أرشيف

الإخوان والعسكر في مصر: تكهنات رائجة في الشارع السياسي والإعلام عن تفاهمات خفيّة.. وسيناريو اختطاف الجماعة للثورة بدعم السلطة الانتقالية


بينما كان شباب ثورة 25 يناير في مصر يدعون إلى ما اصطلح على تسميتها إعلاميًّا بـ”جمعة الغضب” الثانية، كانت جماعة الإخوان المسلمين تعد العدة لمواجهة هذه الجمعة بتظاهرة مُضادة ووصفت الداعين إليها بصفات تنتمي إلى القاموس التكفيري لا السياسي، وتباينت ردود فعل التيار السلفي، بين الممانعة والهجوم، وفي الوقت نفسه أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة عدم تدخله في حماية أو التواجد مع المتظاهرين، وحذر من وجود مندسين وسط المتظاهرين، كما حذر البعض من الوقيعة بين الشعب والجيش، وتنوعت التحذيرات واتسعت رقعة التكهنات.


كل هذه الملابسات جعلت أحاديث الغرف المغلقة تخرج للعلن عما وصف بالتفاهمات الخفية بين تيار الإسلام السياسي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، وبين جناح ما في المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر منذ تنحي الرئيس السابق مبارك، كان الحديث يدور همسًا بعد لمعان اسم المحامي الإخواني صبحي صالح، واختياره ضمن لجنة التعديلات الدستورية، وعدد من “التفاهمات” بين الجماعة التي تحولت بفضل 25 يناير من “المحظورة” عبر عقود طويلة إلى “المحظوظة”، وبعدها أصبح الهمس لمزًا، وتقارير محللين، تدعم رؤيتهم تاريخ العلاقة العميقة بين الإخوان والعسكر في مصر، منذ لجأ عدد من الضباط الأحرار إلى المرشد الأول للجماعة حسن البنا، وحتى اليوم، هذه العلاقة تخلَّلتها تحالفات وقتية، ومناورات سياسة، ولعل هذا التاريخ هو الذي جعل من استفهامات البعض، مجالاً للمناقشة.
منهج الجماعة حسب الباحث حسام تمام المتخصِّص في الحركات الإسلامية، غير ثوري سواء مع ثورة ـ أو انقلاب ـ يوليو 1952، أو مع ثورة يناير، فهُم ضد ممارسة العمل الثوري، ولكنهم مستثمرون جيدون له.

خالد يوسف يتهم المجلس العسكري بالانحياز للإخوان


 

هذا الرأي يبدو باستقراء سريع للتاريخ صائبًا بنسبة كبيرة، حيث شهد مجلس قيادة الثورة، تعاونًا كبيرًا وشبه تحالف مع الجماعة، حاول جمال عبد الناصر الاستفادة من شعبيتهم، في استقرار المجلس العسكري وقتها في الحكم بعد انقلابه على اللواء محمد نجيب الذي سُمي رئيسًا للجمهورية من يونيه 1953 إلى نوفمبر 1954، وكان سبب عزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، هو مطالبته للضباط الأحرار بالعودة إلى ثكناتهم العسكرية، وتسليم حكم البلاد للمدنيين، أو بالأحرى السياسيين.
اتسمت العلاقة بين الإخوان وجمال عبد الناصر، بالمرواحة بين الغزل والغضب، الغزل كان محاولة استقطاب حتى صدّق قادة الجماعة وعلى رأسهم المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي (1949 – 1973) أن عبد الناصر متحالف معهم، وطالبوا من طرف خفي بحقهم الاستشاري في السياسات والقوانين، وهنا توترت العلاقة، وكانت حادثة المنشية (26 أكتوبر 1954) هي الذريعة التي قام بها ناصر بإقصاء الإخوان عن المشاركة السياسية، وقام بحظر نشاطها وحلها، ومحاكمة الضالعين في التآمر عليه، بالتزامن مع اتساع دوائر شعبيته، ونسيان الشعب الوعد الذي قطعه المجلس الثوري وقتها بتسليم البلاد للمدنيين خلال ثلاثة أشهر.
وظلت الجماعة غير مشاركة، وهاجر معظم رموزها خارج مصر، وتحت دعوى الاضطهاد الناصري، حصدت الجماعة العديد من المكاسب، منها التحالف الثاني بين عمر التلمساني المرشد العام الثالث للجماعة والرئيس الراحل أنور السادات إلى أنه لا يمكن وصفه بتحالف مع العسكر، ولكنه استخدام نفعي من السلطة وقتها للوقوف ضد تيارات اليسار والقوميين والناصريين، وعندما رأى السادات أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة، وأعلن مبادرة السلام مع إسرائيل انقلبت العلاقة إلى عداء، بمهاجمة الإخوان للمعاهدة، والتجاوز في نقد نظام السادات وشخصه!


