فضاء حر

الواقع اليمني وعِبرة المثل ” إذا اتفقا القط والفار فأنذر بخراب الدار”

لاشك أن التفاؤل يبقى مطلوباً من الإنسان السوي تجاه أي موقف من المواقف لكن المقصود أو المحبذ من التفاؤل هو ما يبنى على علم ودراية ومعرفة بقراءة الأحداث أو المواقف التي تدور وتتفاعل داخل أي مجتمع من المجتمعات بعد النضر إليها بعين الباحث عن الحقيقة بشكل متجرد من أي عاطفة أو أهواء نابعة من المصالح الضيقة  أو الأحقاد، نعم أن نضرتنا لما يدور أو يفتعل على ساحتنا الوطنية اليوم لابد أن يأتي من زاوية التجرد الذي يتقاطع دوماً مع التحيز إلا في حالة واحدة هي الانحياز للوطن دون غيره كي لا نقع في شراك النفاق الذي حذرنا منه شاعرنا الشعبي سحلول بقوله:

إن كان حِباب الركب مقصدك …………. حبب ركب وأقدام أمك

لا بارك الله بالـذي عـــلــمـــك………….حباب ركب من لا يحبك

 

لكن إذا أردنا قراءة الأحداث وفقاً لهذا الشكل من أشكال التجرد الموازي للتحيز إلى الوطن – فإن ذلك يقتضي منا الابتعاد عن لغتي الدبلوماسية والسياسة اللتان لا تخليا من النفاق و الكذب- إذ سنجد حينها أن ما يفتعل – وأقول يفتعل وليس ما يدور- هو فصل من فصول المبادرة أو بالأصح  المؤامرة الخليجية المستوحاة من حلقات الأفلام الكرتونية – توم وجيري – ( القط والفار) وليس من حقيقة ما يدور في الساحة اليمنية – أي الثورة الشعبية ضد نظام أسري قمعي يعِيث في الأرض فساداً- وإلا فقد قلنا وقال غيرنا منذ انطلاق المبادرة أن لا معنى لها لأن أصحاب الشأن أو المشكلة الحقيقية ونعني بذلك ( الشعب اليمني الموجود في الساحات بكل فئاته) قد رفضوها منذ الوهلة الأولى وما زالوا يرفضونها جملة وتفصيلا لكن الإخوة الأعداء أصروا و مازالوا يصرون عليها لأنها تعبر عن أمانيهم تجاه شعبنا ووطنا الذي تقض مضاجعهم حين  يرون أبناءه ينشدون الحرية والاستقرار لذلك فقد جاءت مبادرتهم لتذكرنا بما سبقها من مؤامرات حاكوها لإجهاض ثوراتنا فهم على مدار التاريخ لا يروق لهم سماع أسم ثورات في محيطهم الإقليمي إلا بعد وأدها  لكي تأتي بأذناب لهم يدجنون الشعوب على سياسة العمالة لهم والطاعة العمياء لأذنابهم الذين جاءوا بهم ليحكمون الشعوب وفق إرادتهم، وهي السياسة  التي لسان حالها يتجسد في الأبيات التالية للشاعر ( أمين الصالحي):

إذا جاءكم من يطلب الأذن في جوعكم ….فقولوا نعم.

وقدر سوف لكم.

ومنه كلوا وطعموا أبنائكم.

كلوا وشربوا من نعيم الوعود.

وعدوا اللحود…….ولا تفزعوا.

فإن النظام لدمع ألثكالى……. سيبني سدود.

 

ولما كان الأمر كذلك فقد قلنا في حينه من خلال كتاباتنا إن هذه مؤامرة وليس مبادرة لأنها جاءت لتنقذ النظام العميل لهم بعد أن أوشك على السقوط في جمعة الكرامة خصوصاً وأنها لم تعترف حتى اللحظة بما يدور على الساحة اليمنية كثورة شعبية ثم أنها قد اختصرت اليمن والواقع اليمني بالصراع بين فئتي ( قط السلطة وفأر المعارضة ) لتلغي الشريحة العظمى من الشعب اليمني التي خرجت إلى ساحات وميادين الحرية والتغيير، وإذا كانت حجة انسياق فأران المعارضة وراء المبادرة آن ذاك هي: أن صيغتها الأولى قد جاءت موافقة لمطالب الشباب في الساحات باعتبار أن بندها الأول قد تضمن استقالة الرئيس خلال شهر وخروج أبنائه وحاشيته من قيادات الجيش والأمن فإننا نقول لهم إن الذين جاءوا بالمبادرة كنوا يدركون جيدا أن صيغتها الأولى ليست هي الأولى والأخيرة بل أن تلك الصيغة كانت مجرد طعم لسحب أرجل فئران المعارضة إلى شراكهم بعد أن استعانوا بخبير مكافحة الفئران الذي أوضح لهم أن سجية الفئران هي الشك والريبة وبالتالي تستدعي الضرورة التعامل معهم وفق قاعدة ( التطمين قبل التسميم ) أي إعطائهم من 3-4وجبات من مادة الطعم تكون خالية من السم إذ أردوها أن تتناول الطعم المدسوس فيه السم في الوجبة الرابعة أو الخامسة، وهذا ما قام به المبادر الذي أدركنا منذ الوهلة الأولى عدم حياديته ليوقِع بفئران معارضتنا في شراكه، وقد كنا نعتقد أنها تضم بين صفوفها عدد من الفئران المخضرمة الذين خبروا دسائس ( عرارية ) السلطة وحلفائهم الإقليمين الذين جادة نخوتهم العربية مؤخراً لمكافئة فئران معرضتنا على تقبل مؤامرتهم بمنح التأشيرة ورخصة العمل للواتي يرغبنا من نسائنا بالعمل لديهم كخدمات.  ( عرارية: جمع عري بلهجة أهل الحجرية وهي ذكور القطط السمينة التي تعيش على سرقة  البيض  وأكلها)

