فضاء حر

الثورة وشباب الأحزاب

لقد اقترنت الثورة بالشباب ؛ لأنهم مشعلوها وحاملوها معاً . حيثُ غدونا نتحدث عن (الثورة الشبابية)الشعبية السلمية .

 لقد باغت الشبابُ , بثورتهم , أولئك الذين كانوا يتحدثون كثيراً عن ضياع الشباب , واستلاب هويتهم , وانشغالهم بسفاسف الأمور!

بل إنني هنا أعترف , كأكاديمي , أن الشباب كانوا بمنأى عن اهتمامنا كباحثين وأكاديميين . ولم يكن الشباب ضمن الأجندة البحثية للجماعة العلمية . ولذا فبالرغم أن ثورات ما عُرف بالربيع العربي (ثورات شبابية) بامتياز, إلا أن جامعاتنا ومراكزنا البحثية قد عجزت عن التنبؤ بمثل هكذا ثورات .

 فالشباب اليمني بصنفيه , سواء كان حزبياً أم مستقلاً , هم من أشعلوا الثورة , وتحمل مهرها وكُلفتها ؛ حيثُ كان منهم غالبية الشهداء والجرحى والمعتقلين .

أذكر أنني , حتى قُبيل اندلاع الثورة , كنتُ أصف بعض الشباب الحزبي المتمرد على القرارات والتعليمات والأوامر الحزبية بـ(الطيور الحزبية المهاجرة) .

أقصد هنا , بالهجرة : هجرة حزبية وسياسية , فبعض هؤلاء (الطيور) كان يهاجر إلى عش حزبٍ آخر, سواء أكان حزب الحاكم , المؤتمر الشعبي العام ؛ باعتباره (التنظيم المضياف) آنذاك , أو أي حزب آخر في المعارضة . أو يغدو معنا , من (حزب المستقلين) .

نستطيع القول , في هذا السياق, أن الشباب المستقلين وشباب الأحزاب المتمردين تنظيمياً , قد كان لهم قصب السبق في إشعال الثورة ؛ حيثُ كانوا بمثابة طليعة الثورة و رأس حربة في التغيير , ومواجهة خصوم الثورة وأعدائها معاً .

أما الشباب الحزبي , الملتزم تنظيمياً , فلم ينضموا للثورة إلا حينما قررت أحزابهم (تكتل أحزاب اللقاء المشترك) الالتحاق بركب هذه الثورة السلمية . وقد أبلى الجميعُ بلاء حسنا .

ولأن ثورتنا السلمية , ما انفكت تواجه تحديات عديدة ؛ حيثُ تكالب عليها الأعداء , سواء أكانوا محليين أم إقليميين ودوليين . إضافة إلى ما تواجهه من نيران (صديقة) ؛ فإن من المتوقع حدوث موجة جديدة من هجرة (الطيور الحزبية) من مقرات أحزابها وتنظيماتها صوب ساحات الثورة وميادينها , خاصة عقب تعثر ما عُرف بالمسار السياسي , وتكبيله للفعل الثوري السلمي .

لقد عرفت ثورتنا ما يمكن تسميته ب(حرب شعارات) بين بعض الشباب المستقلين والحزبية , وأحيانا الجهات المضادة للثورة ؛ فعلى سبيل المثال أحتضن بعض ساحات الحرية وميادين التغيير شعارات مناوئة للأحزاب والحزبية . كالقول بـ( لا حزبية ولا أحزاب ثورتنا ثورة شباب) و(أن الثورة فوق الأحزاب).

وعلى الرغم أننا لا نقر مثل هذا العداء المفتعل بين الثورة والحزبية ؛ لأن ثورتنا تنشد الدولة الديمقراطية , التي من سماتها وجود تعددية سياسية وحزبية فاعلة .

لكن الإشكالية تكمن في وجود ثورة من دون أحزاب ثورية !

والأخطر في هذا الصدد , أنه غدا لدينا شباب حزبي ثوري من دون قيادات حزبية ثورية !

سيظل شبابنا (الحزبي والمستقل) هم عماد ثورتنا , ورأس حربتنا في التغيير نحو الأفضل .

 وبالتالي يتعين على القيادات الحزبية إدراك التحول العميق في ثقافة كثير من كوادرها وأنصارها الشباب , وثورة التوقعات التي تملكتهم باتجاه التغيير الجذري.

ولذا ينبغي فتح أبواب ونوافذ مقراتها لـ(الأكسجين الثوري) ؛ فتسارع في تجديد قيادات أحزابها و برامجها وأنظمتها الداخلية , وإشراك الشباب في صنع القرار الحزبي واتخاذه .

لأن البديل سيكون , إما مزيد من الهجرات المعاكسة لـ(الطيور الحزبية) باتجاه الساحات والميادين , أو تشكيل (أعشاش حزبية) جديدة , أو باتجاه التغيير غير السلمي والعنيف , وهذا مالا تستطيع القيادات الحزبية(المتعقلة) تحمله .

إذن : يا قيادات الأحزاب غيروا قبل أن تُغيروا , يرحمنا ويرحمكم الله.

نقلا عن: المصدر أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى