فضاء حر

ثقافة العصيد

دخل اليمنيون الإسلام برسالة من خاتم الأنبياء والرسل محمد (ص) الذي قال فيهم الإيمان يمان والحكمة يمانية ، هم أرق قلوباً وألين أفئدة ، وآمنوا بالرسالة الإسلامية وساروا على نهجها ، ونشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها لأنهم آمنوا بقيمة "الكلمة" وأعطوها حقها من المكانة والتقدير ، وصادقوا الناس فصدقوهم.

هذا النهج الطبيعي للإنسان لم يُعد مع الأسف الشديد من سمات الكثيرين في المجتمع اليمني إلا من رحم ربي ، وأصبحت السمة الغالبة هي الكذب والتضليل والتزوير والتلفيق والوصولية والضحك على الذات وسلسلة طويلة من الصفات السلبية تنتهي بصفة حمران العيون. إذن نحن أمام مشكلة أخلاقية قبل أي شئ آخر وتحولت هذه المشكلة إلى مرض مستعصي أصاب المجتمع وبات بحاجة إلى علاج سريع قبل القيام بالتفكير بإجراء أي نوع من التغيير أو إقامة الدولة المدنية أو الدستورية أو الثورة أو ماشابه ذلك.

ليس هناك ما يمكن تغييره طالما أن الإنسان بات يبيع صوته أو كلمته أو إلتزامه تجاه قضية بسيطة أو تافهة فضلاً عن قضية وطنية مقابل كيس من الدقيق، إلا إذا كانت "ثقافة العصيد" قد أصبحت هي الثقافة الطاغية والمسيطرة عليه أكثر من أي ثقافة أخرى. حتى الأمثلة الشعبية أصبحت تسوق لمثل هذه الثقافة مثل "إشبع الفم تستحي العين" أو يقال عند وصف ناكر الجميل "يدك في فمه ويده في عينك". بمعنى آخر .. أنه لا يمكن إقامة أي دولة حقيقية مبنية على مؤسسات دستورية دون أن تسود في بداية الأمر ثقافة "الإلتزام بالكلمة" التي تبنى عليها اللوائح والأنظمة والقوانين والدستور والقسَم واليمين القانونية والدستورية وما إلى ذلك التي ينبغي الإتفاق عليها والإلتزام بها قبل "الإلتزام بالعصيد"

سقطت الوحدة اليمنية وتفرقت قلوب اليمنيين وتكبدوا المعاناة والمرارت والكوارث حتى هذه اللحظة بسبب أن "حمران العيون" فكروا بالعصيد وعصدوا معهم الشعب اليمني شمالاً وجنوباً ولم يفكروا بالكلمة التي قطعوها على أنفسهم عندما وقعوا على إتفاقيات الوحدة اليمنية. وهناك من أطلق الفتاوى الدينية المزورة لقتل الجنوبيين لأنه كان يفكر بقيمة العصيد أكثر من قيمة الكلمة وأهميتها في صناعة التغيير أو التدمير. 

كيف يمكن للشعب اليمني أن يقيم دولة وهو يعتمد على من لا يؤمن بالكلمة التي تعتبر شرف المرء وتعطيه حق قدره من المكانة والأهمية التي يستحقها وبدونها يكون(بلا شرف) لأنه يستخدمها كأوراق حمام لقضاء حاجته ، بل والأكثر فداحة عندما نجد الكثير من الذين يعتقدون بأنهم مثقفون ويشتغلون ببيع ببيع "الكلمة" من أجل حصولهم على قيمة العصيد ، وعندما تتوفر لبعضهم لقمة العصيد الضرورية ليصنعوا وطن ، يطمعون أكثر فيقومون ببيع الوطن ويبدأون بالبحث عن وطن بديل أو بالإصح عن عصيدة أكبر ، لأن الهوية الوطنية تكاد تكون معدومة لديهم وفي وعيهم مهما أجادوا صناعة براءة الإختراعات الكاذبة. 

وفي مثل هذه الحالة التي لا تجد فيها "الكلمة" من يحترمها ويقدرها لتكون هي الفيصل بين الجميع كأساس لمنظومة أخلاقية متكاملة يتعارف ويتفق عليها الناس لتصبح نصوصها هي القائد والموجه للمجتمع فلا يمكن أن تنشأ دولة من أي نوع من الأنواع إلا إذا أتى مُحتل أو مستعمر خارجي يستخدم القوة لإدارة شئون المجتمع. لذا قيل "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا".

إشارة :
الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي كما أشرت في مقال سابق (من ثورة إلى فَوّلة)عن خطاباته المتناقضة التي لم يقم بها سوى أنه أنقلب على "الكلمة" وهي البقية الباقية التي ماتزال تحكم النسيج المصري من خلال مؤسساته القضائية المحترمة بصرف النظر عن صحة أو خطأ بعض القرارات السياسية. لأن إنقلابه هذا أدخل وسيدخل المجتمع المصري وأطيافه النخبوية القانونية والسياسية في دوامة ليس لها مثيل ، لذا تفاجع الكثير من إنقلابه على "الكلمة" التي ماتزال تمتلك القوة الشرعية والقانونية في مصر وبدونها ستتحول إلى بلاد بدائية وسيدخل المجتمع المصري الطيب في أتون فوضى عارمة لا سمح الله إن أهتزت فيها نزاهة وحيادية القضاء وستهدر دولة القانون وترسخ شريعة الغاب ، كما هو حالنا الآن في اليمن ، فهل الإخوان يقومون بمحاولة تطبيق سياسة الفوضى الخلاقة التي أخترعتها كوندا؟؟.

زر الذهاب إلى الأعلى