فضاء حر

الآن من يصدق الجزيرة؟

لم أعد أصدق ما تقوله قناة الجزيرة عندما يكذب أحدهم لصالحك تفرح وتشعر بالامتنان لكنك لا تعود تصدقه فيما بعد.

كنت ألمح ظلال الاستخبارات القطرية في تغطية الجزيرة لثورة بلادنا وأتواطأ كأي شرق أوسطي مهزوز ومضطر على الدوام على التحالفات القذرة.


وكان نظام صالح يصرخ من بعض تلك الاكاذيب كأي كذاب كبير تعرض لمن هو أكذب منه وأكثر فتكاً.
لم أعيد هنا حكاية الراعي الكذاب، فنظام صالح قد اندثر ولم ينبثق منه غير تهمة صالح للخسة المستخدمة بين الثوار ضد بعضهم.


كانت الجزيرة أيقونة في زمن الربيع العربي وستبقى مصاحبة للربيع الثوري في الذاكرة وسيبقى الناس يستشعرون قوة الخبر الأول الذي أسس للرغبة الجماعية في أن يتكرر.


ذلك الخبر الذي أذاعته الجزيرة بصوت ليلى الشيخلي وهي تطبع كفيها جذلا وتقول، أكدت المصادر أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد غادر الأراضي التونسية. فاحد تدمنا جميعاً نريد أن نصل بالسيدة ليلى لتذيع لنا ذات الخبر عن رئيسنا.


والجزيرة لم تراجع ذاتها بشأن اللحظة وانجرفت بكل قوة منطقها التبريري الذي منحها الحق الأخلاقي في استخدام الاكاذيب لأهداف أسمى، أو هكذا بررت إدارة القناة ومحرروها خطيئتهم الإعلامية مدعين أنهم لا يلمحون رجال الاستخبارات القطرية، ليس في أروقة القناة وإنما في المحصلات النهائية لحاجة قطر الساذجة الصغيرة لشيء من العظمة المتاحة، ناهيك عن حاجتها أثناء تغطية ثورة اليمن لتلقين السعودية درساً في علاقة الكبير والصغير والصراع بينهما.


نوع من استعراض القوة ضد الاستعلاء السعودي يفضي لمكسب معنوي قطري أكثر منه تواجداً منافساً تماما للسعودية في اليمن.
في أكثر من مشاركة لي تورطت في أكثر من مجارات هيبة الجزيرة ودورها الثوري، وكنت أحس باستعلاء المذيع وإعطاء نفسه الحق في محاولة توجيه لقول ما يريدونه هم.


كانت شهور حماسة وكنا مخلصين للحدث ناقمين على نظام صالح ولم نتوخ الحذر بشأن النزاهة وكيف أن المظلوم لا يجد ربه استخدام أداة الظالم ابتداءً بالعنف وانتهاء بالأكاذيب.


كان علينا مقاومة أكاذيب الجزيرة وهذه ليست مرثية لنظام صالح على أنه تعرض لمظلمة تاريخية أنا أرثى الذات الثورية التي منحت نفسها الحق الأخلاقي في استخدام الأكاذيب وتخلت عن كبرياءها ضمن واحدة من أكثر تواطؤات الجماعية في تاريخ الإعلام وأكثرها مدعاة للتقزز.


حددت الجزيرة استعراضات مدهشة يتم تكرارها فيما يشبه الإغواء على غرار "هرمنا- هرمنا" وكنت اللحظ أكثر من شاب يحاول استرضاء معايير الجزيرة بعرض مشابه وترديد جملة قد تحمله إلى حيث وصل صاحب "هرمنا" وهذا ليس خطأ إعلامياً ولا كذباً.


أنا هنا بصدد مثال عن قوة الإعلام وقسوته وقدرته في الانفعالات التاريخية على الإغواء ودمغ الأحداث النبيلة بمحفزات الاستعراض والنجومية. هذا هو الجانب الأخر من دور الجزيرة السلبي وهي تضع الناس أمام إغواء النجومية فيفقدون يقظتهم ولا يعودون بحاجة للدقة والموضوعية أثناء استماتتهم على الإبهار.


من يمكنه في هذا الجزء إدانة الإعلام أو تبرئته وهو يورط الناس في فخ الإبهار. هذه معضلة عالمية وليست خطيئة ابتكرتها الجزيرة.
لكن الخطيئة في الأكاذيب ناهيك عن تصفية حسابات إقليمية، المؤلم في هذا كله أن الجزيرة كانت حذرة في تونس ومصر وما إن وصلت اليمن حتى وجدت نفسها تكذب باسترخاء تام ضمن حالة من اللاإكتراث، وكأننا قطيع منفعل غير متعلم وليس متطلباً إعلامياً، وقامت بتسويق الأكاذيب لأجل يمنيين مساكين ووعيهم أبسط من أن يدقق في شيء، وسيقبل بأي شيء.


المصدر: صحيفة الأولى – 5 / يوليو

زر الذهاب إلى الأعلى