أرشيف

نبيل عبد الفتاح: الإخوان يستخدمون الدين للوصول للسلطة

يؤكد الدكتور نبيل عبد الفتاح نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستيراتيجية أن جماعة الإخوان المسلمون غيرت من خطابها السياسي والديني بعد حصولها على الأغلبية البرلمانية، وإقترابها من السلطة، مشيراً إلى أنها كانت ومازالت تستخدم الدين شعاراً لتحقيق مصالحها السياسية.

وقال عبد الفتاح في مقابلة مع إيلاف إن التيارات الإسلامية التي فازت بالأغلبية في البرلمان تطلق خطابات تعبر عن رغبة في تغيير مصر سياسياً وإجتماعياً، متوقعاً أن تصطدم بالمجتمع، وأن تعدل من خطابها المتشدد، وأن تحدث إنقسامات فيما بينها في حالة الوصول للسلطة.

ووصف عبد الفتاح المجلس العسكري بأنه “صندوق أسود، لا يعلم أحد ما يدور بداخله”، مشيراً إلى أنه يعاني من إضطراب في إدارة المرحلة الإنتقالية، وأرجع أعمال العنف والمظاهرات المتكررة إلى ما أسماه ب”صراع حول دور المؤسسة العسكرية بعد تسليم السلطة إلى مؤسسات منتخبة”.
ودعا عبد الفتاح إلي ضرورة إجراء الإنتخابات الرئاسية في شهر فبراير المقبل، ثم إختيار لجنة وضع الدستور.

ـ كيف ترى تكرار أحداث العنف في مصر، وعدم القدرة على السيطرة عليها، إلا بعد إراقة الكثير من دماء الشباب؟
يرجع هذا إلى عدة أمور منها: الإضطراب في بناء الثقة ما بين المجلس العسكري، وبعض القوى الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمون. ووضع خريطة طريق لإدارة المرحلة الإنتقالية تتسم بالإخلال، ما أدى إلى حصول القوى الإسلامية على الإغلبية في البرلمان المقبل. وغياب شباب الثورة عنه وتمثيل ضعيف للقوى الليبرالية. وكذلك موضوع إضطراب التصور في البداية نتج عنه الكثير من الأخطاء التي أدت إلي مجموعات أخرى من الأخطاء، ومن ثم وقوع أعمال عنف. بالإضافة لإزدياد الفجوة الإجتماعية ما بين الأجيال الجديدة التي قامت بالثورة، وبين السلطة والشرطة والمجلس العسكري. وأيضا إفتقاد مصر إلى الحكومات التي تتسم بالخيال السياسي، والقدرة على إدارة دفة الأمور خلال المرحلة الإنتقالية، وغياب الحزم والوضوح، وكذلك غياب التسويق الإعلامي المهني لسياسات المجلس العسكري والحكومات الإنتقالية. هناك أيضاً فجوة ما بين الأجيال الجديدة في المدن والأجيال القديمة، وسيطرة ما يمكن وصفه ب”الشيخوخة” على جميع مؤسسات الدولة منذ 30 عاماً. بالإضافة لسبب آخر وهو غياب تصور واضح لدور المؤسسة العسكرية بعد إنتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان. وهل ستستمر بذات الإمتيازات والأدوار التي لعبتها منذ 23 يوليو 1952 أم لابد أن تخضع للسلطات المنتخبة كما كان الحال قبل العام 1952. وكما هو مبتع في جميع الدول الديمقراطية بالعالم.

ـ لكن هذا الكلام يرد عليه بالقول إن المؤسسة العسكرية في جميع دول العالم لها وضعيات خاصة؟
ليست وضعيات خاصة بمعني أنها تكون خارج رقابة السلطات المنتخبة سواء البرلمان أو رئيس الجمهورية، بل تخضع للرقابة وفي الوقت نفسه لديها مرونة فيما يخص صفقات التسلح، هذه هي الأمور التي تتسم بالسرية. إن الصراع الحقيقي في مصر في المرحلة الراهنة، يدور حول منح المؤسسة العسكرية مميزات تجعلها بعيدة عن رقابة البرلمان بشكل كلي. وهذا الأمر سوف يفجر الخلافات بين التيار الإسلامي والمجلس العسكري في القريب العاجل مع إنعقاد جلسات البرلمان، وما بين الشارع أيضاً الذي يريد أن يكون رقيباً على كافة المؤسسات بما فيها المؤسسات المنتخبة، لاسيما بعد وصول الإسلاميين إلى البرلمان بأغلبية، وفي ظل غموض موافقهم من بعض الملفات حول شكل الدولة نظامها الأساسي وحقوق المرأة والأقباط.

ـ هذا هو التشخيص للحالة السياسية في مصر حالياً، لكن كيف يمكن الخروج من هذه الأزمات المتلاحقة؟
لاشيء يمكنه أن يقضي على حالة إنعدام الثقة، والإضطراب السياسي والأمني سوى التعامل بشفافية ووضوح مع جميع الملفات، وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة في فبراير المقبل، وتتسلم المؤسسات المنتخبة شؤون البلاد ، ثم إعداد دستور للبلاد فيما بعد. وهذا يتطلب إصدار بيان دستوري جديد ينص على إجراء الإنتخابات الرئاسية في شهر فبراير المقبل، وينص أيضاً على معايير إختيار اللجنة التي تعد الدستور الدائم للبلاد.

