أرشيف

الخليجيون يصدمون صالح والرد الرسمي ما زال موضع بحث

ينتظر الشارع اليمني يوم الجمعة خطاب الرئيس علي عبدالله صالح الذي يأتي بعد المبادرة الخليجية التي طالبته صراحة بتسليم صلاحياته لنائب الرئيس والمغادرة من منصبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطراف، في حين يزداد الضغط الدولي على النظام اليمني.


بدت يراوغ الرئيس اليمني علي عبدالله صالح مجددا، هذه المرة أمام الخليجيين الذين لجأ إليهم في الحادي والعشرين من مارس/آذار الماضي حين بعث وزير الخارجية أبو بكر القربي ليطلب تدخل العاهل السعودي في اليمن.


الرد لم يأت بتلك السرعة وبعد 16 يوما عاد الرد من اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الذي جاء بعد تصاعد الموقف الدولي ضد صالح لتكون الرسالة الأقوى التي يتلقاها من أقرب من وثق بمساندتهم له.


الرسالة كانت عبارة عن طلب بالتنحي وتسليم السلطات لنائبه إضافة إلى تفاصيل أخرى كثرت التكهنات حولها.


ارتبك الرئيس وحزبه بعد أن كان رحب بالمبادرة الخليجية وروج الإعلام الرسمي ترحيبا بالمبادرة وقال إن روسيا وكذلك تركيا وغيرها من الدول رحبت بالمبادرة الخليجية.


وحتى تلك اللحظة ربما لم يكن يتوقع صالح أن المبادرة تحمل هذا الخبر غير السار له بأن الخليجيين والأميركيين والأوروبيين يرغبون برحيله.


وقد ظهر صالح بملامح غير اعتيادية في التلفزيون الرسمي أثناء استقباله سفراء دول مجلس التعاون الذين نقلوا له المبادرة.


ارتبك الإعلام الرسمي اليمني حيث لم يكن يتوقع المبادرة تلك، وأعلنت أحزاب اللقاء المشترك قبولها نقاش بعض بنودها وظل الرد الرسمي غامضا حيث قال الناطق باسم المشترك طارق الشامي إنها مبادرة “معيبة” بحق الأشقاء.


إهانات قطرية


من جانبه ألقى سكرتير الرئيس أحمد الصوفي اللائمة على وزير الخارجية القطري معتبرا أنه “وجه لليمنيين إهانة مباشرة ومتعمدة من وراء تصريحه المتعجل بشأن بنود المبادرة الخليجية”، وأنه “أجهض المبادرة الخليجية بتصريحاته التي خرجت عن المعهود”، ورأى أن “قطر أفرغت محتوى المبادرة الخليجية ودمرت الأسس الحقيقية لفكرة أن الشعب اليمني يتميز عن مصر”.


أعقل الردود كانت تلك التي قالها وزير الخارجية أبو بكر القربي الذي أشار إلى “أن المبادرة الخليجية موضع الدراسة والبحث الآن من قبل القيادة السياسية”، معتبرا أن “أي مبادرة تستهدف إيجاد الحلول للأزمة تتفق مع دستور الجمهورية اليمنية هي موضع الترحيب وتمثل مدخلاً حقيقياً للحل”.


وتوصلت الأطراف الخليجية يوم أمس الأول لاتفاق يقضي بالتوسط بين أطراف العملية السياسية في اليمن نتج عنها ملامح مبادرة لم تخرج جميع تفاصيلها لكن وزير الخارجية القطري أفصح عن أهم بنودها وهي تنحي الرئيس صالح وتسليم السلطات لنائبه وكذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية من جميع الأطراف.


وقالت مصادر ديبلوماسية لـ إيلاف إن الحكومة التي يفترض تشكيلها وفقا للمبادرة الخليجية ستدير الأمور في اليمن لمدة ثلاثة أشهر وذلك لإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية رغم أنه لم يتم الاتفاق على تفاصيل النظام الانتخابي الذي ستجرى على أساسه الانتخابات.


المواقف الدولية ضد صالح


 


وتسارعت المواقف الدولية الداعية لتنحي صالح تدريجيا حيث بدأ الأمر باكرا من فرنسا حين دعا وزير الخارجية الفرنسي للرحيل عقب مجزرة الجمعة بصنعاء قبل ثلاثة أسابيع، ثم توقف الأمر منذ ذلك الحين وبقي الأمر السائد إن الأمريكيين والأوروبيين في صف صالح.


وظلت الولايات المتحدة وأوروبا تترقب الأفكار التي يمكن أن تأتي بديلة لصالح في حين يدور ببال الجميع المخاوف من القاعدة وغيرها.


الأمر انقلب فجأة حيث ظهرت نيويورك تايمز بتقرير يتضمن الحديث عن تغير في سياسة واشنطن تجاه صالح ثم ظهر الناطق باسم البيت الأبيض لأول مرة يدعوا إلى ضرورة البدء بالانتقال السلمي للسلطة وإن “موقف الإدارة الأمريكية إزاء مكافحة الإرهاب في اليمن لم يكن مرتبطاً بشخص بعينه”، بمعنى أن المخاوف لدى الولايات المتحدة التي يزرعها صالح بأنه رحيله سينعكس سلباً على قضية مكافحة الإرهاب باليمن لم تعد موجودة أو قلت بشكل كبير.


تلا ذلك الأمر ظهور المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر واصفا ماحدث في تعز والحديدة من قتل للمتظاهرين بأنها مروعة، واضاف “إن الشعب اليمني يجب أن يحدد نطاق وتيرة التغيير وينبغي أن تلبي تطلعاته فيما يتعلق بالانتقال السلمي للسلطة”.


