أرشيف

الخبير القانوني نبيل المحمدي: الثورة منتصرة.. وهي تجسيد حقيقي للشرعية الدستورية

أكد الخبير القانوني نبيل المحمدي أن شرعية علي عبدالله صالح زالت قبل خروج المعتصمين.. وتحديداً عند انحرافه عن التفويض الذي منحه إياه الشعب لتحقيق الصالح العام.


وقال إن خروج الشعب ما هو إلا تعبير عن الرغبة في استرداد السلطة وليس من أجل الانقضاض عليها، مؤكدا أن هذا الخروج يمثل تجسيدا للشرعية الدستورية.


وفي حوار مع قناة «سهيل» ضمن برنامج حوارات الثورة تحدث المستشار القانوني لنقابة الصحفيين اليمنيين المحامي نبيل المحمدي عن رؤى قانونية تتعلق بالثورة كما تحدث عن أهدافها وقدرة صانعيها على تحقيقها.إضافة إلى مناقشته قضايا عديدة من وجهة نظر قانونية يتضمنها هذا الحوار الذي أعده الصحفي أحمد الزكري للنشر.




  • ………………….؟

– تتميز الثورة الشبابية الشعبية السلمية بالآتي: أولاً طبيعتها الاستثنائية، وثانياً بوطنية المطلب وثالثاً باستغراقية وشمولية الجغرافيا والإنسان.


الطبيعة الاستثنائية تكمن في الخروج المليوني المقترن بالاعتصام فهو استثناء في اليمن فلم يكن هناك خروج مليوني قبل ذلك.. ووطنية المطلب تكمن في انه لا يقتصر على فئة بعينها بل يشمل كل أبناء اليمن، واستغراقية وشمولية الجغرافيا والإنسان تكمن في أن الخروج لم يقتصر على منطقة بعينها، ولكنه استغرق عموم جغرافية اليمن، كما أن الخارج والمعتصم اشتمل على كامل الشعب اليمني، والمقصود هنا بكامل الشعب هو القادر على الخروج والاعتصام، والباقي إما شيخ طاعن أو امرأة غير مأذونة بالخروج أو طفل أو قعيد.. بيد أن المزاج العام الذي يمثل رافعة هو مزاج ثوري من هنا نقول أن الحركة السلمية اليمنية هي حركة شاملة.


بالنسبة لسؤالك عن صراع الإرادات أو الشرعيات ليس صحيحاً القول عن وجود صراع إرادات بل هناك إرادة واحدة تسعى لانجاز مطالبها وهي الإرادة الشعبية التي تتجسد في الساحات والميادين وهي إرادة الشعب المعتصم المنادي بحق دستوري متوافر على الحق الأخلاقي وعدالته وهذه الإرادة عمل دستوري بامتياز بل هي التجسيد للشرعية الدستورية.




  • ماالمبرر الأخلاقي لهذا الخروج على الحاكم؟

– الدستور عقد اجتماعي بين أفراد الشعب لا بين أفراد الشعب والحاكم .. نحن الآن نحتكم للدستور في ما تضمنه من مبادئ وشمله من أحكام لننتهي في خلاصة القول إلى تقرير الشرعية الدستورية للحدث الثوري وتقرير الشرعية للمثورعليه فأقول بالرجوع إلى المواد الدستورية والأحكام التي ينتظمها الدستور اليمني النافذ نجد أن السلطة السياسية او سلطة الرئيس محددة


بالضوابط الآتية:


أن الشعب مصدر السلطة ومالكها، وأن الرئيس يمارس هذه السلطة باعتباره مفوضا من قبل الشعب ونائبا له، وان رئيس الجمهورية حال ممارسته لهذه السلطة لا يجسد إرادته الشخصية وإنما يجسد إرادة الشعب المفوض، وان المناط والمعتبر في ممارسة هذه السلطة هو تحقيق المصلحة العامة في إطار احترام أحكام الدستور والقوانين النافذة، فإذا حاد أو انحرف رئيس الجمهورية في ممارسته لهذه السلطة عن تحقيق المصلحة العامة أو خرق الدستور وأحكام القانون النافذ عد ذلك منه ارتكابا لجرم يوجب عزله وتقرير العقاب الموافق قانونا.


وفي إطار هذه الضوابط قرر الدستور وسيلة وحيدة لتولية الحاكم وإسناد السلطة وهي الانتخابات، والانتخابات عقد بين الحاكم والشعب، وبالرجوع إلى ما حصل في 2006 تم تولية علي عبدالله صالح السلطة وأنشأت هذه الانتخابات التزاما لعلي عبدالله صالح قوامه ممارسة السلطة لتحقيق مصالح عامة تنفيذاً للبرنامج الانتخابي وفق الضوابط الدستورية المشار إليها سلفا.




