامي هي التزوير والإلتفاف على القانون ولهذا يرفض أبو أسامه توكيل محامي من أجل أولاده ويقول لماذا أوكل محامي .. أيش في عليهم أصلا؟

التعذيب بدل العلاج

في خلية السنية أيضا منير البوني الذي اعتقل بعد اعتقال زملائه بيوم من الشارع المقابل لمنزلهم وأصيب أثناء الإعتقال بطلقة نارية في ذارعه اليسرى .. يقول والده "احنا ناس ضعفاء وفقراء مالنا أحد في الدنيا يحامي علينا من الدولة ..ومنير مسجون في سجن الأمن السياسي أطلقوا عليه رصاص وأصيب بواحدة وقد كان تعالج منها في السجن، والآن رجعت يده توجعه والجرح بدأ يظهر وبدأت يده يظهر فيها القيح من جديد، وكلما قال لهم أشتي تعالجوني يضربوه" ثم يتساءل "واحنا من اين لنا فلوس نعالجه في السجن .. لو قد يخرج بانعالجه احنا وفاعلين الخير .. حالتنا متعبة كل اسبوع ندي للعيال خمسه الف سته الف وقدك تشوف الحالة" كان يقصد بالحالة أنه يعمل في دكان ليس فيه شيء .

وبجانب منير المصاب الذي يحاكم هناك شقيق آخر لمنير اسمه ماهر البوني مسجون لأنه خرج ليرى ماالذي يحدث في الحارة عندما سمع إطلاق النار على بيت أبو أسامه فأخذوه معهم ربما حرصا منهم على إشباع فضوله الزائد فأخذوه معهم ليرى كل شيء، ومعه عمار الجعداري الذي كان في 16 سنة من العمر ومحسوب من عمره الآن عامين من العذاب خلف قضبان لم يكن مؤهلا للحياة خلفها .. يتهدج صوت والدته بالبكاء وهي تدعوا لي أن أخرج ابنها من السجن .. وتقول "احنا ناس مساكين مامعنا شي بهذلوا بنا وهجموا علينا وفجعونا على ولدنا .. الله يفرج همك اذا انت تفرج همنا" أما والده فيبدو أكثر تماسكا وهو يقول الحمد لله ولدنا مافي عليه شي ولا يحاكموه ولا شي لكن قالوا يبقى عندهم تحفظيا ..

على الرغم من أن سجن الأمن السياسي ليس مكانا صالحا للتحفظ على الأطفال والأحداث .. والأبرياء.. ومع كل قضية أمنية تظهر تفاصيلها رداءة الحبكة يضل السؤال مطروحا .. لصالح من تحدث هذه الأحداث ولماذا لانجد خلية واحدة لها صلة حقيقة بالإرهاب تقدم للمحاكمة ؟ لماذا يفر الإرهابيون الحقيقيون من أعتى سجون الأمن؟ ولماذا يقتلون في عمليات أمنية خارج القانون بعيدا عن أحكام القضاء ؟ بينما يقدم للمحاكمة أشخاص آخرون لا علاقة لهم بالإرهاب لكنهم أضعف من أن يحصلوا على البراءة أمام تعاضد أجهزة الأمن بخبراتها القديمة والجديدة ؟

يحتفظ الكاتب/الصحوة بصور فيها بقايا آثار تعذيب وكذا صور البطائق العائلية التي تثبت التواريخ المذكورة وصور وثائق التلاعب بمصير سيارة أحد الضحايا ولو ضيق المساحة لنشرنا كل هذه الصور .

عندما رفض مأمون السعدي طلب مسلحين أن يسير معهم لجأ إلى قسم الشرطة وهو "ثقب أسود" يلتهم كل مايصل إليه فقد التهم مأمون وجنبيته وعشرة آلاف ريال كان يدخرها لفجائع الزمن كأكبر مبلغ يمكنه أن يحتفظ به للحالات الطارئة.

زر الذهاب إلى الأعلى