أرشيف

“زايد ووالدته”… صورة العام التي اختزلت نضال عائلة ثورية

الجمعة الماضية تناقلت وسائل الإعلام صورة فازت بجائزة أفضل صورة للعام 2011 لامرأة محجبة من اليمن تحتضن ابنها المصاب.. الصورة هي للمصور الأسباني صامويل اراندا من صحيفة نيويورك تايمز.. (إيلاف) بحثت عن صاحبة الصورة وابنها، وزارتهم في منزلهم في العاصمة صنعاء.

صنعاء: حين التقط المصور الاسباني صامويل اراندا “أفضل صورة في العالم” لهذا العام، لم يكن حينها قد عقد صداقة مع ما تقوله الصورة، ولم تكن الصورة جائعة لأي نص، ولم يكن في عيني اراندا سوى رعب اللقطة، أو لذتها.

“زايد” يتشبث بحضن أمه “فاطمة”، كما لم يتشبث بها من قبل.. لحظة صدق لا تحتاج لأكثر من صورة كي تحفظ كيان اللحظة، وترسم خلف كل دمعة، سطرا من تاريخ يرسمه جيل نسي الخوف، وخاف من نسيان وطن في جيوب مجهولة.

الصورة فازت بجائزة أفضل صورة في العالم بعد أن نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز”.

يقول “زايد” لـ إيلاف: “الصورة التقطت بعد أن أصبت في شارع الزبيري حين قررنا كسر الحاجز الذي وضع في نهاية ساحة التغيير”، حينها سقط عشرات القتلى والجرحى في المواجهات بين الشباب وجنود الأمن المركزي وأنصار صالح، وهي المنطقة التي كانت بمثابة خط أحمر بالنسبة لأنصار صالح.

زايد -17 عاما- أصيب بحالة اختناق في 15 أكتوبر بسبب الغاز إضافة إلى رضوض وإصابات أخرى جراء الاشتباك، كما قال.

أمنية “زايد”  اليوم هي أن يتم محاكمة علي عبدالله صالح.

ما أخرج زايد للساحات خفية بعيدا عن أعين أبيه وبموافقة أمه هو “الظلم” حسب قوله.

ويضيف: “الظلم منتشر في كل البلاد وشعرت إن الظلم يمسني شخصيا ويمس عائلتي ويمس كل إنسان، لذلك قررنا الخروج والمشاركة في صنع التغيير”.

لعائلة القواس التي تنتمي إليها “فاطمة” حضور بارز في الثورة التي خرجت قبل عام، حيث يحضر اسم كل من الناشطة “سمية القواس” وهي شقيقة فاطمة في كثير من القنوات التلفزيونية والصحف وغيرها منذ خروج الناس للساحة أول مرة.

كما تظهر من مدينة عدن شقيقتها الأخرى “نادية القواس” كإحدى الناشطات في تلك المدينة، إضافة إلى نجاة القواس وغيرها.

تقول نادية لـ إيلاف: “يوصف زايد ابن شقيقتي بأنه “شهيد بالتقسيط” لكثرة ما أصيب في المسيرات، لكنه كل مرة ينجو من الموت”.

يبدو “زايد”  شابا خجولا، ويتحدث بصوت منخفض حيث قال إنه يشعر بالفخر أن تكون الصورة الأفضل في العالم هي لشخصه مع والدته.

لم ينه الشاب دراسته الثانوية بعد وكان يفترض أن يؤدي الاختبارات العام المنصرم لكنه اتبع نداء منصة الساحة -كما قال- ولم يذهب إلى المدرسة تنفيذا للعصيان المدني.

إصابات عدة

وتقول والدة زايد، إنها تتواجد دوما في المستشفى الميداني عند كل اعتداء، وعثورها على ابنها مصابا هناك ليست المرة الأولى.

تضيف: “دائما أكون متواجدة في الساحة بسبب تواجد الأهل في المسيرات وفي الساحة، وأذهب للمستشفى الميداني في الأوقات التي تكون فيها اعتداءات وإطلاق نار”.

وتتحدث “فاطمة”عن الخوف كرفيق ثقيل حيث أشارت إلى أنها كانت متخوفة حين رأت ابنها، “في النهاية أنا أم وكنت أخاف عليه وعلى كل الشباب في الساحة، الخوف وارد ولا مفر منه مهما كان الأمر”.. تستدرك قائلة: “زايد ما شاء الله عليه لا يعرف الخوف، يمكن هذه الميزة الوحيدة أخذها من أمه (تضحك).

