عربية ودولية

تونس:الذكرى الثانية للثورة حكومة النهضة تفقد الثورة بوصلتهاوالمارد الشعبي سينتفض من جديد

يمنات-وكالات

بعد عامين عن الثورة التونسية لازال الحال على ما هو عليه لم يتغير فيه شيء، فالثورة لم تحقق أهدافها بعد والبلاد تعمها الاحتجاجات بين الحين والآخر، ناهيك أن الاحتفالات بذكراها الثانية يسودها الاحتقان وأجواء إحيائها يعمها اليأس من حكومة فشلت في تحقيق الأدنى المطلوب.

تونس- تسدل الثورة التونسية اليوم عامها الثاني بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، في ظل حكم حركة النهضة الإسلامية ضمن إطار ائتلافي مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.

ويعتزم الائتلاف الحاكم الاحتفال بالذكرى من خلال حضور عدد من الرؤساء العرب، منهم الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والفلسطيني محمود عباس، فيما تأكد تغيّب الرئيس المصري محمد مرسي، خلافا لما أُعلن سابقا على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية.

ورغم أهمية هذه الذكرى في تاريخ تونس الحديث، فإن الأجواء المصاحبة لها لا تعكس حماسا ولا ابتهاجا، بل عكست احتقانا وتوترا واضطرابات واحتجاجات شعبية، وسط حالة من الإحباط واليأس تجاوزت رجل الشارع لتشمل النخب السياسية والفكرية، والمراقبين من الخارج.

ولا يتردد المهتمون بالشأن التونسي في القول إن "ثورة تونس" تبدو اليوم تائهة بعد أن فقدت بوصلتها بسبب حكومة فشلت في تبديد الغيوم الكثيفة التي أحاطت ولا تزال تحيط بهذه "الثورة" التي اختلف حتى أهلها حول تسميتها.

ولا تُشكك القوى السياسية بنتائج الانتخابات التي أوصلت حركة النهضة إلى الحكم، ولكنها لا تتردد في القول إن "ثورة تونس" تم الالتفاف عليها وتجويفها، حتى أُفرغت من مضمونها، وصولا إلى سرقتها، وتوظيفها لغير ما قامت من أجله.

وقال عطية العثموني الناطق الرسمي باسم لجنة المتابعة ودعم أهالي سيدي بوزيد، وأمين عام حزب صوت الإرادة ليونايتد برس انترناشونال إن الثورة التي اندلعت قبل عامين من مدينة سيدي بوزيد التي ينتمي إليها، "سُرقت للأسف الشديد من قبل القوى السياسية التي تتصارع الآن من أجل الكراسي".

وأضاف العثموني إن "ثورة 17 ديسمبر" كانت لها "شعارات واضحة تتمثل في الحرية والديمقراطية والكرامة والشغل، ولكن بعد عامين نلاحظ أن هذه الشعارات مازالت قائمة لأن الترويكا الحاكمة لا تملك البرامج الواضحة التي تتماشى مع مطالب الثورة".

وتابع أن "ثورة تونس" تاهت بين ثنايا التجاذبات السياسية التي ثبت بالملموس أنها تجاذبات فوقية لا علاقة لها بالمطالب الشعبية التي مازالت مُغيبة، لأن النخبة السياسية تبحث فقط على الكرسي، ولا تهتم بقضايا الناس".

ويرى مراقبون أن تونس شهدت خلال العام الأول من حكم الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية، اضطرابات هي الأسوأ على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويُرشح استمرارها خلال العام الجاري بحدة أكبر، بالنظر إلى الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة.

ويلف المشهد السياسي التونسي حاليا حالة من الاحتقان والتوتر اتخذت منحى تصاعديا بات يُهدد تماسك الائتلاف الحاكم، الذي وجد نفسه أمام عاصفة من الانتقادات والاتهامات وصلت إلى حد وصف الحكومة الحالية برئاسة حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية بـ"الفاشية"، و"الديكتاتورية".

وتُحمل المعارضة الحكومة مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الذي يتجلى في تواصل الاضطرابات والمواجهات العنيفة التي اتسعت رقعتها لتشمل غالبية المحافظات مستعيدة الأجواء الأولى التي سادت خلال الاحتجاجات الاجتماعية التي انتهت بالإطاحة بنظام بن علي في 14 يناير2011.

وقال براهمي الأمين العام لحركة الشعب ليونايتد برس انترناشونال إن الأوضاع الراهنة في البلاد "تُعزّز الشك بالمستقبل الذي تحاول حكومة حركة النهضة فرضه على المجتمع، ويبرّر خيبة الأمل التي تنتاب عموم الشعب الذي يعاني أصلا بسبب تدهور المقدرة الشرائية وتراجع الخدمات الصحية ناهيك عن تفشي البطالة والجريمة المنظمة والانحراف".

وسط هذه الأجواء المشحونة بالهواجس والقلق المشروع الذي تغذيه تداعيات أمنية خطيرة، يبدو أن تيه "ثورة تونس"، وضياعها بين ثنايا التجاذبات السياسية، والمفاهيم الأيديولوجية، وبين تضاريس الحسابات الحزبية الضيقة، والمراهنات الخاطئة، سيتواصل إلى أن يعود الرشد للنخبة السياسية التي عليها ضبط الوضع ديمقراطيا على أساس التوافق لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.

ويرى خبراء أن تونس مقدمة خلال العام الجاري على وضع خطير بسبب استفحال البطالة التي ارتفعت نسبتها في صفوف الشباب لتتجاوز 18 % ، وتراجع الاستثمارات وارتفاع نسبة التضخم لتقترب من 6%، واتساع العجز التجاري، ما ساهم في تدهور القدرة الشرائية للمواطن.

وأخطر ما ستواجهه تونس خلال العام الجاري، هو شبح الإفلاس، بعدما غرقت في المديونية، حيث اعتبر حمة الهمامي، الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية "ائتلاف حزبي معارض"،أن تونس قد "تتعرض لانهيار مالي في غضون 6 أشهر إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة".

ويُقر الائتلاف الحاكم في تونس بأن البلاد دخلت في مأزق، وأن شبح الفوضى يتهددها، حيث حذر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة من تحول الثورة إلى "فوضى" قائلا قبل يومين من الذكرى الثانية للثورة التونسية، إن"بلدانا كثيرة استطاعت الإطاحة بأنظمتها والطغاة، لكنها لم تقدر على بناء دولة ديمقراطية بسبب سوء استعمال الحرية".

ويشار في السياق ذاته إلى أن نسبة كبيرة من الشعب التونسي بات لا يخفي تذمره وسخطه من الحكومة الحالية ذات الأغلبية الإسلامية نظرا لعدم استجابتها للمطالب الأساسية التي قامت من أجلها الثورة التونسية بل الأوضاع الأجتماعية أصبحت أسوأ مما كانت عليه، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير وفي وقت قياسي، ناهيك عن عدم قدرة الحكومة على استتباب الوضع الأمني بعد أكثر من سنة من تسلمها السلطة، ناهيك عن خطر تنظيم القاعدة الذي بات يهدد البلاد التونسية على خلفية أحداث القصرين ودوار هيشر في الفترة الأخيرة.

ولا يخفي رجال الإعلام والثقافة والفن في تونس خشيتهم وقلقهم من الأجواء السائدة حاليا التي تؤشر إلى سعي لتقييد حرية الرأي والتعبير والإبداع تحت مسميات عديدة، حيث تعالت أصواتهم للتحذير من "وجود خطة لدى حركة النهضة لأسلمة تونس"، وتظاهروا في أكثر من مناسبة للتنديد بهذا التوجه الخطير على مستقبل البلاد.

ويرى المراقبون أنه في حال عدم الضبط هذا سينتفض "المارد الشعبي" من جديد ليعيد الثورة إلى مسارها الحقيقي الذي حدده شعارها الأول"الحرية والكرامة، والحق في التنمية والتشغيل" الذي وحد كافة أبناء تونس ما سرّع بسقوط نظام بن علي في أقل من شهر.

زر الذهاب إلى الأعلى