فضاء حر

رئيسي الدولة والحكومة التوافقية قرارات وتوجيهات تبدو حسب الطلب

من يتابع قرارات وتوجيهات الأخوين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يلاحظ أنهناك البعض من هذه القرارات ونذكر على سبيل المثال (قرار الأخ رئيسالجمهورية الأخير بشأن أراضي المستثمرين السعوديين وتوجيهات رئيس الوزراءبشأن نقل بعض الكوادر منقطاعات مؤسسية مختلفة للدولة إلى المؤسساتالجامعية) يلاحظ أنها ليست ذات علاقة بالواقع اليمني الراهن المتأزم الذييفترض أن تكرس كل إمكانات الدولة وجهود رئيسها ورئيس حكومتها لإعطاء كلاهتماماتهم للقرارات والتوجهات الصارمة المرتبطة بحلحلة القضايا الوطنيةالملحة التي تسهموبشكل سريع وعاجل في نزع فتيل الأزمة التي تزداد تعقيداوخطورة مع مرور الوقت والتباطؤ في اتخاذ القرارات الحاسمةـ ونقصد بذلكالقضايا التي حددتها وثيقة المبادرة كخطوط عريضة لبرنامج رئاسة دولة وحكومةالوفاق الوطني للمرحلة الانتقالية مضاف إليها القضايا المرتبطة بالظروفالمعيشية للشعب اليمني وأمنه وسلمه الاجتماعي باعتبارها قضايا ذات ارتباطمصيري بكيان الوطن اليمني وحدة أراضيه، من جهة، كما أنها من القضايا الملحةالمجمع عليها وطنياً كونها جاءت كسبب وكنتاج لظروف الاحتقان ألتي آلتإليها البلاد خلال السنوات الماضية واستدعت قيام لثورة الشبابية الشعبيةالتي جاءت برئيس الدولة وحكومة الوفاق الوطني، من جهة ثانية.
منخلال القراءة التحليلية لهذه للقرارات والتوجيهات يمكن أن نستشف عدة حيثياتموضوعية تجعلها غير ذات أهمية في الوقت الراهن بل وليست من صميم مهامحكومة انتقالية ورئيس توافقي منتخب لا يستند إلى شرعية دستورية ومؤسسةتشريعية منتخبة بل إلى ما يمكن أن يطلق عليه مجازا ( خارطة طريق أو أجندةأو وثيقة توافق وطني محددة المهام والمسارات والاتجاهات) تستند – في حقيقةالأمر – إلى شرعية ثورية تصب جميعها في بوتقة مهمة سياسية شائكة ومعقدة بلومؤطرة زمنيا بعامين شمسيين، تختصر هذه المهمةبقيادة سفينة الوطن من شاطئالمخاطرة بمصير الدولة اليمنية الموحدة وسلمها الاجتماعي إلى شاطئ الأمانوالاطمئنان على كيان الدولة اليمنية والسلم الاجتماعي والوحدة الترابيةللوطن اليمني التي يتربص بها المتربصون.