ـ قد لا يحظى هذا المقترح بإجماع القوى السياسية المختلفة، لاسيما في ظل تضارب مصالحها، فما الحل؟
أعتقد أن وجود رئيس جمهورية منتخب في شهر فبراير المقبل من الأهمية بمكان، حتى يمكن أن تسند شؤون البلاد إلى سلطة منتخبة، وهذا الأمر لا يعطل مصالح أي تيار سياسي، بما فيه التيار الإسلامي، لأنه سوف يمنح البلاد الإستقرار الذي تنشده، ويخفف من حدة الصراع حول دور أو وضعية المؤسسة العسكرية في المرحلة المقبلة. وليس هناك خلافات بين القوى المختلفة على ضرورة التعجيل بتسليم السلطة من العسكر إلى سلطات مدنية منتخبة.

ـ وماذا عن جهاز الشرطة، هل حدث تطور في أدائه بعد الثورة أم أنه مازال في حاجة إلى إعادة النظر في أدواره أيضاً؟
لم يطرأ أي تغير على هذا الجهاز الأمني، ويجب أن يرى المصريون أن الثورة قد وصلت إليه، لابد من تغيير مناهجه الدراسية، كما أن غالبية القيادات القديمة ما زالت تتعامل وفق نظريات بالية، تقوم على الإنتهاك الممنهج لحقوق المواطنين، وهؤلاء لا يصلحون لقيادة جهاز شرطة في دولة ديمقراطية. إنهم يحتاجون إلى إعادة تأهيل من رتبة مقدم إلى وما دونها. جهاز الشرطة يحتاج إلي ثورة حقيقية، ورقابة جادة، وليس على طريقة أن “الداخلية تحاسب نفسها بنفسها”، هذا لا يجوز على الإطلاق.

ـ في ظل حالة الإضطراب السياسي الذي تعاني من السلطة في مصر، هل تعتقد أن هناك خلافات بين أعضاء المجلس العسكري فيما يخص إدارة المرحلة الإنتقالية؟
نحن أمام صندوق أسود يسمى المجلس العسكري، لا أحد يعرف ما يدور به. ولم ترشح أية معلومات حول الإتجاهات الرئيسية داخله، لكن عندما يدلي البعض منهم بتصريحات ثم يتم التراجع عنها لاحقاً، ما هي إلا بلونات إختبار.

ـ يتسم خطاب بعض فصائل التيار الإسلامي بأنه يثير المخاوف لدي الكثير من طوائف المجتمع في الداخل، بل ويثير قلق الخارج أيضاً، هل تتوقع تغيره بعد الوصول للسلطة؟
بالطبع هو خطاب يعبر عن حالة من الزهو والإنتصار، ويشي برغبة في تغيير أنماط الحياة الإجتماعية والسياسية للمصريين، وهو ما سوف يواجه بعقبات هيكلية في تركيبة المجتمع المصري. كما أن الواقع سوف يفرض نفسه على هذه التيارات ويؤدي إلى تهذيبها بعض الشيء، وسوف يحدث إنقسامات داخلها.

ـ فيما يخص علاقة الغرب بالإسلاميين، لوحظ تكالب من جانب المسؤوليين الغربيين على زيارة مقر حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمون، كيف ترى العلاقة بينهما مستقبلاً؟
كانت جماعة الإخوان المسلمون في الماضي تهاجم الولايات المتحدة الأميركية، وإتفاقية كامب ديفيد، وكافة الإتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر. أما الآن بدا واضحاً أن هناك توجهات سياسية جديدة للجماعة بعد الإقتراب من السلطة، وأنها كانت تستخدم الدين شعاراً لتسويق مجموعة من المصالح الإجتماعية والسياسية، وأن هدف الجماعة هو الوصول للسلطة وليس وجه الله.

ـ وما قراءتك لزيارة جون كيري لحزب الحرية والعدالة في هذا التوقيت الحالي؟
هذا اللقاء يعتبر تتويجاً للعديد من اللقاءات غير الرسمية التي أجريت في السابق مع الولايات المتحدة الأميركية. والزيارة في حد ذاتها متوقعة، لاسيما في ظل حصول الإخوان على الأغلبية في البرلمان، وبالتالي لابد أن يكون هناك حواراً بينها وبين عديد من القادة السياسيين في أميركا وأوروبا الغربية. وكل هذا يبين جلياً أن المسألة لم تكن مسألة مباديء بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمون، هي جماعة سياسية شأنها شأن الجماعات الأخرة لها مصالحها، ولكنها تستخدم الدين شعاراً ورمزاً لتبرير مصالحها السياسية ورغباتها في الوصول إلى السلطة، ومحاولة تغيير طبيعة الدولة في مصر.

 

 

المصدر : إيلاف

زر الذهاب إلى الأعلى