أرشيف

القنبلة الموقوتة بين صالح واليمن

كشف علي صالح في لقائه باحدى القنوات التلفزيونية الاسبوع الماضي كافة اوراقه حيث ظهر مستعداً (دون ان يرف له جفن) لعمل اي شيء بما في ذلك تحذير المجتمع الدولي من الخطر الذي تمثله قبائل اليمن ومن الخطر الذي تمثله القاعدة من الخطر الذي تمثله اليمن ذاتها! حيث وصف اليمن بانها (قنبلة موقوته) دون ان يذكر من حضر القنبلة ومن ربط اسلاكها وما يمكن ان يفعله هو لتفكيكها! وبينما كان صالح يبتز المجتمعين الاقليمي والدولي بالتهديد بالارهاب، كان الخبراء في كافة عواصم العالم قد توصلوا الى ان صالح ذاته هو القنبلة الموقوتة التي تهدد اليمن وان بقاءه في السلطة في اليمن سيدفع بالبلاد نحو الفوضى والحرب الاهلية.
د. عبدالله الفقيه


استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء


وبينما اختار صالح في مقابلته المشار اليها بعاليه لاعطاء اشارة البدء بتنفيذ مخطط تفجير مصنع الذخائر في ابين والبرهنة للغرب بان اليمن قنبلة موقوتة، كانت اجهزة الاستخبارات الاجنبية قد رصدت حركة نشطة لجماعات القاعدة في اطار الاعداد لعملية ما، ليتضح فيما بعد ان تلك العملية لم تكن سوى الاستيلاء على جعار ومذبحة مصنع الذخائر التي قتل وجرح فيها المئات.


تشبث وتهالك


كشفت الايام الماضية مدى تهالك صالح وتشبثه بالسلطة وخفة عقله، وكلما قال الناس عساه يرحل قالت الايام هذا لا يريد. ويبدو ان الرئيس صالح لا يزال يتشبث بتلابيب الحكم، وانه لم يستوعب بعد فكرة الرحيل عن الكرسي، معشوقه الاول والاخير، سواء كرسي العرش او كرسي الحزب او حتى- ان شاء الله- كرسي المحاكمة! ويلجأ صالح الى الامساك باي قشة واهية قد تحول دون غرقه في طوفان الثورة الشعبية المتصاعدة يوما اثر اخر، او على الاقل قد تحقق امنيته الاخيرة في تأجيل رحيله بعض الوقت! وهذا ما اتضح جلياً من خلال مواقفه الاخيرة المفتوحة على كل الاتجاهات.


هذا الهوس والتشبث بالسلطة، الذي يدفع صاحبه لاعداد المجزرة اثر الاخرى، جعل المفكر العربي عزمي بشارة يتساءل من على قناة الجزيرة ان كانت خلفية الرئيس الاجتماعية ومعاناة الطفولة تقف خلف كل ذلك التشبث المهين للذات والذي يجد المحللون صعوبة في فهمه.


انه يناور بعشوائية وعلى شتى الاصعدة، فيفاوض مناوئية على الرحيل، ويهدد اتباعه بالتنحي والمنشقين عنه بالمحاكمة، ويهدد الداخل بالحرب الاهلية والخارج بالفوضى، بل يحاول الارتماء في حضن القبيلة ومحضن العلماء وحضانة المذهب، فيرفع عمامة الحوثية في صعدة، وكلاشنكوف القاعدة في ابين، وثوب العائلة في سنحان، وقبعة المصالح في حضرة الغرب.


لم يعد صالح يغرق بين الاوراق المكشوفة والاوراق المتساقطة والاوراق المحروقة! بل انه لم يعد يهمه المحافظة على بعض منجزاته الايجابية، بل انه يسعى الى اقتراف جرائم تاريخية في حق وطنه ومواطنيه.. في حق التاريخ والجغرافيا.. في حق ذاته وذريته واذوائه وادواته!!


والا ماذا يعني الحديث عن تقسيم اليمن الى اربعة اجزاء؟ ماذا يعني تسليم محافظات كاملة للحوثيين وللقاعدة وللقبائل؟! ماذا يعني تشكيل اللجان الشعبية للدفاع عن الوحدة من حماتها؟! ماذا يعني توزيع اموال الشعب واسلحة الجيش للبلاطجة؟ ماذا يعني افراغ الخزينة العامة، وتعرية البنوك المركزية.


سجل الخسائر


لقد ادرك الكثيرون مدى خطورة بقاء النظام على الوحدة الوطنية وعلى السلم الاجتماعي وعلى ثروة الشعب، وان بقاءه يعرض البلاد والعباد لمخاطر جمة وخطوب جلل.


ولا نقول هذا تعصباً ضده او حقداً عليه او جحوداً لايجابياته.. كلا والله، وانما هي الحقيقة المرة التي لا ينكرها الا اناني مصاب بداء الخيلاء والنرجسية.. وكفى بالرئيس واعظاً ان ينسلخ عنه اقرب الناس اليه والذين على اكتفاهم قام نظامه! وان من اسماهم مجرد جنود، يمكن ان يفصلهم متى شاء، قد اثبتوا انهم اكثر شعبية ورصيداً وحرصاً على الوطن منه ومن افراد اسرته.