 

وبناءً عليه فإننا بعد هذه النهاية الدرامية المرحلية لمسلسل (توم وجيري) الخاص باليمن، فإننا نقول لكل من قطط السلطة  وفئران المعرضة كفى عبث بمقدرات ومشاعر الأمة كفى فساد فقد مللنا صراعكم الأزلي الذي لم يجلب لبلادنا ولشعبنا إلا الذل والمهانة والتقهقر إلى أدنى سلم الحضارات بين الأمم والشعوب، فقد أصبح جميع من في اليمن حزبين وغير حزبين يشكون في جدية صراعكم وينضرون إليه بعين الشك ولريبة باعتباره مجرد مسرحية هزلية أو حلقة من حلقات الصراع بين( توم وجيري) وتحديدا تلك الحلقات التي يتفقا فيها على صاحبة المنزل الذي يقيمان فيه، وخصوصاً بعد أن وقَعتْ فئران المعارضة على المبادرة وضلت بعد ذلك ولعدة أشهر تنتظر توقيع كبير قطط السلطة عليها، بينما كانت مصداقية وشفافية موقفهم من الثورة تقتضي منهم التنصل منها والعودة إلى الساحات بعد رفض كبير قطط السلطة التوقيع عليها قبل حادثة النهدين، وبالتالي فقد أصبح لسان حال الشعب اليمني اليوم يقول: الله يكفنا شركم ويجنب وطن الإيمان والحكمة مصائبكم وبلاكم من منطلق المثل القائل ( إذا اتفقا القط والفأر فنذر بخراب الدار).

 

وفي الأخير نقول لكل الثائرين في الساحات تنبهوا واستفيقوا لما يحاك ضد ثورتكم من دسائس ومؤامرات وكونوا يداً واحدة بمعني أن جميعكم ثوار بمختلف مشاربكم الفكرية والحزبية تجمعكم أهداف ثورتكم وليس مجرد دمي يحركها قادة الأحزاب لأن لكل زمن دولة ورجال وهذا زمان دولتكم وأنتم رجاله، أما من ترونهم اليوم في سدة السلطة أو سدة أحزاب المعارضة هم مجرد أناس جشعون يريدون مخالفة سنة الله في خلقه ليعيشوا زمنهم وزمان غيرهم، لذالك نراهم اليوم يتسابقون ويتزاحمون على تقاسم ما تبقى من فتات في تركة الرجل  المريض ( اليمن ) غير أبهين بكم وليس مدركين أنهم كطائر (الرِخام) أو كمن جاء ليقيس حجم جنبيته على طعنة في جثة رجل طعنه غيره فلفقت له جريمة قتله، وبدورنا نقول لهم أن ليس أمامهم إلا حل واحد هو أن يعرضوا أنفسهم على جزارين سوق ( الرجم ) في محافظة المحويت فهم الوحيدون الذين يتعاطون جزارة الأبقار الهرمة.

 

فهذه هي نصيحتنا لهم وهي أقصى ما يمكن أن يجود به كرمنا نحن جيل سبتمبر وأكتوبر  لهؤلاء بعد أن هرمنا     – كما قال أخونا التونسي – ونحن ننتظر هذه اللحظة التاريخية لانطلاق ثورة شبابنا السلمية كي تنقذنا من كابوسهم الرهيب وتعيد لنا حريتنا التي سلبوها منا وتحقق أحلامنا المشروعة التي بددوها في الحصول على مكانة ليس في كرسي السلطة لتي اعتقدوا أننا حصلنا على شهاداتنا العليا لننافسهم عليه – رغم مشروعية ذلك – بل في كرسي الوظيفة العامة التي تتناسب مع مؤهلاتنا وتحترم كفاءتنا وخبراتنا العلمية وتتيح لنا فرصة المشاركة في صناعة مستقبل وطننا ورفعته التي كانوا وما زلوا يقفون حجرة عثرة أمامها. لذلك فنحن لن نفرط بهذه ألحظة التاريخية مهما كلفنا ذلك من ثمن لأننا ندرك "أن العاقبة للمتقين"، وليس لكل "عتل بعد ذلك زنيم مناع للخيري معتدٍ أثيم".  

زر الذهاب إلى الأعلى