أن المهام المختزلة في هذهالمهمة جميعها ذات طبيعة سياسية ترتبط بقضايا وطنية داخلية مصيرية وسياديةمن قبيل ( دمج الجيش والمؤسسة الأمنية على أسس ومبادئالولاء للوطنوالشعب، والتصدي لكل ما يزعزع أمن الوطن واستقراره ووحدته- أيا كان مصدرهاجنبا إلى جنب مع إصلاح و إعادة هيكلة السلطة القضائية والتصدي لقلاقلالردة عبر الثورة المضادة التي تقودها فلول النظام السابق، والتحضيروالإعداد لمؤتمر التصالح الوطني وفق مقتضيات قانون العدالة الانتقالية التيسبق أن طبق في بلدان عديدة كاملا غير منقوصا، بالإضافة إلى التحضيروالإعداد لصياغة دستور جديد للبلاد والانتخابات التشريعية والرئاسية التيتؤسس لقيام الدولة المدنية الحديثة المعنية بتحقيق ما تبقى من أهداف ثورةالتغيير الشبابية الشعبية ) لكن ذلك لا يعني – بأي حال من الأحوال – أنتقتصر قرارات وتوجيهات قيادات الدولة والحكومة التوافقية الانتقالية على ماذكر من قضايا سياسية دون التعاطي مع أي قضايا ذات طبيعة إدارية تتعلقبالإصلاح والتغير في النظام الإداري للدولة، بل لابد لها من ذلك، لكن يجبأن نقتصر على القضايا الإداريةذات الارتباط الشرطي مع القضايا السياسيةالمشار إليها ونعني بذلك القضايا المرتبطة بمعانات المجتمع وحياته المعشيةالتي لا تحتمل التأجيل والمماطلة بل أن أي شيء منهذا القبيل سيعرقلالمسار السياسي ويدفع بالفئات الاجتماعية محدودة التعليم والثقافة إلىاتخاذ مواقف سلبية من عملية التغيير كما يجعلهم فريسة سهلة لقوى الردة بماتروجه من أراجيف رامية إلى إفشال مسار دولة وحكومة التوافق الوطنيالانتقالية.
من هذا المنظور يتضح لنا أن هناك من قرارات وتوجيهات رئيسيالدولة والحكومة الانتقالية التوافقية هي بمثابة تغريد خارج السرب أوبالأصح قرارات وتوجيهات حسب الطلب كونها لا تخدم عملية العبور والانتقالبالبلاد إلى الواقع الجديد الذي يحقق أمال وطموحات الشعب اليمني الذي صاغهافي أهداف ثورة 11 فيراير2011م ثم أنها أولاًوأخيرا ذات طبيعة إصلاحيةإدارية تتناول أجزاء من قضايا عامة وشائكة جاءت كنتيجة لفساد واختلالالجهاز الإداري العام للدولة في ضل النظام السابقالذي مازال يسيطر علىمعظم مفاصل الهيكل الإداري في البلاد لذلك فإن معالجة مثل هذه القضايا لايمكن أنبتمدون معالجة الأسباب أي الإصلاحوالتغيير الجذري الشاملللهيكل الإداري للدولة وهذا في حقيقة الأمر من اختصاصات المرحلة القادمة أيالدولة اليمنية التي ستأتي بعد المرحلة الانتقالية والتي يمكن أن نطلقعليها( الجمهورية اليمنية الثانية) إذا اعتبرنا أن دولة الوحدة وإن أصابهاالنكوص هي (الجمهورية اليمنية الأولى).
لمزيد من التوضيح نرجع إلىتحليل ما أوردنا في مطلع المقال من أمثلة لقرارات وتوجيهات رئيسي الدولةوالحكومة، ففي حالة قرار رئيس الدولة المتعلق بإرجاع وتمليك أراضيالمستثمرين السعوديين المصادرة من قبل متنفذين يمنين نلاحظأنه يخص جزء منقضية عامةبل ويميز فئةدون غيرها من فئات المستثمرين في اليمن خلالحقبة النظام السابقوكما هو معروف لدى الجميع أن قضية مصادرة الأراضيوتضيق الخناق على المستثمرين من قبل المتنقذين لم تكن محصورة علىالمستثمرين السعوديين بل اكتوى بنارها كافة المستثمرين من جميع الجنسياتبما فيهماليمنيون لذلك قلنا أنه قرار حسب الطلب ليس إلا ومضيعة للوقت لأنمثل هذه القضايا لا يمكن أن تحل من خلال قرارات وتوجيهات تخص فئة منالمعنيين بها بل من خلال تناولها كقضية تهم التنمية على مستوى وطن بأكملهمن خلال سلطات تشريعية وتنفيذية منتخبة لأن الخوض فيها يستدعي مراجعة شاملةوإعادة نضر بالمؤسسات المعنية وبالقوانين واللوائح المنظمة للاستثمار بلوبالنسبة للأجانب تتطلب مراجعة اتفاقيات الشراكة بين اليمن والبلدان التيينتمي إليها المستثمرين ففي حال السعودية مثلا لابد أن يتم بحث قضية أراضيالمستثمرين السعوديين في اليمن في وقت واحد مع قضايا المستثمرين والمغتربيناليمنيين في السعودية المتعلقة منذ الحرب الخليجية الثانية صيف 1990م أمابالنسبة لأحقية تملك المستثمرين السعوديين للأراضي في اليمن فلابد أن تستندإلى مادة في اتفاقية الشراكة بين السعودية واليمن تعطي الحق للمستثمراليمني في السعودية بتملك الأراضي بشكل مماثل بل وإلى قاعدة القانون أوالعرف الدبلوماسي( المعاملة بالمثل) للمحافظة على حقوق مواطني كل بلدومساواتهم وصون كرامتهم.
كذلك الحال مع توجيهات رئيس الوزراء بنقلكوادر من حملة الدكتوراه من بعض المؤسسات الخدمية والتنموية للدولة إلىالجامعات عن طريق الخفض والإضافة عبر وزارتي المالية والخدمة المدنيةوالمؤسسات المعنية، فالقراءة التحليلية لهذا التوجيه – وإن كنت من المعنيينبه – تكشف للقارئ أنهتوجيه متسرع سابق لأوانه وإن كان من الدوافع التيدفعت ببعض شرائحالمجتمع بالنزول إلى الشارع والالتحاق بالساحات الثوريةفمن المفترض أن يترك للمرحلة القادمة ليناقش ضمن القضية الرئيسة وهي ( فسادالتعليم والمؤسسات التعليمية وكذا مؤسسة الخدمة المدنية والتأمينات التيتغييب المؤهل العلمي والخبرة والاختصاص من قوانين ولوائح التوصيف الوظيفي) مما أدى إلى تباين أجور حملة المؤهل الواحد المتساوون في الخبرة والاختصاصتبعا لاختلاف موقع وظائفهم في المؤسسات الوطنية من قبيل (دكتور حديث التخرجوله رصيد خدمة طويل في الوظيفة العامة خارج المؤسسات الجامعية راتبهالصافي بعد ما يسمى بالإستراتيجية الجديدة لتوحيد الكادر ولأجور لا يتجاوز60000 ريال بينما نضيره أللذي لديه نفس المؤهل بل ويقل عته كثيراً فيالخبرة وسنوات الخدمة في الوظيفة العامة و يعمل في الجامعات يتقاضى راتبشهري صافي يزيد عن 200000 ريال ) كل هذا ناهيك عن تباينات أخرى وتناقضات فيإستراتيجية الأجور -لا مجال لذكرها هنا – قدأحدث شيء من القلق وعدمالاستقرار الوظيفي بين الكوادر العليا العاملة خارج المؤسسات الجامعية،بجعلهم جميعا يسعون إلى الانتقال إلى الجامعات.
نلناء علبه يمكن القولأن هذه القضية هي الأخرى من القضايا أو الاختلالات العامة الناجمة عنالفساد المالي والإداري في الهيكل الإداري للدولة في ضل النظام السابق الذيغيب تماماً الإدارة العقلانية القائمة على أسس ومبادئ التخطيط الاستراتيجيالذي يربط التعليم بكل مستوياته بسوق العمل ومقتضيات اتجاهات التنمية فيالبلاد، وإن كنا قد قلنا بالارتباط ألسببي لهذه القضية مع الوضع التي ألتإليه البلاد في الوقت الراهن، وقلنا كذالك باتتا من المغنين بالتوجيه، فإنمنطق المصلحة العليا للبلاد – في إفساح المجال أمام رئاسة الدولة وحكومةالوفاق الوطني بإخراج البلاد من الواقع المتأزم – يقول أن هذه القضية ليستمن القضايا الملحة بل من القضايا التي تخص المرحلة القادمة كونها ترتبط هيالأخرى باختلال الهيكل الإداري العام للدولة وليس مؤسسة أو حتى بعضمؤسساته، لذلك فأن التعامل معها كجزئية وفق توجيهات غير مدروسة في مؤسساتتشريعية وتنفيذية منتخبةومؤمنة بالتغيير سوف بعقد المشكلة أو" سوف يزيدالطين بلة كما يقول المثل اليمني" وليدرك الأخ رئيس الوزراء أن ذالك فعلاهو ما حدث حيث استغل هذا التوجيه من قبل زبانية الفساد الذين ما زلوايقبعون في مواقع اتخاذ القرار في الجامعات في شرعنة فسادهم إذا قاموابموجبه باستيعاب من يريدون من الذين لهم ارتباط بالنظام السابق ولديهمتوجيهات رئيس الدولة المخلوع مقابل رفعهم برقية تأيد له فيما كان يقوم بهلقمع الثورة الشبابية الشعبية عند انطلاقها، واستقصوا بالمقابل كل الذينساروا في ركب الثورة بعد أن أمنوا أنها السبيل الوحيد لنيل حقوقهم وأنقضيتهم ليس إلا غيض من فيض فساد النظام بأكمله ولا يمكن أن تحل إلا من خلالتغيير جذري لمنظومة الجهاز الإداري للبلادوللنظام السياسي الذي تسبب فيتعطيلها.
وبناءً على ما سلف نختتم مقالنا بدعوة رئيسي الدولة والحكومةإلى إعطاء جل اهتماماتهم خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية للقراراتوالتوجيهاتالملحة والحاسمة والشجاعة التي تفضي إلى الخروج باليمن إلى برالأمان وتؤسس لقيام الدولة المدنية الحديثة التي يعول عليها معالجة كافةالقضايا العالقة انطلاقاً من التغيير الجذري والإصلاح الشامل لكل مؤسساتالدولة وهياكلها بمشاركة كل أبناء اليمن الذين يمتلكون ما يكفي من العلموالمعرفةوالمهارات والخبرات المستندة إلى الموروث الحضاري في المدنيةوالرقي الفكري والثقافي والاجتماعي، كما ندعو هم إلىتوجيه أعضا حكومتهمبالتعامل مع الواقع كما هو عليه بصفتهم حكومة تسير أعمال فقط إلا فيمايوجهون بها من قرارات وتوجيهات تأتي ضمن مقتضيات المرحلة الانتقاليةلمعالجة قضايا لا تحتمل التأخير أو التأجيل.
كما تهيب ونأمل من كل فئاتالمجتمع اليمني الذين لديهم قضيا خاصة أن يعلموا علم اليقين أن كل القضاياوإن اختلفت مضامينها وطرق التعاطي معها والجهات المعنية بها فإن سببهاواحد هو فساد واختلال الجهاز الإداري للدولة الذي مازالت تديره في معظمالمؤسسات نفس الوجوه والشخصيات وبنفس القوانين واللوائح بل والآليات وذلكبعني للعقلاء من الناس أن لا يرجى من وراءهؤلاء شيئا،وبناء عليه فماعلى الجميع إلا الاصطفاف والتمسك بالنهج الثوري السلمي إلى أن تحقق كافةأهداف ثورتهم في الوصول إلى الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانونوالمؤسسات التي ستعيد كل الحقوق إلى نصابها، أوليس الذين تحملوا ثلاثة عقودمن الظلم والتهميش والإقصاء بقادرين أن يتحملوا ذلك لعامين إضافيين مسلحينبالأمل الذي بدأت بشائره الكبرى تلوح في الأفق؟أي ( سقوط هبلوالعزةومناف الثالثة الأخرى).

 

زر الذهاب إلى الأعلى