إجتماعية

حرب أنساب تستعر شرارتها في اليمن عقب إسقاط النظام!

يمنات – متابعات

حرب ضروس أطلقت شرارتها الأولى العام الماضي من ساحات الاحتجاج في اليمن لتصل أخيراً إلى شاشات التلفزة وأقنية الإعلام موضوعها الرئيس شجرة الأنساب.

ولم يعد التشكيك بالأصول والمعايرة بالأنساب حكراً على العوام وسلوكاً يمارس خلف الكواليس، بل صار جزءاً من المشهد السياسي اليمني تمارسه النخب اليمنية علانية، عبر وسائل الإعلام، وعلى الهواء مباشرة. فعلى رغم الهدوء الذي تشهده ساحات القتال العسكرية، إلا أن حرب التنابذ بالأنساب ما فتئت تشتعل تحت قبة البرلمان وعبر الشاشات وفي المجالس.

 

واليمنيون الذين تطربهم أسطورة قديمة جديدة، مفادها بأن اليمن أصل العروبة، هاهم يجلدون انفسهم بقسوة جاهلية بحثاً عن نقاء مفترض. والمفارقة لا تكمن فقط في أن هذه المسائل تطرح في الألفية الثالثة بل وفي كونها تأتي نتاجاً وجزءاً من لحظة ثورية مزعومة تطالب بالتغيير وبتأسيس مجتمع المواطنة والدولة المدنية. وهو أمر يطرح تساؤلات كثيرة عن قابلية اليمنيين لتجسيد ثقافة جديدة حقيقية تقطع مع عصور القبائليات والبطون والأفخاذ كما تقول رندة ناصر (29 سنة).

وكانت حرب الأنساب هذه انطلقت بقوة العام الماضي عندما سرت إشاعة في ساحات الاحتجاج مفادها بأن اللقب الحقيقي للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، هو»عفاش» ما يعني أنه لا ينتمي إلى أسرة الأحمر .

 

ولقي اللقب ارتياحاً كبيراً لدى المحتجين حتى بدا وكأنه يبدد غبناً متراكماً تنوء به نفوس المتظاهرين الذين رفعوا شعار إسقاط النظام. لكن باحثين مستقلين اعتبروا الاحتفاء باكتشاف لقب «عفاش» ملمحاً سلبياً ونقيصة للانتفاضة التي يفترض أن تنهض على ثقافة جديدة وقيم حديثة.

ولم تمض سنة حتى ارتد أسلوب التشكيك بالنسب على معارضي النظام السابق. فخلال الأشهر الأخيرة شن سياسيون وبرلمانيون موالون للرئيس صالح حملة على شخصيات سياسية من معارضيه، ومن هؤلاء أسرة الشيخ الأحمر التي شكك برلماني بارز بنسبها مرجعاً أصولها إلى البانيا. ثم طاولت حملة الاتهامات هذه رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني الذي اتهمه معارضوه بأنه من اصل صومالي. وامتدت هذه الحملات إلى شاشات التلفزة الرسمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت حتى بلغت في الآونة الأخيرة ذروة غير مسبوقة.

 

والحاصل أن الحديث عن أعراق وقبائل وعشائر وبطون وأفخاذ قد يبدو مألوفاً في مجتمع تقليدي مثل اليمن لكنه يبقى مستغرباً ومستهجناً عندما يصدر من نخب البلد أو من يفترض أنهم كذلك.

وبحسب الباحث جازم سيف فإن حرب التنابذ بالأنساب هذه، هي انعكاس لأزمة المجتمع المدني، موضحاً أن اليمنيين ومنهم الأجيال الجديدة ما زالوا مهجوسين بالبحث عن نقاء وتفوق من خارج الفضاء المدني، ومؤكداً أن اليمن لا يزال محكوماً بسلطة الأسر وليس بالمشاريع المدنية.

ويرجع اليمنيون نسبهم إلى فرعين هما نسل قحطان ونسل عدنان. وكانت العدنانية والقحطانية تحولتا إلى ما يشبه الأيديولوجية العصبية لفترة غير وجيزة. وبعد إطاحة النظام الملكي في شمال اليمن في ستينات القرن الماضي سعت الجمهورية الفتية إلى إلغاء التمايز ما بين قحطاني وعدناني، لكن تلك الفترة شهدت أيضاً تصاعداً لظاهرة التشكيك في الهوية اليمنية وهي ظاهرة تترافق أحياناً بالخصومة السياسية.

 

وكان نائب رئيس الجمهورية في تلك الفترة عبد الرحمن البيضاني أحد الذين جرى التشكيك بهويتهم اليمنية. واستمرت قضية التشكيك في نسب البيضاني حتى وفاته قبل سنوات، حتى أنها وصلت إلى المحاكم.

وقبل سنوات تعرض الرئيس اليمني السابق عبد الرحمن الأرياني، وهو المدني الوحيد الذي حكم شمال اليمن، إلى اتهامات بأنه من أصل يهودي. وما انفكت حملات التشكيك تطاول شخصيات مختلفة شمالية وجنوبية فيما «يتهم» البعض بأنهم من أصول تركية وفارسية (إيرانية) أو هندية. ويواجه المولدون الشباب مشاكل اجتماعية جراء هيمنة ما يصفه البعض بخرافة الأنساب. ومعلوم أن جولات الحروب التي شهدها اليمن كحرب صعدة مثلاً، نهضت في جانب منها على القول بوجود سلالة تنتسب إلى نسل النبي.

ويؤكد الباحث جازم سيف وجود نخب سياسية تنهض وتتغذى على خرافة العرق والأنساب وتجد في إعادة إنتاج الثقافة التقليدية مصدراً لديمومتها. وأوضح سيف أن الفرد اليمني يتحدد اليوم وفقاً للنظام التراتبي الطبقي التقليدي، معتبراً ظاهرة شجرة الأنساب واحدة من معوقات ديمقراطية المجتمع اليمني وتحديثه.

المصدر: صحيفة الحياة اللندنية

زر الذهاب إلى الأعلى