  • مقاطعاً: هناك شعب آخر يخرج في ساحة أخرى مع الحاكم.

– دعني أكمل.. الغرض من تفويض علي عبدالله صالح هو تحقيق الصالح العام..والالتزام القائم تجاه الشعب هو تمكين علي صالح مزاولة السلطة رئيساً مفوضاً للمدة المحددة دستوريا، بحيث لا يطالب الشعب باسترداد السلطة أو يخرج عن علي صالح باعتباره رئيسا مفوضا، إلا في حال أن يتخلف عن تنفيذ الالتزام القائم عليه وهو ممارسة السلطة وفق الضوابط المذكورة وتنفيذ البرنامج الانتخابي، ولم يفوض الشعب علي صالح لممارسة سلطة مطلقة. فلو نظرنا إلى واقع الحال لوجدناه واقعاً مريراً غير مقدور على تحمله وهو واقع ناتج عن أمرين ظلم يومي عام وقهر شعبي مستدام، وهو مخرج طبيعي وحتمي لانحراف علي عبدالله صالح في ممارسة السلطة ومزاولتها عن غرضها الأساسي، وبذلك يكون خالف عمدا الضوابط الدستورية المرتبطة بتفويضه ، فكان من حق الشعب أن يرفض هذا الواقع ويطالب باسترداد السلطة.


شرعية علي عبدالله صالح زالت قبل خروج المعتصمين..عند انحرافه عن التفويض..والخروج ما هو إلا تعبير عن الرغبة في استرداد السلطة وليس من اجل الانقضاض عليها.. إذا الخروج يمثل تجسيدا للشرعية الدستورية.


كان المفروض وفق المقتضى الدستوري أن المحاسب بالعزل وإنزال العقاب هو مجلس النواب بما هو ممثل للشعب، لكن بسبب تقاعس المجلس بل تواطؤه مع الحاكم في ارتكاب الجرم خرج الشعب باعتباره صاحب السلطة الأصيلة.


بين الاحتشاد الثوري والتحشيد النفعوي


بالنسبة لقولك أن هناك خروجاً مقابلاً أولاً يجب أن نفرق بين حالتين من حيث الماهية ومن حيث الخصوصية الدستورية.. الحالة الشعبية الثورية وهي حالة الاحتشاد التلقائي الثوري الشعبي، والثانية حالة التحشيد الرسمي النفعوي.


الاحتشاد الشعبي حالة شعبية تلقائية أساسها التوافق ومناطها عدالة القضية وواحدية المطلب فهو خروج غير موجه توافقت فيه الإرادات.. هؤلاء خرجوا إحساسا وإيقانا بعدالة قضية ومطلب واحد هو إسقاط نظام، سواء كانوا ألفين أو عشرين أو 120 كما قال الرئيس أو مليون.


الحالة الثانية رسمية ونفعية أساسها التجميع وليس التوافق، والنفع لطرفين ومناطها رغبة الحاكم في التباهي بعدد المحشودين ورغبة الجمع في الحصول على منفعة، لذا لا يصح أن نقارن بين حالتين متغايرتين في الماهية.. لا نقارن بين حالتين مختلفتين في الطبيعة كالمقارنة بين دولار وريال.


علي صالح يجهل الرفق




  • لكن الحاكم يقول إنه لن يرحل إلا عبر صندوق الاقتراع؟

– علي عبدالله صالح حينما يحاجج الشعب بالصندوق الانتخابي ويقول إنه لن يرحل إلا بمقتضى هذا الصندوق يجهل الفارق بين وسيلة الإسناد ووسيلة الاسترداد بمعنى انه يتعامل مع الصندوق كما لو كان وسيلة إسناد ووسيلة استرداد.


أقول دعني أعطيك مثالاً لو انك أجرتني محلا تجاريا لاستخدامه في بيع مواد غذائية لمدة عام بقيمة محددة..أنت بهذا العقد ملزم بتمكيني من استعمال هذا المحل التجاري للمدة المحددة مثلما أنا ملزم بالأجرة المحددة شهريا..


