أرشيف

الثأر باليمن بين الدولة والقبيلة   

ترتكب بدعوى الثأر جرائم بشعة في اليمن يذهب ضحيتها أناس أبرياء، كان آخرها قتل 13 شخصا دفعة واحدة بينهم طفل في الثالثة من عمره، وقع ذلك عندما اعترض مسلحون قبليون حافلة ركاب كانت تقل الضحايا عشية عيد الفطر وأمطروها بوابل من الرصاص.

وقد أثارت الحادثة استياءً كبيرا في الأوساط الاجتماعية والشعبية، وأطلقت عقب ذلك وزارة الداخلية حملة أمنية واسعة للقبض على القتلة وتقديمهم للعدالة.

وقد عزا رئيس منظمة "دار السلام لمكافحة الثأر" عبد الرحمن المروني حوادث القتل الثأرية إلى انتشار السلاح في أيدي المدنيين دون ضوابط، بالإضافة للحواجز النفسية بين الناس، وتخلي الناس عن أخلاقهم الإسلامية وأعرافهم القبلية.

وفي حديث للجزيرة نت أكد المروني أن الأعراف القبلية كانت عبر التاريخ صمام أمان للمجتمع اليمني، خاصة في ظل غياب الدولة المركزية، إلى جانب فقدان الثقة بالدولة من قبل المجتمع القبلي.

وبشأن عدم الالتزام بالأعراف القبلية التي تمنع الثأر في الأسواق والمساجد والمدن، أو الغدر، ألقى المروني بالمسؤولية على الدولة والأحزاب السياسية وعلماء الدين ومشايخ القبائل، الذين تقع عليهم توعية الناس والأخذ على يد الظالم وإقامة العدل وإنصاف المظلومين.

أمور حميدة

وأضاف أن "الأعراف القبلية بها أمور حميدة، ولكن العيب فينا وليس في الأعراف"، وأشار إلى أنهم في منظمة دار السلام ساهموا في حل 380 قضية ثأر استخدم فيها السلاح للقتل، وذلك في 13 عاما من عمر منظمته التي تنشط بالمناطق القبلية التي تشهد صراعات وحروبا بسبب الثأر.

ومن جانبه قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء عبد الباقي شمسان إن الثأر في اليمن يعتبر أحد المعوقات الكبرى للتنمية وعدم الاستقرار في البلد، بل أحد العوامل الرئيسية لإضعاف الدولة.

وأضاف شمسان في حديث للجزيرة نت أنه "عندما لا تتم المعالجة للمشاكل الاجتماعية وفقا للقانون، يلجأ الناس إلى الأعراف القبلية، الأمر الذي يجعل سلطة القبيلة أقوى من الدولة".

وأشار إلى أن للثأر أشكالا متعددة، فهناك الثأر الناتج عن الصراعات السياسية، وهناك الثأر الناتج عن مشاكل القتل بين الأشخاص والقبائل، وهذه الثارات متراكمة في المجتمع، وبعضها منذ عشرات أو مئات السنين.

الدولة مساهمة

ورأى شمسان أن "الدولة أحيانا تساهم في استمرار الصراع القبلي الناتج عن الثارات، وحرب صعدة أبرز مثال، فبعد وقف إطلاق النار بين الدولة والحوثيين، نشبت معارك بين القبائل الموالية للسلطة والحوثيين، وخلفيتها الانتقام والثأر لمقتل أفراد أو مشايخ قبائل، أو قيادات ميدانية حوثية.

كما اعتبر أن حرب صيف عام 1994 التي اندلعت في البلاد بين شركاء الوحدة اليمنية، ليست إلا امتدادا لصراعات سياسية، وتصفية لحسابات ثأرية بين نظامين مختلفين خاضا حروبا عديدة، وبالتالي أصبح الثأر اجتماعيا سياسيا وخطيرا للغاية، لأنه يقصي جماعات من الحكم، وبذلك يتواصل مسلسل الثأر.

وعن العوامل التي تساعد على ارتكاب جرائم الثأر، أحال شمسان إلى ضعف سيادة القانون وقوة القبيلة واستمرار العرف القبلي، كما أن مسؤولي الدولة يخضعون للأعراف القبلية.

وبشأن تداعيات الثأر على المجتمع قال إن الشخص عندما يشعر بعدم الأمان وبغياب الدولة وسلطة القانون ووجود الوساطات والمحسوبية والفساد، إلى جانب لجوء مرتكبي جرائم القتل إلى القبيلة التي يجد عندها الحماية، يصبح قانون الغاب هو السائد.

زر الذهاب إلى الأعلى