واذا ما استقرأنا مقدار الخسائر الواقعة منذ بدأت المطالبات الشعبية برحيل صالح ونظامه، سنجد ارقاماً كارثية ناتجة عن عدم الاصغاء لهذه المطالب، بل ومحاولة مجابهتها بحركات مضادة تسببت في خسائر فادمة، ابرزها فقط:


1- على الاقل (97) شهيداً في ساحات الحرية والتغيير بعموم محافظات الجمهورية، منهم على الاقل 57 شهيدا سقطوا في جمعة 18 مارس في واحدة من المذابح التي لم يعرف مثلها التاريخ اليمني خلال 60 عاماً، بالإضافة إلى مئات أن لم يكن آلاف الجرحى..


2- (150) شهيداً سقطوا في حادثة مصنع الذخيرة بمحافظة ابين والتي اراد بها صالح استدرار عطف المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية وان يقول لهما بان المدافع عن السعوديين والمجتمع الغربي في مواجهة تنظيم القاعدة، وقد اوعز صالح الى الامن بالانسحاب تاركاً خلفه الاسلحة والمعدات، واوعز في ذات الوقت للقاعدة بالاستيلاء على المصنع، ثم تم تفخيخ المصنع واستدراج بسطاء الناس ليتم تفجيره فوقهم وتحميل القاعدة المسئولية.


3- سقوط (5) محافظات من يد السلطة، وهي صعدة والجوف ومأرب وشبوة وابين بعد سحب قوات الامن منها. وقد تم سحب قوات المن كافراد فقط في حين تم ترك الاسلحة خلفها! ويظن الرئيس انه بكثرة عدد افراد الامن المركزي سيقهر ارادة شعبه الذي قرر التغيير، وما يقوم به الرئيس ان استمر اكثر مما قد مضى، سيكون له عواقبه الوخيمة على وحدة البلاد، حيث سيفتتها صالح الى كانتونات، وكل ذلك حتى يبقى ابن الفلاح الذي وجد نفسه وقد اصبح في غفله من التاريخ رئيساً حاكماً على كانتون منطقة النهدين التي لن يجد غيرها! لانه من الواضح ان اجمل ما في سنحان قد لفظه وخلعه وطالب برحيله.


4- محاولة تفتيت الوحدة الوطنية، وتقسيم ابناء اليمن الى ثوار مع الشعب، وبلاطجة مع النظام. ولقد كان واضحاً ان ما تبقى لدى صالح هو تلك الثنائية، عندما عين بلطجياً اسمه حمود عباد “ويسرق كعل الملائكة في السماء” وزيراً للاوقاف في مؤشر على انحدار اخلاقي كبير ولوثه في العقل وفقدان للبصيرة! ولا عجب من كل ذلك فصالح قسم سنحان وقسم اسرته ولن يستعصي عليه تقسيم المقسم وتجزئه المجزأ.


5- توقف العملية التعليمية في الجامعات والمدارس بمعظم المحافظات اليمنية في انتظار انقشاع الكابوس الذي عطل الحياة وافقد الناس القدرة على الاستمرار في حياتهم بشكل طبيعي.


6- توقف العمل في عدد من الشركات النفطية، التي تمثل عائداتها 90% من الموازنة، العامة وقد حدث ذلك لاسباب عددة منها- تفجير انبوب النفط في مأرب وسحب قوات الامن من المحافظات وتهديدات صالح التي لا تنتهي بالحرب الاهلية.


مغادرة الشركات الاجنبية العاملة في اليمن في اكثر من مجال تنموي وحيوي لبلاد.


تكاثر الديون على كاهل الدولة.


7- الغاء مؤتمر الرياض للمانحين بعد شعور اصدقاء اليمن بان صالح فقد شرعيته تماماً وان اي دعم سيقدم له سيكون بمثابة دعم لطاغية يقتل ابناء شعبه حتى يقيم كرسي الرئاسة على الجماجم والاشلاء.


8- توقف جميع المشاريع التنموية والاقتصادية في البلد واستنزاف احتياطيات البنك المركزي في الصرف على البلاطجة والارهابيين، وهو ما سيؤدي ربما خلال اسابيع ان استمر صالح في السلطة الى انهيار العملة الوطنية بل وربما الاقتصاد الوطني كلية.


الخطر القادم


ولنا ان نتخيل حجم الخسائر القادمة في ظل استمرار مكابرة النظام على الرحيل، واستمراره في استنزاف كل محتويات البيت اليمني في سبيل بقاء فرد منتهي الشرعية والصلاحية معا!


ومن هنا ندعو الرئيس صالح الى ضرورة التنحي عن السلطة حقنا للدماء وصوناً للوطن من التشظي وللاقتصاد من الانهيار.


واذا كانت اليمن قد ظلت طيلة الثلاثة عقود الماضية في ذيل القائمة الدولية في شتى المجالات التنموية والاقتصادية والحقوقية والانسانية وغيرها، فنتمنى على (الصالح) ان لا يحرم اليمن- على الاقل- من احراز المركز الثالث في رحيل الانظمة.


نقلا عن صحيفة اليقين

زر الذهاب إلى الأعلى