فإذا تبين لك أنني استغل هذا المحل في بيع خمور أو مخدرات.. هنا تزول الشرعية التعاقدية بيني وبينك من لحظة علمك بقيامي بتغيير طبيعة الغرض في التأجير وأصبح أنا غاصبا لهذا المحل، وصار من حقك أن تطلب طردي من المحل، وهنا لا استطيع أن أحاججك بأن هناك مدة لم تنقض بعد لأن المدة ارتبطت بغرض في حين أن الاستخدام الفعلي ارتبط بغرض آخر، وهنا تزول المدة بتغيير الغرض والحال كذلك هنا..فعلي عبدالله صالح فوض بتنفيذ برنامج انتخابي وفق مقتضى دستوري معين، فخالف المقتضى الدستوري بعدم تنفيذ البرنامج الانتخابي الذي


مثل غرضا للعملية العقدية الانتخابية.. وبذلك زالت الشرعية العقدية وصار غاصبا فوجب استرداد السلطة منه ومن هنا كان خروج الشعب.




  • التمديد لمجلس النواب لمدة عامين بموجب اتفاق بين السلطة والمعارضة.. هل هذا التمديد يجعل مجلس النواب قائما بصورة قانونية.. هناك أيضاإقرار قانون طوارئ من قبل هذا المجلس بطريقة وصفت بالفضيحة..ألا يضع هذا المجلس في خانة غير شرعية ويجب استرداد السلطة منه؟

– لم يقر المجلس قانونا ولكنه أقر حسب ما قيل قرارا جمهوريا بإعلان حالة الطوارئ.. وهذا حديث سنتطرق إليه وسؤالك كان جميلا من حيث مدى شرعية مجلس النواب بانقضاء مدة الولاية وحصول الاتفاق التوافقي بين طرفي السياسة او المعارضة والحكم على التمديد.




  • أنا اقو إن مجلس النواب فقد شرعيته في اليوم نفسه الذي انتهت فيه المدة المحددة لسريانه كسلطة نظامية محددة.. وما حصل من اتفاق ليس بحجة على الدستور الذي حدد مدة معينة وحدد الصندوق الانتخابي وسيلة إسناد سلطة، ولم يقل إلا إذا اتفق الحاكم مع المعارض لتمديد فترة مجلس النواب.. إذاً لم يعد هناك مجلس شرعي كهيئة نظامية قانونية، والاتفاق عدمي من الناحية الدستورية وغير ذي أثر ولا يمكن أبدا أن يمنح حياة بعد أن مات بانقضاء مدته.. إذاً كل القرارات والإجراءات والقرارات الصادرة من المجلس من اليوم التالي لانقضاء مدته تعتبر غير دستورية.


 


> مقاطعاً: يعني منذ 2009..


– نعم.. وهذي جريمة أخرى تضاف إلى جرائم علي عبدالله صالح من حيث كونه عطل أحكام الدستور وخرق هذه الأحكام.. ولا تقل هناك اتفاق مع المعارضة لأن هذا ليس حجة على الدستور، كما أن اتفاق المعارضة مع علي عبدالله صالح كان اضطراريا وليس اختياريا لأنه خنق الجميع وحشر الجميع في زاوية معينة بحيث صار أمام الجميع احد أمرين: إما الدخول في انتخابات بوضع مشوه بالكامل ومخرجاتها معلومة سلفاً، أو يتوافقون على التأجيل، بالتالي كانت المعارضة مضطرة للاتفاق على التمديد وليست مسؤولة عن التمديد.


جيل يصنع ثورة




  • إيقاع الثورة في الميادين هل هو قادر على استرداد السلطة؟

– قلنا إن الثورة تمثل تجسيداً حقيقياً للشرعية الدستورية وما يميز هذه الثورة هو السلمية والحضارية وأخلاقية الموقف.


للأسف الشديد جيلنا والأجيال السابقة لم تكن تجرؤ أن تفكر مجرد التفكير بممارسة الشرعية الدستورية على هذا النحو بمعنى الخروج والاعتصام في الميادين للمطالبة بتصحيح اعوجاج قائم أو إزالة فساد عائث في الأرض..هذا الجيل أحرج الجميع وهو جيل قادر على الفعل قادر على صناعة الحدث وهاهو يصنعه.


بالمنطق عندما يستطيع الخارج الثائر وضع يده على مساحة ما من مساحة الجمهورية ويخرج هذه المساحة من سلطة المثور عليه بحيث تصبح تحت سلطة واضع اليد المعتصم هنا انتصر الثائرون.


خرج المعتصمون يطالبون بإسقاط النظام فهل المقصود بالنظام البنية الدستورية والصياغة القانونية للدولة أم النظام بما هو انحراف في ممارسة السلطة؟..من وجهة نظري أن الثورة لم تقم على النظام كبنية نظري، كصياغة دستورية.. الدستور بما هو مبادئ وأحكام ومقررات لم يكن هو المثور عليه بل المسار الانحرافي الحاد لمزاولي السلطة وهم علي عبدالله صالح وأتباعه ومعاونيه ..علي عبدالله صالح رفعت يده من ساحة الاعتصام ولهذا سقطت سلطته فسقط النظام جزئيا..في البداية كانت مساحة الاعتصام محدودة وكذلك عدد المعتصمين، وبتتالي الأيام تمددت وتعددت مساحات الاعتصام وصارت اليمن بعمومها ساحة اعتصام، بالتالي الثورة تحقق كل يوم منجزاتها بالتمدد..باستقالات من أتباع النظام..بتهاوي وتهالك بنية النظام والحزب


الحاكم، وباعتبار ما يترسخ في الوجدان والأذهان من عدالة مطلب المعتصمين وعسف وسوء سلوك النظام.


الثورة قادرة بحضاريتها وسلميتها وأخلاقيات موقفها، بعزيمة وهمة أبنائها أن تحقق منجزاتها والمسألة مسألة وقت، سواء كابر علي صالح يوما او بعض يوم، وسواء حشد أو استعان واستنصر، وسواء انفق ما انفق واستعان بمن أراد، في الأخير سيرضخ لإرادة الجماهير سيرضخ للإرادة الشعبية العامة.. إذا الثورة منتصرة.


أهداف الثورة




  • ما هي أهم الأهداف التي يتعين على هذه الثورة انجازها؟

– الثورة قائمة على ثلاث فئات يشملها مطلب الرحيل وهي كالآتي:


الفئة الأولى: التي تساهم مباشرة في صناعة وإصدار القرار، وهذه هي علي صالح وحكومته ومحافظوه.


الفئة الثانية: التي تساهم بشكل غير مباشر في صناعة وإصدار القرار.


الفئة الثالثة: لا تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في صناعة وإصدار القرار. لكنها تتمتع بحيثية وظيفية او حزبية او مشيخية تمكنها من الإثراء على حساب المال العام وممارسة أفعال خارج القانون مع الاتكاء إلى حماية آتية من أي من الفئتين المذكورتين.. بالتالي الثورة تشمل كل هؤلاء..الثورة ستنتصر برحيل الفئة الأولى.. وسترحل الفئتان الثانية والثالثة بقرار ممن ستعينه الثورة حاكما انتقاليا.


للثورة هدف مرحلي هو إسقاط الفئة الأولى وإسناد السلطة لمن يرتضيه الشعب بثواره..شخص أو هيئة أو مجلس سمه ما شئت.. مهمة هذا تمثيل حكومة رشيدة لإدارة العملية الانتقالية يعمل من خلالها على إدارة الشؤون العامة اليومية للدولة وإزاحة أشخاص الفئتين الثانية والثالثة بموجب قرار، ثم الإعداد والتهيئة لانتخابات شرعية الإجراءات نزيهة المخرجات.


الهدف استراتيجي هو ضمان إسناد السلطة على مستوى مدة الدستور لمن يمثل الشعب ويجسد إرادته وكذلك تجسيد قيام الثورة بما هي ثورة على البنى المفاهيمية الاجتماعية عن طريق مسار السلطة ذاتها..إذا كل ما تريده الثورة الآن هو ضمان إسناد السلطة لحكومة انتقالية رشيدة.




  • هناك من يقول أن الشباب ليس لديهم رؤية لإدارة المرحلة الانتقالية وما بعدها ما تقول في هذا؟

– الشباب أكثر قدرة ودراية مني ومن قائل هذا القول..الذي يصنع حدثا حضاريا كهذا لا يمكن أن يكون قاصراً عن إدارة مرحلة انتقالية.. وعلى كل دعك من الحديث عن التخطيط الاستراتيجي وما سيكون الأمر بعد المرحلة الانتقالية..هذه أشياء لا يصلح التشبث بها في حالتنا نحن ، لأننا نثور على مسلك انحرافي وليس على بنية صياغية دستورية..لو أننا في وضع لا دولة فيه بمعنى لا يوجد دستور ولا يوجد نظام وقانون متكامل ولا توجد بنية نظرية للدولة هنا سندخل في حيص بيص لأن الرؤى ستتعدد.. لكن نحن لدينا دولة مدنية متكاملة من حيث البنية النظرية إذاً نحن بحاجة إلى شخص في المرحلة الانتقالية يتوفر فيه الضمير الوطني وذمة شخصية منضبطة بحيث يدير المرحلة الانتقالية بشكل صحيح ويضمن عملية انتخابية نزيهة بعد ذلك من يرتضيه الشعب يكون.

زر الذهاب إلى الأعلى