كان زايد قد أصيب “في مسيرة بشارع الستين قرب جولة “عصر” جوار وزارة الخارجية، “تعرضوا له وضربوه، وحين عرف والد زايد بتفاصيل ما حدث قرر السماح والتغاضي عن مشاركة ابنه في المسيرات”.

لم يكن زايد في المسيرة لكن “البلاطجة” تعرضوا له وأجبروه على النزول من سيارته معهم بينما هو أساسا كان يحاول إسعاف أحد المصابين وتوفي وهو معه في السيارة”.

لم نوجه زايد بشيء، تقول والدته، “قلنا له فقط احذر من أن تعتقل، أما أي شيء آخر فهو مكتوب ومقدر”.

حين أصيب للمرة الأولى كما تقول والدته “توجهت للساحة وكنت أنظر في جميع أزقة الساحة ومئات المصابين متناثرين جوار الخيم ووصلت إلى المستشفى الميداني ورفضوا السماح لي بالدخول، لأن المستشفى مكتظ بالمصابين وأهالي المصابين، وحين تمكنت من الدخول لم أعرف سوى أصابع قدميه وهو شبه عار، وأصفر ويتألم بشكل مروع، وكنت أصيح “زايد”، “زايد” وكانت حالته حرجة وقرر الأطباء تحويله إلى مستشفى خارجي، وكنت رافضة لأنه كان عندنا مخاوف من إخفاء المصابين واعتقالهم واختفاءهم، وحين أصريت سمحوا لي بالذهاب معه إلى مستشفى الكويت الحكومي وكان أحد الضباط جاء يريد أخذ الأسماء ورفض الطبيب والمصابين أن يعطوا أسماءهم وصورهم”.
هذي أول فجيعة، وبعدها تعودنا.. تقول فاطمة.

ذكريات وحضور

في منزلهم بشارع هائل وعلى امتداد سلالم البيت تتناثر صور عدد ممن سقطوا قتلى من شباب الساحات، فسألت إحداهن مازحا: “متأكدة هل أنا في بيت عائلة القواس أم في اللجنة التنظيمية لشباب الثورة؟”.

كانت والدة “فاطمة” و”سمية و”نادية” و”نجاة” قد تسلمت درع تكريمي من المنسقية العليا لشباب الثورة في صنعاء وذلك لعائلة القواس، تكريما لجهود العائلة في هذه الثورة.

والدة فاطمة وبذلك السن تمكنت من قطع كيلو مترات طويلة وذلك لاستقبال مسيرة الحياة، وقابلت المسيرة خارج العاصمة ومضت معا سيرا على الأقدام.

صغارا وكبارا يتحدثون عن الثورة، عبدالله وهو طفل لم يتجاوز السابعة يتحدث عن طفلة دخلت الغرفة معه أنها شقيقة محمد القواس الذي أصيب بعيار ناري في رقبته.. تحدث بحماس، ثم عرفني ببعض أطفال العائلة.

طفل آخر يتحدث الإنجليزية وقال بما معناه، إنه يجب أن لا يعود علي عبدالله صالح إلى اليمن، لأن عودته تعني أن يدخل السجن ويتم محاكمته.

إلى جانب هذه الأسماء تدخل الغرفة طفلة تدعى “خولة القواس” وهي إحدى المشاهير في ساحة التغيير بصوتها الجميل حيث تنشد في منصة الساحة أناشيد ثورية تم بث بعضها في عدد من القنوات المحلية، وقد حصلت على إحدى الجوائز في الساحة.

خولة أسمعتنا مقطعا غنائيا تمنينا أن لا ينتهي.

دفتر الذكريات

لم يفت العائلة شيئا، فقد تم تخصيص دفتر للذكريات أفرادها مع الثورة ومع تفاصيل أيامها، حيث تكتب الفتيات -غالبا- بعض أبرز الأحداث التي كن متواجدات فيه والتفاصيل التي دارت أثناء وجودهن.

 في إحدى صفحات الذكريات كانت إحداهن تتحدث عن الرعب الذي حدث ليلة ظهور الرئيس علي عبدالله صالح حيث تم إطلاق نار من كل حي في أحياء العاصمة، وسقط عدد كبير من الرصاص في الساحة.. كانت الفتاة متواجدة في الساحة مع قريباتها، وتحدثت عن تفاصيل اختبائهن في مبنى بالقرب من المستشفى الميداني.

كثير من التفاصيل في هذا الدفتر، لكن لا يخلو الدفتر من بعض الألغام كما قالت إحداهن وفضلت (ضاحكة) أن لا أراها، ويبدوا أن أحدهم كتب كلاما (غاضبا) عن الثورة.

زر الذهاب إلى الأعلى