أرشيف

كيف ترى اليمن بعد رحيل صالح؟ هل انتهت الثورة بمجرد توقيع المبادرة الخليجية ؟ .. عبدالرحمن الأشول

السؤال هكذا طرح وبكل بساطة , ولكنه في طياته يحمل عناوين كبيرة هي:

 

– أولاً : الثورة.

 

– وثانياً : اليمن .

 

– وثالثاً : مستقبل اليمن.

 

– ورابعاً : مكاسب المبادرة الخليجية.

 

 

فالثورة هي مصنع اليمن الجديد, وهي تشريع مفروض بقوة الحق , يلغي كل التشريعات والقوانين المتبعة في عهد النظام البائد, وهي في أنبل معانيها وعي واندفاع وتضحية في خدمة الوطن .. كل الوطن.. والثورة هي حالة تمرد على كل السلبيات التي رسخها وبرر لها النظام السابق ولذلك فالثورة ترفض السياسات التبريرية , تلك التي تبرر التخلف والممارسات الخاطئة, كما أن الحالة الثورية ترفض سياسات «الأمر الواقع», و«الرضى بالحاصل», وإن لم تكن الثورة كذلك فهي ليست ثورة ولا يجب أن تكون.

 

 

واليمن يا سادة تتمثل بالإنسان اليمني ومن هنا فإن البعد الإنساني في بناء اليمن الجديد لا يقوم على بناء المنشآت بقدر ما يقوم على بناء إنسان قوي ومتعلم في حالة انتماء حقيقية لمستقبل الوطن.

 

 

ثم إن تأهيل الإنسان اليمني وتحصينه هو الأساس في بناء اليمن, واليمن هو الإنسان.

 

 

أما المبادرة الخليجية فهي وإن كانت محاولة التفاف على ثورة الشعب إلا أنها أصبحت و بعزيمة الشعب اليمني العظيم نقطة بداية , وليست غاية, ويجب أن لا ننكر أن المبادرة قد رسمت ملامح دولة مدنية ديمقراطية حديثة, لأنها أخرجت الأسرة والقبيلة والعسكر من اللعبة, وحملت الأحزاب السياسية مسؤولية تحقيق تطلعات وآمال الثوار وأتاحت الفرصة للشعب أن يخرج بكل فئاته إلى الساحات للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة, وأهداف الثورة ليست – كما يعتقد البعضمجرد محاكمة للنظام البائد فقط, ولن تُختزل الثورة بمجرد الانتقام أو القصاص من القتلة, و الهدف الرئيسي للثورة هو بناء أسس دولة مدنية ديمقراطية حديثة, والخروج من هيمنة الفرد الواحد والأسرة الواحدة والقطب الواحد .. والدولة القوية هي التي تستطيع لاحقاً محاكمة كل من أرتكب جرماً بحق الشعب, لأن الثورة هي معركة لإحقاق الحق.

 

 

أما بعد.. أيها اليمنيون .. ها كم اليوم يمناً جديداً, لأول مرة منذ عقود عانى منها وطننا الحبيب من التسلط والارتهان.. ولن يكون جديداً إذا استمر التسلط والاستئثار بثروات ومقدرات الوطن.

 

 

ولن يكون جديداً إذا استمر الارتهان للنظام السعودي أو غيره .. وعلى النظام السعودي أن يضع ما يريده الشعب اليمني جانباً، فهذا أمر مقدّس, يخصّ شعب عظيم لا يمكن التدخل في إرادته, اتفقنا أو اختلفنا.

 

 

ولن يُلدغ الشعب اليمني من المملكة مرتين. ثم إن الارتهان لا يعني الانكفاء والعزلة، فاليمن ليس أرضاً نائية منسية بعيدة عن العالم, لا علاقة له بمحيطه حتى وإن كان قد تأخر عن العالم وتخلف عن مواكبة العصر, وأصبح نسياً منسيا بفعل النظام البائد، فذلك لا يعني أن يظل على هذا الحال بل يجب أن تكون الدولة اليمنية مؤثرة ومتأثرة ومتفاعلة مع دول الجوار وكافة دول العالم, منطلقة من المصلحة العامة.

