فضاء حر

” انتفاضات في زمن الذلقراطية “

ونحن اليوم نتنفس نسمات الحرية والكرامة  التي تهب علينا من ربيع الثورات العربية في العديد من أقطار وطننا العربي الممتد من المحيط إلى الخليج  عادت بنا الذاكرة إلى  كتاب كنت  قد قرأته  أثناء سنوات دراستي العليا في المملكة المغربية الشقيقة  بعنوان:" انتفاضات في زمن الذلقراطية " للمفكر والمستشرف العربي المغربي الدكتور المهدي المنجرة الذي جمع فيه  العديد من مقالاته  وكتاباته وحواراته الصحفية  حول الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 1998م  لتعيد لقضية العرب الأولى زخمها النضالي المدني السلمي الذي قاده حملة الفكر وليس الجنرالات الذين مرغوا وجه الأمة في الوحل عبر التاريخ الحديث والمعاصر.

إن الجانب المشرق في موضوعنا الذي جعلني أستحضر ما في ذاكرتي من معلومات وأفكار حصيلة قراءتي للكتاب المذكور هو دهشتي وثقتي بنفسي وبأمتي التي استعدها مع انطلاق أول صرخة من تونس لربيع الثورات العربية بعد أن أطلقت عنانها حنجرة الثائر ( محمد بو عزيزي) في اللحظة التي رأيت فيها تحقق نبوءات أو توقعات أستاذنا القدير( المهدي المنجرة )* التي سطرها قبل عقدين من الزمن في كتابه المذكور، والتي رأى فيها آن ذاك أن إعصار انتفاضة أطفال الحجارة – في فلسطين الثائرة على مدى العصور- سوف يجتاح كافة أقطار وطننا العربي الذي لم يجلب إليه حكامه عبر التاريخ الحديث والمعاصر إلا غبار الذل والهزيمة والتقهقر إلى أدنى السلم الحضاري بين الشعوب.

لكن مصدر دهشتنا الفعلي واستعادتنا لثقتنا بأمتنا – الذي قال عنها الحق سبحانه: " كنتم خير أمة أخرجت لناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" لا ينبع من تحقق نبوءاته على أرض الواقع- بحد ذاتها – لأن ذلك ليس ببعيد عن قامة فكرية سامقة كالأستاذ المنجرة بل نابع من سرعة تحققها خلال فترة زمنية تعد وجيزة في عمر الشعوب، من جهة، ثم  لتطابق الفعل الثوري لانتفاضة فلسطين الثانية وبراكين غضب ربيع الثورات العربية التي تدور اليوم على امتداد ساحات الوطن العربي وكأن الفاعلون هم أنفسهم هنا وهناك ( أطفال وشبان الحجارة ) من جهة ثانية.

 أما ما يخص تحقق نبوءات  أستاذنا المنجرة فقد كنا ندرك جيداً أنه ليس بمنجم أو عراف لكي نقول عنه " كذب المنجمون ولو صدقوا" فهو مفكراً وعالم مستقبليات معاصر لذلك نجده قد أسند نبوءاته أو بالأصح توقعاته  إلى جملة من الحيثيات العلمية والموضوعية النابعة من القراءة المعمقة للواقع السياسي والاقتصادي الاجتماعي الذي كان ومازال قائماً في عالمنا العربي والمنحى الذي ينحيه مستقبلاً، وقد لخصه بعبارات وجيزة فحواها: أن ما يدور في وطننا العربي من ممارسات سياسية واقتصادية اجتماعية  يطلق عليها الحكام المستبدين أسم " الديمقراطية " إنما هو في حقيقة الأمر " ذلُقراطية " فالحكام العرب الذين يقودون أنظمة الذلُقراطية في الوطن العربي هم مجرد أقنان يقبلون بالذل والاستعباد ومصادرة الحقوق والحريات الممارس عليهم من قبل أنظمة الهيمنة والاستكبار في العالم بل ويقدمون لهم ثروات ومقدرات بلدانهم على طبق من ذهب، في الوقت الذي نجدهم ( أي الحكام العرب) يمارسون نفس ما يمارس عليهم على شعوبهم المقهورة التي وصل الحال ببعضهم إلى أن أصبحوا مجبولين  على الذل والعبودية ليذكرنا بعصر الجاهلية حين كان بعض سادة قريش يقومون بإعتاق رقاب جزء من عبيدهم لكن العبيد يرفضون الحرية ويرتمون عند أقدام سادتهم ليترجوهم البقاء على العبودية ضناً منهم أن الأرزاق بل والحياة والموت ليس بيد الخالق عز وجل بل بيد سادتهم وجلاديهم.، وهذا ما نراه اليوم بين الكثير من الجهلة أو الزنادقة من أبناء الشعب اليمني والشعوب العربية الأخرى الذين انزلقوا إلى هاوية الشرك في عبادتهم للطواغيت معتقدين أن نساء العرب لم يلدنَ رجالاً أو نساء غير هؤلاء الحكام جديرون بحكم بلدانهم وهم الأسوأ بين من حكموا أوطان " بلقيس وأروى والمعز والمعتصم والقسَام والشابي والمختار وغيرهم من عظماء الأمة " خلال التاريخ القديم والحديث بل هم الذين لم يكونوا جديرون بالحكم ولم يكونوا يحلمون يوماً بذلك لولى سخرية الأقدار التي هي من مشيئة وحكمة مالك الملك الذي يقول سبحانه في محكم كتابه " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " صدق الله العظيم. 

 

   * هو الدكتور المهدي المنجرة مفكر وعالم عربي مغربي معاصر في مجال الاستشراف أو التوقع  بالمستقبل من خلال القراءة التحليلية للواقع المعاش، عمل أستاذا في جامعة سيدي محمد بن عبد الله – ظهر المهراز –  كلية الحقوق – فاس – المغرب – ثم موظفاً سامي في منظمة الأمم المتحدة التربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو )  ثم أستاذ في محاضر قي جامعات يابانية، هو الآن متقاعد حسب مقابلته الأخيرة مع قناة الجزيرة في برنامج زيارة خاصة – من كتبه التي وقعت بين يدي فقرأتها – الحرب الحضارية الأولى عن غزو العراق- انتفاضات في زمن الذلُ قراطية الكتاب الذي اقتبست منه عنوان موضوعنا- الاتصال والتواصل عن التطور السريع لوسائل الاتصال والتوصل في التاريخ المعاصر وأهميته في التقارب والحوار بين الأمم والثقافات والتأثير والتأثر في علم  القرية الواحدة ويحث فيه الشعوب العربية على الاهتمام بهذا العلم.

زر الذهاب إلى الأعلى