الإخوان فين التحرير أهو


 

ونعود إلى العسكر والجماعة لنكتشف أن موقف الجماعة من ثورة 25 يناير تحوَّل من الرفض في 23 يناير إلى المشاركة الشبابية في 28 يناير إلى ادعاء أحدهم أن وائل غنيم المُختلف على كونه مدير صفحة خالد سعيد على الفيس بوك، وأحد المحرضين الأساسيين على الثورة، كان “إخوان مسلمين”، ومنذ تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة دفة البلاد، وبدا واضحًا التناغم بينه وبين الجماعة، وتصعيد دورها، أو على الأقل عدم الوقوف من نشاطاتهم موقف المساءلة، تلك الملامح أثارت قلق الثوار من أسلمة الثورة، خصوصًا في ظل التغوُّل الإعلامي للجماعة واختطافهم ثورة يناير، وعدد أكبر من التصريحات التي تحاول إقصاء الفاعلين الأساسيين في ثورة يناير، وذلك عبر تخيير الناس في الشارع بين الإسلام والعلمانية، التي يتعبها عدد من النعوت الدينية التي لا يجب اعتمادها في القاموس السياسي!
اكتشفت التيارات المدنية المصرية على مُختلف انتماءاتها، أن المستفيد الوحيد تقريبًا من ثورة 25 يناير، هما المجلس العسكري والتيار الديني على تنوُّع وتباين مشاربه، خصوصًا بعد الانتشار الذي بدا مذهلاً للتيار السلفي في الشارع المصري ولغة الاستئساد التي يتحدثون بها، وفوزهم في معركة التعديلات الدستورية، أو “غزوة الصناديق” على حد تعبير أحد مشايخهم.
وقال مراقبون إنه “لا دخان بلا نار” وأن الحديث عن “تفاهمات ما” هي مسألة لها وجاهتها ولها أيضًا شواهد ترقى لدرجة القرائن وتجعل التساؤل عنها مسألة وجيهة وليس مجرد ادعاءات.
غير أنه على الجانب الآخر أكد أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط أن الجماعة تدَّعي وتسرب مثل هذه الشائعات لتقوية موقفها السياسي، ومحاولة ظهورها بمظهر “المسنودة”، وليس هناك ثمة تحالفات بين المجلس العسكري والجماعة، مستبعدًا ذلك السيناريو برمَّته.
في سياق متصل أكَّدت مواقف الجماعة الداعمة للاستقرار بعد الثورة، والمُطالبة بنظام حكم مدني بمرجعية دينية، واستمرار الجماعة مع إنشاء حزب سياسي، ومواقفها المعادية بلا تأويل للتيارات المدنية، وشغلها الرأي العام بقضايا إيديولوجية وعناوين بدلاً من التفاصيل الإصلاحية أو البرامج السياسية، والدخول في معارك جانبية مع شركائهم في الثورة، وتقديم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للجماعة على أنها شريك أساسي في المرحلة المقبلة، غير محددة الملامح، واستغلالهم هذه الأجواء غير المستقرة وبدأ حملات أعضائها الذين ينتوون الترشح في البرلمان المقبل بغرفتيه، ومداعبتهم للأقباط، والصورة السيئة التي روجها السلفيون للتيار الإسلامي، كل هذه العوامل جعلت التيارات المدنية المصرية تنظم جمعة الغضب الثانية في محاولة لاستعادة الأهداف الأولية للثورة، والضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى ينحاز إلى مطالبهم، والتي لا يتفق معهم الإخوان أو السلفيون عليها، وأشار بيان الإخوان بشأن “جمعة الغضب الثانية” إلى التلويح بعدم الوقيعة بين الجيش والشعب، وهو ما يؤكد أن ثمة خطوط اتصال مفتوحة بين الجماعة والعسكر.


البلتاجي: لا تفويض للمجلس العسكري رغم انحيازه للشعب


 

ويبقى السؤال الحرج، عما إذا كانت هناك “تفاهمات ما” غير معلنة حتى الآن بين الإخوان والعسكر فما أهدافها ومتى تظهر نتائجها؟ وإذا كان الأمر مجرد افتراض نظري فهل يقدم المجلس العسكري ما يثبت عدم وجودها، وأخيرًا هل ينجح التحالف المدني في هدفه المشروع باستعادة الثورة؟
الأمر الوحيد المؤكد في هذا السياق أن الأيام القليلة المقبلة ستكشف الكثير من المفاجآت على الساحة المصرية، وخصوصًا في العلاقة الغامضة بين الإخوان والعسكر!
المصدر : الأزمة

زر الذهاب إلى الأعلى