إلى تلك اللحظة لم تكن المواقف الدولية قوية بما يكفي لكنها ليست على الضعف الذي كان عليه الأمر قبل أسبوع. ففي أوروبا دعت كاثرين أشتون الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية “إلى انتقال سياسي منتظم يبدأ دون أي تأخير من أجل حل الأزمة الراهنة و لتمهيد الطريق للإصلاحات.. يجب أن يبدأ الانتقال الآن”.


صالح استفزه الموقف الأوروبي أكثر من أي وقت مضى وحاول أن يلقي باللائمة على اللقاء المشترك فيما يتعلق بمعلومات قتلى محافظتي تعز والحديدة وفقا لبيان منسوب لمصدر مسؤول نشر الثلاثاء.


وحول حديث المسؤولة الأوروبية لانتقال السلطة فقد أورد المصدر أن الرئيس قد أيد “انتقال سلمي وآمن للسلطة في إطار الدستور والديمقراطية وبحيث تنتقل خلالها السلطة إلى أيادٍ أمينة يثق فيها الشعب وقادرة على حماية وحدة اليمن وآمنه واستقراره والحفاظ على النهج الديمقراطي التعددي ومكافحة التطرف والإرهاب”.


الأمر لم يعد مخيفا للأوروبيين أو الأميركيين وبدا لهم أن في اليمن وجوه قادرة على الحفاظ على المصالح المحلية والأجنبية بطريقة أكثر حرصا، وهي الأيدي الأمينة ذاتها التي لم يجدها صالح.


وكان الرئيس علي عبدالله صالح قد استعاد أنفاسه بعد أسبوع من مجزرة الجامعة حيث تساقطت عليه كثير من الأوراق غير أن ظروفا أخرى خدمته فتمكن من حشد مئات الآلاف في محاولة لإظهار إنه لا يزال الأقوى لكن الأمر انكشف حين أظهرت وكالة رويترز إن 250 دولارا يتم تسليمها للقادمين من العاصمة و350 دولارا للقادمين من المحافظات.


وخاطبت “نيويوك تايمز” الجمهور وصناع السياسة الأميركية إن “صالح صرف بسخاء لآلاف من مناصريه للقدوم إلى العاصمة للقيام بمظاهرات موالية للحكومة وأعطى الأموال لزعماء القبائل لضمان ولائهم”.


الفرصة الأخيرة


وحول المبادرة الخليجية يقول السياسي والقيادي في حزب التنظيم الناصري ولجنة الحوار المعارضة عبدالملك المخلافي لـ إيلاف إن “المبادرة الخليجية تنص في بندها الاول تنحي علي صالح لنائبة وبندها الثاني توفير ضمانات لة ولأسرته وأفراد نظامه والبنود الأخرى حول الحكومة برئاسة المعارضة والانتخابات.


وأضاف: “الآن يتضح إن دول العالم كلها وفي مقدمتها دول الخليج وأميركا صارت مقتنعة أن على صالح الرحيل والالتزام بإرادة الشعب ومطالبه والمهم أن لا حوار ولا تفاوض أو لقاءات في الرياض أو غيرها قبل إعلان التنحي وانتقال السلطة”.


وأشار إلى أن “صالح يحاول أن يناور ويقول أن يتم الحوار أولا والاتفاق بعد الحوار وهو بهذا يحاول أن يجر أحزاب اللقاء المشترك إلي الحوار لتشكيل انقسام وكسب الوقت والمشترك أوعي من أن يقع في مثل هذه الخدع القديمة”.


وأضاف أن “على المشترك الالتزام برأي الشارع بالرحيل أولا دون تلكؤ ثم إشراك جميع الأطراف بعد ذلك في الحوار لترتيب أوضاع المستقبل وهذا الالتزام هو الذي سيعجل بالرحيل واعتقد أنه لم يبقي من عمر هذا النظام إلا أيام حتى الأسبوع القادم أما إذا واصل تجاهله وأقدم علي حماقات جديدة فسيكون الخاسر الأكبر لأنة سيرحل في النهاية ولكنة سيفقد الرحيل الآمن”.


من جانبه قال الكاتب الصحفي راجح بادي لـ إيلاف “إن الدور الخليجي واضح إنه يأتي من باب الحرص الخليجي على اليمن وعلى أنفسهم أيضا، ما يحدث في اليمن يترتب عليه نتائج، وبرغم من الحديث عن أن الدور الخليجي جاء متأخرا لكن أعتقد أن الخليجيين ظلوا يترقبون مسار الأحداث إلى أين ستؤول”.


ورأى إن المهم في موقف الخليجيين الآن أنه لم يعد يخص دول الخليج وحدها لكن هذا الموقف يحظى بدعم وموافقة القوى العظمى في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حيث قام وزير الدفاع الأمريكي بزيارة الرياض والتقى بالعاهل السعودي وبين ساعات من إعلان المبادرة وأعتقد إن هذه الزيارة كانت بمثابة ضوء أخضر أو موافقة صريحة للإدارة الأمريكية على هذه المبادرة”.


وأضاف: “أعتقد أن هذه المبادرة أسقطت كل الأوراق التي كان يراهن عليها النظام في اليمن ولم يبق أمامه إلا الانصياع فعلا إذا أراد الحفاظ على سلامة واستقرار ووحدة اليمن”.


بين كل هذه التفاصيل ما زال الرئيس علي عبدالله صالح يحشد أنصاره كالعادة ليوم الجمعة وهذا يعني أن شيئا آخر قد يدور في رأس صالح لكن الأمر من وجهة نظر المراقبين إنها محاولات أخيرة للتشبث بشيء لم يعد له منذ الان.


ايلاف -غمدان اليوسفي

زر الذهاب إلى الأعلى