أرشيف

(ترجمة) “الديلي كوليجين” اليمن والمستقبل الغامض

قبل حلول الربيع العربي اقتصرت أخبار اليمن على موضوعات تتضمن اختطاف لشخص أجنبي, أو قرر أحدهم شن هجوم على إحدى ممتلكات الولايات المتحدة, أو الولايات المتحدة تأمر بشن غارات على قرى نائية بطائرات من دون طيار وما إلى ذلك, وبرغم أن اليمن منبع السلالة العربية, ومصدر البن الأصيل لم يلتفت من خبراء مكافحة الإرهاب, إلا القليل منهم, إلى هذا البلد الذي يشكل, بالإضافة إلى عمان من الجهة الشرقية, الحدود الجنوبية لشبه الجزيرة العربية.

 

 

ومنذ ثلاثة عقود تعامل الرئيس علي عبد الله صالح مع هذا البلد وشعبه وموارده وكأنهم أدوات خاصة لتحقيق غاياته الأنانية. وقد أتاح لمؤسسات الطاقة الأجنبية بالعمل على التهام الموارد النفطية المتواضعة للبلاد وغض الطرف عن الحفاظ على الموارد المائية.

 

 

إن هذا البلد الذي أطلق عليه الرومان اسم ” العربية السعيدة” نظرا لبيئته الخصبة نسبيا يواجه نقصا حادا في موارده المائية, وأصبح الآن لا ينتج إلا القات, تلك الشجرة المخدرة التي يمضغها كل فرد تقريبا وتتميز بتركيز عنصر الماء وامتصاص العناصر الغذائية في التربة وما تزال تتأرجح على حافة اضطراب عاصف خلال أفضل فترة من العقد الماضي.

 

 

لقد خاض هذا البلد حربا أهلية مع الحوثيين, وتوترات انفصالية في المحافظات الجنوبية التي لاقت إهمالا يرثى له, ورفع تنظيم القاعدة رأسه في الصحاري الشرقية ما أدى إلى استياء لطالما خفت بفعل الخوف من العقاب الحكومي, أدى الى انفجار شعبي إلى الساحات العامة إثر العواصف التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط.

 

 

…. لقد كان الشعب اليمني, من خلال رفع اللافتات والمطالبة باستقالة الرئيس المستبد, آملا في إحداث نوع من التغيير الجذري وبالطرق السلمية, تغييرا كانت تونس قد حققته وأوشكت مصر على تحقيقه. ولكن وبحسب تصريح رئيس الوزراء اليمني (السابق) علي مجور في فبراير 2011 ” اليمن ليست تونس او مصر. اليمن بلد ذو وضع مختلف خاص به” وبينما كانت مشاعر رئيس الوزراء تهدف إلى نزع شرعية العاطفة الشعبية, إلا إنه ومع ذلك لم يكن على المزيد من الصواب.

 

 

إن اليمن لم يحقق وحدة وطنية إلا في عام 1990 , خلافا لمصر التي تعد الزعيم السابق في الحركة القومية العربية, وخلافا لتونس التي عملت على تطوير هوية وطنية موحدة في وجه الاستعمار الأوربي, وتحقيق اليمن وحدته الوطنية جاء بعدما أطلقت وحدة, تحققت مبدئيا عام 1990, شرارة حرب أهلية دارت في عاصمة اليمن الجنوبي الساحلية سابقا, عدن. وقبل تلك الفترة انقسمت اليمن بين الشمال والجنوب, جمهورية واشتراكية, في حين ظلت المحافظات النائية معتمدة على الأنظمة السياسية القائمة على أساس محلي وقبلي.

 

 

ولذا في حين تمكن صالح ربما من أن يطلق على نفسه اسم الموحد الأكبر من حيث الانجازات على الخارطة, إلا أنه من الواضح لدى كثير من المراقبين أن إبقاءه على القوة يستند إلى قدرته على موازنة احتياجات كثير من المطالب الإقليمية واللجوء إلى العنف. لكن العام المنصرم أثبت أن نظام حكم صالح والحكومة المركزية يتميزان باحتكار استخدام القوة على كل حال.

 

 

وفي مايو الماضي ألقت قبيلة حاشد النافذة بدعمها خلف المقاومة الشعبية بعدما غير صالح قراره بالتوقيع على مبادرة لمجلس التعاون الخليجي تشهد لانتقال سلمي للسلطة تحت إشراف حكومة وحدة مؤقتة وتسليم مقاليد السلطة لرئيس مؤقت. وسرعان ما باتت العاصمة صنعاء على شفا حرب أهلية مع المقاتلين المتمردين الذين سيطروا على عديد من الوزارات الحكومية إضافة إلى المطار ومرافق المياه, ثم تعرض مجمع صالح الرئاسي في 3 يونيو إلى ضربة بقذيفة هاون أصابته في رئته وأدت إلى حروق في أكثر من 40 في المئة من أجزاء جسمه وألجأته إلى البحث عن رعاية طبية طارئة في السعودية.

 

 

ورغم هذا كله عاد صالح إلى البلد في سبتمبر ووافق فقط على التنازل عن السلطة لنائبه وعلى حكومة وحدة وطنية كجزء من اتفاقية مجلس التعاون الخليجي نهاية فبراير 2012 لكن تقريرا حديثا للجزيرة أكد أن إعادة التفاوض في شروط المبادرة أمر راجع إلى حيل صالح التي يكررها لكي يشرف على إعداد مسودة دستور جديد والاحتفاظ بمنصبه قائدا للبلاد إلى أن تصبح الحكومة الجديدة جاهزة لتولي مهامها.

 

 

ولكن بينما يحكم صالح قبضته – ولتعذروني على هذا التعبير- انزلق مزيد من المحافظات من بين أصابعه, واعتقد بعض النقاد, مع استيلاء القاعدة على محافظة أبين الشرقية دون إراقة الدماء, اعتقدوا أن صالح يشجع على التقلب الإقليمي وعدم الاستقرار.

 

 

 ولسوء الحظ فإن نظرية المؤامرة هذه ليست بجنون العظمة كما تبدو, لاسيما عندما تعني رجلا عمل بشكل منظم على تجاهل احتياجات ورغبات شعبه طيلة أكثر من ثلاثة عقود.

 

 

وفي ظل هذه التعقيدات المتشعبة وتفشي عدم الاستقرار, لا يبدو مستقبل اليمن مبشرا بالخير وحتى مع تشكل حكومة مركزية جديدة يتساءل المنظرون السياسيون عما إذا كان بالإمكان عمل شيء للتخفيف من حدة الانهيار الناجم عن إهمال الرئيس (السابق) علي صالح.   

بقلم: ماكس كالوي

ترجمة: محمد جميل- لــ يمنات

زر الذهاب إلى الأعلى