أرشيف

“همي همك”.. البلاهة تصرُّ على مزيد من الحضور .. وضاح الجليل

كأن كل ما كُتب العام الماضي، وما حدث من ضجيج، لم يكن شيئاً، تصرُّ البلاهة على أن تعيد تكرار نفسها، ويصرَّ القائمون على مسلسل “همي همك” أن يواصلوا الاستخفاف بعقول اليمنيين، والضحك عليها، وكان جديدهم هذا العام أن زنبقة تعرف “فيس بوك”، وتتحدث في أمور سياسية لا يتقن الحديث فيها طلاب الجامعات.

من جديد هذا العام أيضاً أن “همي همك” انتقل من الاستخفاف بالشعب الصومالي، إلى الاستخفاف بالشعب المصري، حضرت مصر عبر شخصية كاريكاتورية بلهاء بمرتبة طبيب بيطري ضعيف الشخصية، منافق، كاذب، ويقبل أن يتحكم فيه شيخ جاهل وأمي وظالم.

المسلسل نفسه يتعامل مع مهنة الطب البيطري وكأنها عيب أخلاقي واجتماعي، لا يقول ذلك مباشرة، لكن مضامين الحوارات والسيناريو تشير إلى ذلك، وبطريقة لا تمت إلى الموضوعية أو المهنية الفنية بشيء، يبدو الأمر وكأن على فهد القرني أن يحضر كل عام جنسية ما ليقدمها كفاكهة لمادته التي لا ترقى إلى الفن، أو تنتمي إليه، وكأنه -أي القرني- يقوم بجولة مكوكية هدفها الإساءة لشعوب الأرض، كأنه لا يكتفي بالإساءة إلى اليمنيين، وإظهارهم بمظاهر سيئة للغاية، كمحتالين، وسيئي النوايا، وعديمي الضمائر، وفي نفس الوقت أغبياء وبلهاء وسذج.

عوضاً عن ذلك فالقرني يعتقد أن ما يقدمه رسالة تخدم قضايا المظلومين، العام الماضي عدَّ أحداث مسلسله بلاغاً للنائب العام عمّا يحدث في الحديدة، إنه استخفاف تام بالفن والسياسة معاً، يعتقد القرني -لا أحاكم نواياه التي أعتقدها صادقة هنا- بخفة متناهية أن وظيفة الفن سياسية بحتة، ويبدو أنه لا يلتفت إلى الانتقادات التي تلاقيها أعماله، وهو موقف يمكن وصفه بالغرور والتعالي، يدفعه إلى ذلك غواية الوعي الذي يتلقى أعماله، صحيح أن هذا الوعي هو نتاج بيئته، لكن على الفن أن يحاول تقديم رسالة تحترمه وتحاول صياغته بشكل أجمل وأرقى، وليس تكريسه وتعزيزه، فهذا الوعي لن يبقى كما هو، والذين يضحكون الآن لبلاهات “همي همك” قد يجدون أنفسهم يستنكرون تلك اللحظات التي قضوها في متابعته، وإذا لم يفعلوا فبالتأكيد ستأتي أجيال أخرى تسخر من الجميع، على هذا كان ينبغي للقرني والقائمين على المسلسل أن ينتبهوا إلى أن ما كُتب وقيل عن الجزء الثاني منه خصوصاً، لا أن يستخفوا به، ويذهبوا باتجاه المزيد من الإصرار على إضحاك الناس بالقوة.

تحتاج الكوميديا إلى الارتكاز على الحرية والوعي، وبدونها تصبح تهريجاً لا أكثر، يعتقد القائمون على “همي همك” أنهم يمارسون حريتهم في نقد ما يجري في الحديدة وغيرها، لكنهم لم ينتبهوا إلى أن تلك الحرية منقوصة، كونها لم تتأسس على وعي ناضج فنياً، فالحرية بدون وعي لا تنتج سوى عبودية جديدة، وهنا تحديداً يظهر القرني وزملائه كـ”عبيد” لما يعتقدون أنه عمل فني متكامل، لكنه في حقيقته استخفاف بالعقول، وانتهاكاً لقيمة الفن ومعناه، فيسرفون في الإيمان به، والتباهي بقوته، والاستعراض في أدائه وتنفيذه والتسويق لها، متلبسين مزاعم فارغة بأنهم ينتصرون لحقوق الناس، ليس بالضرورة أن يكون الفن خادماً لقضايا الحقوق والحريات، فهو لم يوجد لذلك، بل إن ذلك أحد اهتماماته وتجلياته، لكن الاستغراق في خدمة القضايا السياسية والحقوقية قد يأتي في سياق أيديولوجي أو غير واعٍ وبالتالي يسقط الفن، ويعلو الخطاب الخالي من الجمالي الداخلي والخارجي معاً، وهنا لا يمكن الحديث عن فن، بل عن بيانات سياسية، بيد أننا نتجنى حتى على البيانات السياسية إذا اعتبرنا “همي همك” أحدها.

لا يختلف الأمر في شيء بالنسبة لبقية الأعمال الدرامية والتلفزيونية اليمنية عموماً في جميع القنوات اليمنية، لكن الحديث هنا عن “همي همك” باعتباره جاء ضمن سياق ما يحدث في البلد، فالقائمون عليه اعتقدوا العام الماضي أنهم يخاطبون النائب العام بشأن ما يجري في الحديدة، وهذا العام يعتقدون أنهم يسقطون الحاكم ضمن سياق الثورة الشعبية، وهو ما يجعل للمسلسل قاعدة اهتمام أكبر، خصوصاً وان الفضائيات الرسمية أصبحت خارج نطاق المشاهدة، ولم تعدْ تحظى بسوى قليل من الاهتمام الشعبي أو الجماهيري، بيد أن ما تنتجه وتقدمه منذ عرفناها لا يختلف في شيء عما أنتجته القنوات المستقلة، وما جاء في مسلسلاتها يصبُّ تماماً في نفس الحفرة التي يتجه إليها “همي همك“.

عدا ذلك؛ فالمسلسل في جزءه الثالث لا يختلف عن الجزء الثاني في الرداءة، حيث لا قصة مبهرة، ولا سيناريو متقن التفاصيل أو حتى الخطوط العامة، أما أداء الممثلين فاستعراضي مبتذل وتهريجي، ومفرط في التكرار، وانتعال الجمل الاعتراضية لاصطناع الفكاهة، وغالباً لا يتقنون اللهجات التي يحاولون تقليدها، بالإضافة إلى أن الإقناع يبدو شيئاً مستحيلاً عليهم، وينقصهم أن يفرقوا بين التمثيل، وتقليد النكات التي تطلق بغزارة في الأوساط المجتمعية للسخرية من مدمني الحشيش.

زر الذهاب إلى الأعلى