 

 

ولن يكون جديداً إذا استمرت الصراعات القبلية والطائفية والفئوية تحت أي مبرر .. وأي حرب تنشب ليست حرب اليمنيين بل هي حرب الآخرين على أرض اليمن.

 

 

ولا نهضة لليمن إلا بتوافق الشعب كل الشعب, وتوازن القوى .. لأن المشاركة السياسية الواسعة لأطياف العمل السياسي هي التي ستضمن الحد من التدخل الخارجي.

 

 

ولن يكون اليمن جديداً إذا استمرت التبعية والعصبية و لا يمكن للحريّة والتبعية أن يلتقيا أبداً, ومن لا يزال يتبع جهة أو شيخ أو طائفة فهو عبد خائف بالضرورة, متمسّك بقضبان سجنه, يرتبك أمام أي أفق جديد, يشعر بالغربة دائماً خارج القطيع.

 

 

أيها اليمنيون .. إن حجم الفساد في اليمن على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والقيمي .. أكبر من حجم الوطن.. هذه المأساة لم تكن إلا نتيجة سلسلة من الأزمات التي عالجها الإهمال والاستخفاف والارتجال والاجتهاد الفردي المفرغ من أي منهجية وقواعد علمية خصوصاً أنها عولجت باجتهاد الزعيم الأوحد, الذي كفر بمبادئ وأسس العمل الوطني, واستجار بمنصبه لتحقيق مآربه وغاياته وأنانيته ومصالحه.

 

 

وعلاج هذا الفساد الكبير وهذه العشوائية الكارثية التي تعصف بالوطن, وهذا الحريق الهائل الذي نشب في كل مؤسسات الدولة, يجب أن يتم بتظافر جهود كل أبناء الشعب, ولن يستطيع أياً كان فرداً أو جماعة أن يعالج بمفرده هذا المرض المزمن, وتظافر الجهود كفيل أيضاً بوقف اغتيال القانون.

 

 

واليمن في المرحلة القادمة لا يمكن أن يكون دولة أشخاص, بل دولة مؤسسات .. أما الأشخاص ولو كبروا أو تضخموا فإنهم لا محالة زائلون.

 

 

وإن أي فردٍ أو أسرة أو جماعة إذا ما استفردت بالحكم , فإنها بالضرورة تجعل من الاستبداد وسيلة للمحافظة على نفوها .. وكما قال الدكتور راشد الغنوشي :«إن أسوأ أنواع الاستبداد هو ذلك الذي يأتي باسم الدين».

 

 

واليمن ليس حزباً أو جماعة, ولا حتى مجموعة أحزاب والسلطة ليست حكراً على جماعة دون أخرى وحزب دون آخر, وكل القوى والجماعات والأحزاب والأفراد مجتمعة هي اليمن الواحد المتكافئ الفرص في صنع المصير الواحد.

 

 

إن وحدة الجهود لا تعني التبعية لأفراد أو جماعة ما كيف ما اتفق !! ولم يعد مسموحاً لأي كان أن يوزع هوية الانتماء للثورة والوطن, والشعب اليمني بكل مكوناته هو من صنع ثورته, والعمل خارج هذا الإطار تآمر على الوطن.. والشهداء لم يضحوا بأرواحهم من أجل من يمنَّ بتضحياتهم ويتاجر بدمائهم, ومن دفع ضريبة الدم غير مسموح لأي كان أن يشاطره هذه التضحية.

 

 

أخيراً .. يجب أن نتعلم من أخطاء الماضي, ونعمل على عدم تكرارها, والثقة بالشعب كل الشعب, وبقراره الذي سيحسم في انتخابات نزيهة ويد الله فوق أيدينا .. ترعى ثورتنا, وتؤازرنا, مادمنا عازمين على بناء اليمن الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى