أدب وفن

ساعة الرحمن ذلحين والشياطين غافلين

المستقلة خاص ليمنات

للأعراس اليمنية مذاق خاص ونكهة مختلفة، فهي متميزة بكثير من المظاهر والفنون والفلكلور الشعبي الذي يضفي عليها طابعاً خاصاً واستثنائياً، إلا أن هذه المظاهر لا تتوقف عند حدود الجمال والزينة والرقص فحسب، بل إنها تتسع لفنون أخرى أبرزها الأدب والشعر الشعبي بمختلف ألوانه وخصائصه، فهناك شعر للرقص، وآخر للزفة، وثالث للترحيب بالضيوف، فضلاً عن مهاجل زوامل ترافق كافة مراحل الأعداد والتجهيز للعرس حتى آخر لحظاته البهيجة.

 صفوان القباطي – [email protected]

تمثل الزفة الغنائية التي غردت بها الفنانة “منى علي” رحمها الله، جزءاً لا يتجزأ من أهازيج الأعراس اليمنية، إذ بمجرد سماع صوتها يصدح في الآفاق، يدرك السامع بأن هناك عرساً في المكان الذي يصدح منه الصوت المميز لمنى علي:

ساعة الرحمن ذلحين

والشياطين غافلين

يا عريس الله يسرك

ويسر الناس معك

دار أبوك معمور بياجور

والحمام حوله تدور

وبلسان عريس لم يستطع اخفاء مشاعر الفرح والبهجة في قلبه عند وصول الحبيب بعد انتظار طويل وترقب ومقاومة للشوق والحنين ترنم الفنان الكبير أيوب طارش:

يا قمر يا نجوم يا شمس.. بالله غيبي

لفلفي ضوءك من الدنيا.. ويكفي حبيبي

فرحتي فرحة الطائر.. رأى الفجر غباش

ضيف قلبي أتدى عندي مقيل وسامر

ليت كل القلوب يا ناس.. كانت قلوبي

ربَّما يوسعين حبي فهو.. بحر زاخر

وفي رائعة أخرى يصدح أيوب في سماوات الفرح مترنماً:

رشوا العطور الكاذية.. على العروس الغالية

وعوذوها بالنبي.. وادعوا لها بالعافية

زفوا وحفوا للجميل.. أحلى ورود الرابية

يكفي عروسك يا عروس.. هذي العيون الساجية

تسوى وتستاهل اذا.. عدا الألوف الوافية

يا ليلة العمر الهني.. طولي بفرحة هانية

خلي العروسة والعريس.. فوق النجوم السارية

ويتغنى شاعر شعبي بجمال العروسة وزينتها، حيث إنها تكون في أيام عرسها في أزهى حلة وأجمل منظر وهي منقوشة بالخضاب والحناء والمجوهرات فيقول:

يا محنا الكفوف

حسنك بين الناس موصوف

خل عيني تشوف

قلبي مولع ومشغوف

ومع اجتماع العريس والعروس تكون الفرحة في أجمل لحظاتها، وأصدق أوقاتها، حيث يجتمع قلبان بالهناء والمودة، في بداية عمر جديد، يتمنيان أن يبقيا سعيدين مثل الليلة التي اجتمعا فيها يقول الشاعر في وصف مثل هذه اللحظة:

مسا قلب الهنا قلبين

هواهم من عطر وانغام

يراها منية الدنيا

وتشوفه فارس الأحلام

عسى ربي يديم الود

يهنيهم مدى الأيام

ويبارك عمرهم بالخير

ويبعدهم عن الأوهام

وفي غمرة أجواء الأفراح السعيدة، يضج الليل بالأضواء والأنغام ويطيب السهر احتفالاً بالعروسين، حيث يلتقي الأهل والأحبة، ويقوم الشباب بالرقص على وقع الأنغام البهيجة، مثلما تفعل النساء والفتيات إلى جانب العروسة، حيث تصبح الليالي غامرة بالزينة والطرب.. يقول الشاعر:

قلوبنا ترقص على دقة شعورك

والسحر كل والحلا فيك منثور

وبسمتك شمس أشرقت من ثناياك

تسحر بها قلبٍ بحسنكم مأسور

أقول للحاسد اللي زعل لما شافك

الله يصون العروسة من كل الشرور

ويهمس أحد الشعراء مخاطباً الدار التي تحتضن العروسين ليلة الزفاف، طالباً منها أن تشاركهما فرحة عمرهما، وأن تتغنى في ليلتهما المباركة على وقع نبض الفرحة في قلبيهما فيقول:

يا دار غني قولي لهم مبروك

هذي ليلتهم شاركيهم فرحهم

وارقصي طرباً مع نبض قلبين

ورشي فل ورياحين تعطر سهرهم

ويبدو تقديم التهاني إلى العروسين مألوفاً، حيث يتسابق المقربون للعروسين، إلى تقديم أرق وأصدق عبارات التهاني والتبريكات مشغوفة بأمنيات قلبية بالعمر السعيد لهما:

في ليلة العمر نهديك أحلى التهاني

ونرش حولك شذا عطر وبخور

تهناكم الليلة الباسمة بالأماني

تهناكم اللقيا بالمودة والسرور

إن لحظة زفاف العروسة إلى عريسها، تملأ قلب العريس فرحة لم يشعر بها من قبل، حينها يتخيل أن الحياة كلها واحة فرحة وأن العمر كله عيد للحب والهوى:

إنتي حبي وأنت عيده وسمته

وأنت عيد الحب في هذا الوجود

لك ربيع العمر يهدى باقته

لأجل عينك أجمل أنواع الورود

وليلنا الراقص يضوي شمعته

عايش الأفراح ونجومه شهود

يا حبيب العمر أنت لقلبي فرحته

حبك سكن روحي وما عاد له حدود

وتصف إحدى النسوة الطلة البهية للعروسة وهي تدخل صالة الأفراح بكامل زينتها، وجمالها الذي يفوق الوصف فتقول:

حين أقبلت أحلى عروسة

صارت الصالة لهيبتها سكون

منفوشة الكفين ونجمة الكوشة

قمر منور أذهلت كل العيون

في خذها الورد يسحر من يشوفه

وعلى شفايفها ترتسم كل الفنون

وقالت أخرى:

يوم أقبلت أحلى عروس صابت الصالة سكون

عم الهدوء كل المكان والكل يناظر زينها

الناس من كثر الجمال ما هي مصدقه العيون

يحسبون أنها ملاك يوم رمشت في عينها

لولا خوفها على الحضور يصيبهم عشق الجنون

وتبقى أم العروسة دائماً حاضرة في الواجهة وكأنها نجمة أخرى إلى جانب ابنتها فالفرحة هي فرحتها أيضاً والمناسبة هي من أجمل مناسباتها:

إفرحي يا ام العروسة

زغردي ورشي العطور

وباركي لأحلى عروسة

وشرفيها في عيون الحضور

ويرى أحد الشعراء أن ليلة العرس، لم تسمى بليلة العمر، إلا لأنها أجمل وأسعد اللحظات في العمر كله، فهي ساعات بهيجة مليئة بالفرحة والسرور:

ليلة جميلة ما في مثلها ليلة

فيها الفرح قد سكن كل القلوب

العمر كله يحسد هذه الساعة

ساعة هنا فيها عسل مسكوب

ونختتم بإشارات رومانسية يرسلها كلٍ من العروسة والعريس لبعضهما، يجسدان من خلالها فرحة الواقع وأماني المستقبل فتخاطب العروسة فارس أحلامها بالقول:

يا فرحتي وانت جنبي

تضحك ويدك بيدي

ساكن بروحي وقلبي

فرحة حياتي وسعدي

ويرد عليها العريس معبراً عن فرحه، متمنياً أن يديم الله له الفرحة والمودة مدى الحياة قائلاً:

الله لا يحرمني من عيونك

يا منيتي ساكن أنا جفونك

ربي يديم فرحتي بوجودك

شفديك بعمري وبالعيون شصونك

وتظل الأعراس الأوقات الأكثر بهجة وروعة وفرحاً في حياة كل إنسان، ورغم المشاعر الإنسانية المشتركة، إلا أن الأعراس اليمنية لها طابع خاص، وأجواء خاصة بأجوائها الاستثنائية الشعبية العامرة بالأنوار والطرب والأنس.

زر الذهاب إلى الأعلى